السنة الأمازيغية .. من احتفال شعبي بخصوبة الأرض إلى عطلة رسمية
“أسكاس أمباركي”! بهذه العبارة يهنئ المغاربة بعضهم بعضا فرحاً بقدوم السنة الأمازيغية الجديدة، التي تسبق التقويم الميلادي بـ950 عاماً، وذلك على وقع احتفالات خاصة بهذه المناسبة تعم سائر البلاد المغاربية خاصة في المناطقة الواقعة بين ليبيا والمغرب.
ويكتسي رأس السنة الأمازيغية أو “إض ينّاير” (ليلة يناير) كما هو معروف بين الأمازيغ، والذي يفتتح هذا العام السنة 2975، (يكتسي) طابعاً رسمياً في المغرب بعد اعتماده عطلة رسمية مدفوعة الأجر منذ العام الماضي، على غرار الأول من شهر محرم من السنة الهجرية، ورأس السنة الميلادية، ليوافق تاريخ 14 يناير من كل سنة في البلاد.
وترتبط هذه المناسبة بالنشاط الزراعي الذي اعتاد الأمازيغ ممارسته منذ آلاف السنين، وهم يحتفلون بهذا الوقت من السنة إلى جانب العرب في البلاد المغاربية، كبداية لموسم فلاحي جديد، يعبر عن الأمل في محاصيل وفيرة، ولهذا السبب ارتبط بالخصوبة والأرض.
ويرى باحثون أنه من الصعب تحديد تاريخ بداية الاحتفال بهذه السنة، بحكم أنه طقس قديم جداً له علاقة بالاحتفاء بالأرض وخيراتها وفصول السنة، وهو ما جعله يحمل اسم “السنة الفلاحية”، إلى جانب تسميات أخرى حسب المناطق، مثل “إيخف أوسكاس” (رأس السنة) و”إيض أوسكاس” (ليلة السنة) و”إيض ينّاير” أي “ليلة يناير”.
ولم يحمل هذا الاحتفال اسم السنة الفلاحية إلا مع ظهور حراك الهوية الثقافية الأمازيغية، خاصة مع الأكاديمية البربرية التي تأسست عام 1966 في باريس، والتي لعبت دوراً محورياً في هذا السياق.
واقترحت الأكاديمية تقويم أمازيغي يبدأ من عام 950 قبل الميلاد، وهو التاريخ الذي يُعتقد -حسب الأكاديمية- أن الملك الأمازيغي شيشنق الأول انتصر فيه على الفرعون المصري رمسيس الثالث ليتولى الملك ذو الأصول الليبية عرش الفراعنة مؤسساً بذلك الأسرة الـ22 في مصر، والتي ظهر منها 11 ملكاً فرعونياً أمازيغياً.
وبينما تم اعتماد هذا التقويم بشكل رسمي في كل من المغرب والجزائر، يرى باحثون أنه من الصعب تحديد تاريخ دقيق لاحتفالات “إيض ينّاير”، مشيرين إلى أن هذه الأخيرة سبقت قدوم الملك شيشنق الأول ولا علاقة لها بانتصاره على الفرعون المصري.
وفي خطوة تاريخية تعكس تعزيز الهوية الثقافية الأمازيغية في البلاد، قرر المغرب اعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، بأمر من الملك محمد السادس الذي أصدر تعليماته لرئيس الحكومة في ماي 2023، قصد إدراج هذا اليوم ضمن قائمة الأعياد الوطنية الرسمية، على غرار رأس السنة الميلادية وفاتح محرم الهجري.
وتختلف مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، التي تصادف يوم 14 يناير من كل عام، من منطقة إلى أخرى، إلا أن الجامع بينها هي الصبغة العائلية، بحيث أن الاحتفالات بهذه المناسبة تبدأ في جبال الأطلس وسوس والريف ومختلف المناطق الأمازيغية خلال الأيام الأولى من يناير.
ويتم إعداد الوجبات التقليدية وإقامة طقوس احتفالية وفق عادات اجتماعية تشمل نصب خيام كبيرة وتقديم أطباق معينة مثل الكسكس و”بركوكش”، وتكثر أجواء الفرح والتضامن وتجديد الروابط الاجتماعية التي تميز هذه المناسبة بعدد من المدن، كما تحرص خلالها السلطات على تنظيم فعاليات ثقافية وفنية احتفالا بهذه المناسبة.