الشتاء داخل الخيام.. حيث يصبح الانتظار أكثر قسوة من الزلزال

بعد أكثر من ثمانية عشر شهرًا على الزلزال المدمر الذي هزّ إقليم الحوز ومنطقة الأطلس الكبير عموما، لا يزال الألم حاضرًا، ليس فقط في الذكريات، بل في تفاصيل الحياة اليومية لسكان المناطق المتضررة، فوسط برد قارس ينهش العظام، ورياح عاتية تحمل معها وعودًا جديدة للمعاناة، يقاوم الناجون من الفاجعة تحت خيام بلاستيكية هشة، لم تعد تقيهم لا صقيع الشتاء ولا قيظ الصيف.
واليوم، ومع اقتراب منخفض جوي عميق يحمل أمطارًا غزيرة ورياحًا عاتية وتساقطات ثلجية كثيفة، تتعالى أصوات المتضررين لا طلبًا للكماليات، بل للمأوى الذي يحفظ لهم الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية ويقيهم قر الشتاء.
وفي هذا الصدد، يقول حسين آيت مهدي، أحد المتضررين من زلزال الحوز، إن “الوضع في دوار تدافالت بجماعة إغيل لا يزال كارثيًا بعد مرور قرابة عام ونصف على الفاجعة”، مشيرًا إلى أن “السكان يواجهون ظروفًا صعبة في ظل انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج، خاصة وأن المنطقة تقع على ارتفاع يفوق 1600 متر عن سطح البحر، ما يجعل العيش في الخيام أمرًا شبه مستحيل بسبب تسرب الرطوبة والبرد القارس”.
وأوضح آيت مهدي في حديث لصحيفة “صوت المغرب” أن الخيام التي سكنها المتضررون منذ وقوع الزلزال تآكلت، ولم تعد صالحة للإيواء، مما زاد من معاناة الأسر، خصوصًا الأطفال الصغار وكبار السن، الذين لا يستطيعون تحمل هذه الأوضاع المناخية القاسية، مسجلا أن العديد من السكان يعانون من مشكلات صحية ونفسية نتيجة آثار الزلزال.
وكشف آيت مهدي، شقيق سعيد آيت مهدي رئيس تنسيقية متضرري زلزال الحوز الذي أدانته المحكمة مؤخرا بسنة حبسا نافذا، (كشف) عن تلاعبات في عملية توزيع الدعم، حيث “تم حرمان العديد من المستحقين، خاصة الأرامل والفئات الهشة، من المساعدات المالية”، مشيرًا إلى أن “بعض أعوان السلطة والمسؤولين استغلوا جهل المتضررين بحقوقهم لإقصائهم من الاستفادة من الدعم”.
وأضاف أن وعورة الطرق وصعوبة الوصول إلى الدواوير تفاقم أيضا من معاناة السكان، وتعرقل محاولاتهم لاستعادة حياتهم الطبيعية.
وفيما يتعلق بالمساعدات المالية، أكد المتحدث أن المبالغ التي وعدت بها الدولة “لم تصل إلى المتضررين كاملة، حيث تم تقليصها بشكل كبير”، مبرزا أن “الأسر التي فقدت منازلها بالكامل لم تحصل سوى على 8 ملايين سنتيم بدلًا من 14 مليون سنتيم، وتم صرف المبالغ على دفعات صغيرة لا تتجاوز مليوني سنتيم في كل مرة، مما أدى إلى تعطيل عملية البناء”.
وأضاف أن “التكاليف المرتفعة لنقل مواد البناء إلى المنطقة تزيد من تعقيد الأمور، حيث تصل تكلفة نقل الشحنة الواحدة إلى 4000 درهم، ما يجعل المبلغ المرصود غير كافٍ تمامًا لإعادة إعمار المنازل”، لافتا في الوقت ذاته، إلى “وجود تلاعبات في اللوائح الخاصة بالمستفيدين، حيث تم إقصاء العديد من الأيتام والفئات الأكثر هشاشة”.
وفي ختام تصريحه، طالب حسين آيت مهدي بـتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في هذه التجاوزات وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، مؤكدًا أن المطلب الأساسي للسكان هو الحصول على سكن لائق يحميهم من البرد القارس والمشاكل التي يعانونها منذ وقوع الزلزال، الذي شارف على إتمام عامه الثاني دون حلول جذرية.
وفي ذات السياق، كان الائتلاف المدني من أجل الجبل والتنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز قد طالبا رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، بتشكيل لجنة تقصي للتحقيق في أسباب تعثر عمليات إعادة التأهيل وإعمار المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب المنطقة في 08 شتنبر 2023، وفي مصير الأموال والميزانيات المرصودة لذلك، ومحاسبة أي جهة متورطة في سوء التدبير أو استغلال معاناة المتضررين.
ونادت الهيئتان في طلب موجه لرئيس مجلس النواب، بعقد جلسة استماع عاجلة بحضور أعضاء الحكومة المعنيين، للاستماع إلى تقرير مفصل حول الوضع في المناطق المتضررة، والعمل على اتخاذ الإجراءات الضرورية ومعالجة أوجه القصور والاختلالات في عملية إعادة التأهيل والإعمار.