السياسة في قميص بركان!
كان من المفترض أن نكون الآن بصدد مناقشة مباراة إياب نصف نهائي كأس الإتحاد الإفريقي التي احتضنها الملعب البلدي ببركان أمس بين النهضة البركانية واتحاد الجزائر العاصمة، وأن يكون حديثنا عن المخلفات التقنية لهذه القمة الكروية المغاربية التي كان من المنتظر ألا تخرج عن تاريخ المواجهات الرياضية التاريخية بين منتخبات وأندية بلدان المنطقة التي كانت دائما تتسم بالندية والتنافس الشريف والروح الرياضية، وأن نتوقع حظوظ المتأهل للنهاية لمواجهة نادي الزمالك المصري في قمة شمال إفريقية أخرى.
لكن ومع كامل الأسف حدث هذا الحمق الذي بدأه النظام الجزائري قبل أزيد من أسبوع في مطار هواري بومدين ليرسم للمواجهتين نهاية لم تكن متوقعة وفق ما تابعناه من فصول مخزية بعد أن حجزت جماركه قميصا فوقه خريطة لا تعني الجزائريين في شيء ولا تنتهك سيادتهم على أرضهم، ولا صلة لهذه الخريطة من قريب أو بعيد وبأي شكل من الأشكال في الأمور الداخلية لبلادهم، بل حشرت نفسها في مشكل داخلي بين المغاربة انطلق قبل حوالي نصف قرن بعدما “زنزنت” في أذن بعض أبنائه الصحراويين ذبابة الإنفصال وتلقفها النظام الجزائري والليبي ليصنعا منها حجرة في حذاء المغرب إلى اليوم.
الصراع المغربي الجزائري وحالة العداء بين البلدين كما يعلم الجميع انطلق عقب استقلال الجزائر في بداية الستينات من القرن الماضي بعد الخلاف الحدودي الشهير الذي اشتعلت بسببه حرب الرمال.. ومنذ ذلك التاريخ إلى حدود وفاة الرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة قبل سنوات قليلة، عرفت “الحرب الباردة” بين نظامي البلدين شتى أنواع المواجهات الدبلوماسية والمخابراتية وضربات تحت الحزام في ميادين شتى، وتراوحت حدتها وانفراجاتها حسب الظروف والأجواء والسياقات الإقليمية والدولية، لكن وخلال كل هذه العقود وهذه المواجهات، ظلت الرياضة بعيدة كل البعد عن أي توظيف أو استغلال من هذا الطرف أو ذاك للمباريات والمنافسات الرياضية من أجل تسجيل الأهداف السياسية أو محاولة لي الذراع في الأمور الإستراتيجية بهذا الشكل الذي أصبحنا نراه خلال السنوات القليلة الماضية من طرف جنرالات الجزائر.
هذا الإستخدام الفاضح للرياضة الذي بدأ يسلكه النظام الجزائري، كسلاح لمعاكسة المغرب، هو ضمن استراتيجية “الهبال” الشاملة التي تتهم جار “هوك” في كل شيء وتجعله العدو الأول للجزائريين، لم يستخدمه حتى نظام هواري بومدين المعروف بعدائه الشديد للمغرب، إذ في أكبر فترات التوتر في عهده كان يلتقي الرياضيون المغاربة والجزائريون بكامل الود والمحبة والروح الرياضية وكأن صراع نظاميهما لايعنيهم مطلقا، ولم يحدث أبدا أن وصلت مباراة رياضية إلى درجة الإنسحاب أو الشنآن أو تبادل السب والشتم أو حدث جدل مثل الذي عرفته مبارتي نهضة بركان واتحاد الجزائر.. وحتى في المباراة الشهيرة بين المغرب والجزائر سنة 1979 برسم إقصائيات الألعاب الأولمبية في الشهور الأولى للرئيس الشاذلي بنجديد والتي انهزم فيها المغرب ب 5-1 في قلب الدار البيضاء دارت في أجواء رياضية بين اللاعبين، رغم الشحن والضغوطات التي كانت مسلطة على مدرب ولاعبي المنتخب الوطني من طرف الملك الراحل الحسن الثاني وبعض السياسيين النافذين.
ما يفعله النظام الجزائري الآن في قضية “قميص بركان”، أعتقد أنه بداية رد فعل عملي تجاه فشله في كسب رهان تنظيم المسابقات الرياضية الكبرى بعد صرفه لميزانيات ضخمة في إنشاء ملاعب جديدة، ونجاح المغرب فيما يعرف بالدبلوماسية الكروية وتمكنه من أن يصبح مؤثرا في القرار على مستوى الإتحاد الإفريقي لكرة القدم بكسب معظم البلدان الأعضاء إلى صفه، واحتلاله لمكانة مهمة في الفيفا عبر علاقته الجيدة مع جياني إنفانتينو وباقي رؤساء الإتحادات القارية، الشيء الذي مكنه من ثقة هؤلاء ومنحه تنظيم سلسلة من المنافسات القارية والعالمية التي لاشك أنها ستفيده في تلميع صورته وترويج ثقافته وتعزيز وزنه الإقليمي.
والراجح أن الحاكمين في الجزائر إزاء هذا النجاح المغربي، سيدفعون في اتجاه مقاطعة كل المنافسات الرياضية التي يحتضنها المغرب مستقبلا، في أفق تهييء الظروف والأسباب لقرار أهم لدى الرأي العام الجزائري وهو مقاطعة منتخب الخضر لنهائيات كأس إفريقيا للأمم المقبلة المقرر تنظيمها في المدن المغربية وتفادي حضور الآلاف من الجمهور الجزائري إلى المغرب مع ما يعنيه ذلك من اكتشاف لبعض مظاهر التقدم على مستوى البنيات التحتية والخدمات العامة في البلد الجار “الفقير” من الموارد، وعقد المقارنات مع بلادهم الغنية بالنفط والغاز والثروات الطبيعية التي لا يظهر لعائداتها أثر في واقعهم المعيشي.
قميص بركان ما هو إلا بداية لاستراتيجية جديدة لجنرالات الجزائر في فرملة المغرب عن كسب جبهات جديدة تعزز نفوذه في إفريقيا ومحاولة لتعميق عداء الشعب الجزائري لكل ما هو مغربي، وتكريس لسياسة خلق العدو الخارجي الوهمي لصرف أنظار الجزائريين عن واقعهم الإجتماعي وعن طرح الأسئلة عن مصير عائدات ثرواتهم الطبيعية.