الصيادلة يحذرون من استمرار غياب الأدوية.. وحماة المستهلك يطالبون بالتدخل العاجل

سجّل عدد من الصيادلة في المغرب غياباً لعدد كبير من الأدوية الحيوية عن الصيدليات، معتبرين أن “هذه الأزمة لم تعد ظرفية، بل تحولت إلى معضلة متكررة تؤثر بشكل مباشر على صحة المرضى، خاصة المصابين بالأمراض المزمنة”.
وفي هذا السياق، قال الكاتب العام لكونفدرالية نقابات صيادلة المغرب أمين بوزوبع، إن “غياب أدوية أساسية بدأ منذ أكثر من ست سنوات بالصيدليات المغربية”، مرجعاً أسبابها إلى السياسات الدوائية التي تعتمدها وزارة الصحة، والتي وصفها بغير الحكيمة والبعيدة عن أي بعد استراتيجي.
وأضاف بوزوبع في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “غياب المقاربة التشاركية مع الصيادلة، الذين يعدون الأقرب إلى الميدان والأقدر على تقديم الحلول، ساهم بدوره في تفاقم هذه الأزمة”.
وأوضح أن “السبب المباشر وراء هذا الانقطاع يعود إلى مرسوم وزاري صدر سنة 2013 بخصوص مسطرة تحديد أثمنة الأدوية، والذي فشل في معالجة جوهر المشكل”، فالمرسوم، بحسبه، ركّز على الأدوية الرخيصة جداً وخفّض أسعارها بدرهم أو درهمين، في حين تجاهل الأدوية الباهظة الثمن التي تصل إلى آلاف الدراهم وتشكل عبئاً كبيراً على المواطنين وصناديق التأمين.
وانتقد بوزوبع هذا التوجه معتبراً أنه “دفع المصنعين إلى التخلي عن إنتاج الأدوية الرخيصة التي لم تعد مربحة بالنسبة لهم، مما تسبب في اختفائها من السوق”، موضحا أن “هذه الفئة من الأدوية ليست ثانوية، بل تشمل أدوية أساسية لعلاج أمراض مزمنة مثل السكري، الغدة الدرقية وأمراض القلب والشرايين”.
كما كشف أن “نسبة الأدوية المفقودة من الصيدليات وصلت إلى حوالي 10 في المائة، وهو رقم مقلق بالنظر إلى طبيعة هذه الأدوية ودورها الحيوي”، مؤكدا أن “الصيادلة سبق أن قدموا مقترحات عديدة لوزارة الصحة لمعالجة الأزمة، غير أن هذه المقترحات لم تلقَ أي تجاوب، ما خلق حالة احتقان داخل القطاع”.
وفي حديثه عن هذه المقترحات، أوضح بوزوبع أن الصيادلة طالبوا بإخراج قانون يسمح لهم باستبدال الأدوية المقطوعة من السوق، بما يسهّل على المواطنين الحصول على العلاج، كما شددوا على “ضرورة وقف التخفيضات عن الأدوية الرخيصة جداً لحماية استمرارية تواجدها، مقابل التركيز على خفض أسعار الأدوية الغالية لما لذلك من مصلحة للمواطنين وصناديق التأمين، غير أن الوزارة لم تستجب لهذه المطالب”.
وفي تصريح سابق لصحيفة “صوت المغرب”، عبّر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، عن استغرابه من تفاقم أزمة الأدوية في الصيدليات المغربية، رغم أنه تم التنبيه إليها منذ 2014 و2019، لتصل إلى ذروتها سنة 2025، في غياب أي تدخل فعلي لاحتوائها.
واعتبر الخراطي أن “المستهلك بات اليوم يتنقل من صيدلية إلى أخرى بحثًا عن “الجوهرة المفقودة” التي قد تنقذ حياته، وأن استمرار هذا الوضع سيدفع المرضى إلى اللجوء لبدائل خطيرة، من قبيل السماسرة والمشعوذين، مما يعرض حياتهم لخطر حقيقي”.
وفي هذا الإطار، شدد الخراطي على أن “غياب أكثر من 2000 نوع من الأدوية يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الأطباء على أداء مهامهم العلاجية، في حين تفتقر الصيدليات للأدوية الأساسية المرتبطة بأمراض مزمنة مثل القلب، والسرطان، والسكري، والعيون”.
كما نفى رئيس الجامعة أي علاقة مباشرة بين اختفاء الأدوية وأسباب دولية كارتفاع أسعار المحروقات أو الحرب الروسية الإيرانية أو الإسرائيلية، معتبرا أن السبب الرئيسي يكمن في ضعف هامش الربح، ما جعل المنتجين والموزعين يعزفون عن توفير بعض الأنواع.
وفي غضون ذلك، دعا الخراطي إلى “تدخل عاجل من جميع الفاعلين من أجل وضع حد لهذه الأزمة، التي تنذر بانهيار وشيك لمنظومة صحية تعاني أصلاً من اختلالات بنيوية”، مؤكداً على “ضرورة معالجة جذرية وشاملة عبر سياسة دوائية واضحة المعالم”.