story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

“السوسيولوجيا” الصهيونية.. منهج وضعاني ودعاية استعمارية

ص ص

السوسيولوجيا والصهيونية نتاج “وجود اجتماعي” واحد. إن الحداثة الاجتماعية والسياسية والثقافية، في أوروبا، لم تفرز الإصلاح الديني المسيحي فحسب، وإنما إصلاحا آخرَ نادرا ما يُتحدَّث عنه هو الإصلاح الديني اليهودي والذي سرعان ما باء بالفشل في أوروبا نفسها، قبل أن يستحيل يمينيةً متطرفة في فلسطين المحتلة.

وإذا كانت السوسيولوجيا علما وضعانيا بورجوازيا (رأسماليا)، فإن “الصهيونية” باعتبارها تحديثا لليهودية الأوروبية قد نتجت في نفس الشروط حيث تعميم التحديث الرأسمالي.

هذا موضوع للبحث يجب أن تهتم به السوسيولوجيا الصهيونية، عوض أن تشمّر سواعدها العِلموية الحديث عن “إرهاب المقاومة”.

إنها عندما تثير موضوعا من هذا القبيل لا تمارس حرفة السوسيولوجي، وإنما تردّد الدعاية اليمينية “الإسرائيلية” تحت قناع من “التدليس السوسيولوجيا”.

فلننبه هذه “السوسيولوجيا الصهيونية” إلى إشكاليات وقضايا يجب أن تطرحها بموضوعية لعلها تهتدي إلى حقيقة واحدة هي: لا مستقبل للكيان الصهيوني على أرض فلسطين! لا براءة للسوسيولوجيا الصهيونية ما لم تخض غمار هذه المسائل والإشكاليات، لا موضوعية لها إذا هي اقتصرت في أبحاثها على تبرير الاستعمار بالسوسيولوجيا؛ بل تبقى حبيسة استعماريتها وإحلاليتها ودعايتها و”موضوعيتها” الزائفة المُدّعاة.

إنها إيديولوجيا “مُضعَّفة” بتعبير عبد الله العروي، من جهة إيديولوجيتها الوضعانية البورجوازية أولا، ومن جهة إيديولوجيتها الإستعمارية الإبادية ثانيا.

أمام “السوسيولوجيا الصهيونية” اختبار تثبت باجتيازه براءتها و”موضوعيتها”، ولا تكتسب صفة “العلم” إلا بجوابها على إشكالياته العربية-الفلسطينية-“الإسرائيلية” التالية:

-كيف استحالت الصهيونية يمينيةً متطرفة داخل الكيان الصهيوني؟ والبحث السوسيولوجي هنا يجب أن ينصب حول “الوجود الاجتماعي” الذي يوظف هذا اليمين وينفخ فيه روح البقاء، كما يجب أن يهتم بالجذور الاجتماعية والأنثروبولوجية والميثولوجية التي أبت إلا أن تتمرد على شرط “التحديث اليهودي”، أي الصهيونية باعتبارها حركة “حديثة”.

هناك “غيتو كبير”، هو الكيان الصهيوني؛ لا شك أنه يعكس فشلا في الانتقال من واقع “الغيتو” إلى واقع “الدولة”. فما هي المعيقات السوسيولوجية الصهيونية والإمبريالية التي حالت دون تأسيس “دولة إسرائيلية” حديثة كما يحلم بها اليهود المؤمنون بالمشروع الصهيوني؟ الدولة بناء انثروبولوجي سوسيولوجي قبل أن تكون تنظيما سياسية ووسيلة للسيطرة (حسب بيبر بورديو)، فهل للسوسيولوجيا الصهيونية جرأة طرح السؤال حول “إمكان الدولة الإسرائيلية” بهذا المعنى؟!

-هل يصحّ دمج شعوب شتى في دولة واحدة؟ تتأسس الدولة على وحدة اجتماعية، وهذه الوحدة لا تبني على فراغ اجتماعي وإنما على أساس قديم من الخصائص الأنثروبولوجية والسوسيولوجية المشتركة.

وإذا كانت القبائل والمجموعات الدينية والفئات والطبقات الاجتماعية المختلفة تأبى الاندماج وهي نتاج إقليم واحد، فكيف للشعوب الشتاتية (من “الشتات”) أن تنصهر في وحدة سياسية واحدة على إقليم غريب وبعيد لا تربطها به غير ميثولوجيات لا تحمل بين ثناياها قابليات كبيرة للصمود في وجه التحولات الاجتماعية والجيوسياسية الكبرى؟!

ألا يشكل هذا التنافر بين شعوب تحافظ على وفائها لمجتمعاتها الأصلية، خاصة في ظل تنافسها على المصالح ومواقع الحكم؛ قلت: ألا يشكل هذا التنافر معيقا اجتماعيا لعملية الدمج القسري في “دولة” مصطنعة؟!

-كيف يعمل الكيان الصهيوني على تغيير الواقع الديمغرافي الفلسطيني بأسلوب “التطهير العرقي”؟ وهو “التطهير” الذي استمر لعقود، منذ ثلاثينات القرن الماضي إلى اليوم. لقد كان هذا التطهير الذي دام قرنا من “الزمن الاستعماري” كافيا لظهور فئة “المؤرخين الإسرائيليين الجدد”، والذين من أبرزهم: إيلان بابيه، توم سيغيف، بني موريس، آفي شلايم، باروخ كيمرلنغ، الخ. فليخبرنا باحثو “السوسيولوجيا الصهيونية”: كيف كان وقع هذا التيار على “الموضوعية” في جامعات الكيان الصهيوني؟! فليخبرونا عن نتائج الأسماء المذكورة وعن أبحاثها التي كانت كافية لفضح جرائم “الرواية الإسرائيلية”، وكشف الزيف الإيديولوجي الذي كان وما زال “يسندها” باسم “الموضوعية”، فيما الموضوعية منها براء.

-إلى أي حدّ ينجح الكيان الصهيوني في الاستقرار في مجال جيوسياسي وثقافي يأباه؟ فالاصطناع لا ترفعه الدعاية مهما كانت قوتها الإيديولوجية، أما الرفض الثقافي والجيوسياسي فيعود بجذوره إلى سوسيولوجيا وأنثروبولوجيا قديمة لا تفنيها الضرورات الجيوسياسية اللاحق، إلى “مناعة اجتماعية” قديمة قدم الوجود العربي أنثروبولوجيا وتاريخيا. فهل سبق لباحثي “السوسيولوجيا الصهيونية” أن بحثوا الجذور الحضارية للاجتماع العربي؟! وهل يستطيعون مصارحة كيانهم المصطنع إمبرياليا بحقيقة مفادها أن “السوسيولوجيا العربية” تأباه حضاريا وإن فرِض عليها مؤقتا استجابة لـ”تقسيم دولي إمريالي للنفوذ الجيوسياسي”؟! لا وجود ابحث سوسيولوجي من هذا النوع في “الجامعات الإسرائيلية” لأنها لا تمارس غير عملين “بحثيين”: دعاية تحت قناع “موضوعية السوسيولوجيا”، أو أبحاثا وضعانية تبحث الكيفيات والسبل الكفيلة بتوسيع الاستيطان والاختراق واستهداف مجتمعات الوطن العربي والإسلامي وممارسة الإبادة الممنهجة في حق الشعب الفلسطيني.

-هل يستمر كيان يستمد “وجوده الاجتماعي” من خارجه؟ الذين يتحدثون اليوم عن “الحياد السوسيولوجي” لا ينتبهون إلى أن هذا الحياد لا يستمد حقيقته إلا بقدر ما يتحرر من مصالح “السيطرة الاجتماعية”، لا ينتبهون إلى أن الحقيقة السوسيولوجية لا تخدم الطرف المسيطِر وبالتالي فلا يُنتظر حياده ولا موضوعيته. وهؤلاء عليهم الإجابة على سؤالين: كيف تتحقق السيطرة الاجتماعية سوسيولوجيا داخل الكيان الصهيوني؟ وكيف تتحقق السيطرة الاجتماعية (الرأسمالية) على هذا الكيان نفسه في علاقته بالإمبريالية الغربية؟ إن هذه السيطرة المزدوجة هي ما يمنع الكيان الصهيوني من الاستمرار، وذلك لأنها تتحقق بإنتاج “وجود اجتماعي” وافد ودخيل غير أصيل، يتجدد من خارج الإقليم ويرتهن إلى حاجة الإمبريالية الغربية لوظيفته. فهل تجرؤ السوسيولوجيا الصهيونية على خوض غمار هذه الإشكالية، أم أنها ستمتنع عن خوضها بمرجعيتين: بمرجعية وضعانية ترفض علم الاجتماع النقدي التاريخي، وبمرجعية استعمارية إمبريالية تتقاطع مع المرجعية السابقة (الوضعانية)؟!

ما نعيشه اليوم هو نوع من “العلموية” التي كادت أن “تؤلّه” السوسيولوجيا ومناهجها، والحقيقة أن السوسيولوجيا لا تخلو من قابلية للتوظيف الإيديولوجي بمختلف مناهجها، بل هي نفسها نتاج صراع سياسي وإيديولوجي، وكما كانت في زمن صعودها تعكس تقدما في التاريخ فمن الممكن أن تعكس نكوصا في مراحل أخرى منه. السوسيولوجيا الحقيقية هي التي تسمي الظواهر كما هي، وتعرّفها بجوهرها في التاريخ. وكل سوسيولوجيا غير ذلك فهي إما تركيز موجّه أو غير واعٍ على الثانوي/ العرضي لغرض سياسي أو اجتماعي بعينه، وإما تدبير لواقع معين بمنطق وضعاني لا تهمه الحقيقة التاريخية بمعنى الجوهري في التطور الاجتماعي. ومن يريد نقد “السوسيولوجيا الصهيونية” فعليه أن يكون مستعدا لنقد السوسيولوجيا كحرفة قبل ذلك، فكثيرة هي مقولات هذه الحرفة -بكيفيتها الوضعانية- التي تتّخذ مبررا للاستغلال والاستعمار!