السعودية الجديدة.. رمّانة الميزان

أعادت الأحداث الأخيرة في فلسطين والمشرق العربي، على خلفية أحداث السابع من أكتوبر 2023، التأكيد على الدور المركزي للمملكة العربية السعودية في تحديد قواعد التوازنات الإقليمية في المنطقة وحمل الآخرين على التسليم بها، خصوصا في مواجهة النوايا والمواقف المعلنة للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، بشأن الرغبة في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية نحو مصر والأردن، مع ما يعنيه ذلك من سعي نحو طمس حل الدولتين وتصفية القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه الدفع نحو إعادة رسم الخرائط والحدود مجددا في المنطقة.
لا يتعلق الدور السعودي بالقضية الفلسطينية فقط، بل بمجمل القضايا في المنطقة والعالم، إذ تسجل السعودية حضورا متزايد في اليمن وسوريا والعراق ومصر والسودان، ويمكن القول إنها تحاول، منذ عقد تقريبا، إعادة صياغة موقعها على المسرح الإقليمي والدولي، مستندة في ذلك إلى عنصرين أساسيين من عناصر القوة لديها: ثروتها النفطية، وقوتها المالية، إذ فاق ناتجها المحلي الإجمالي تريليون دولار في 2022، ويبدو أنها تعمل على واجهتين: الأولى، داخلية، ترتكز على إعادة تعريف هوية ودور الدولة السعودية من خلال تقوية عناصر الانفتاح والحداثة، كما تسعى إلى تنويع الاقتصاد عبر تقوية موارد اقتصادية جديدة من غير النفط؛ أما الواجهة الثانية فتتمثل في السعي الحثيث نحو تنويع الشركاء الاستراتيجيين للمملكة، ما يعني اعتمادا أقل على الولايات المتحدة الأمريكية.
وتندفع السعودية نحو تلك الرهانات بطموحات قيادتها الشابة، ممثلة في محمد بن سلمان (39 سنة)، الذي عُيّن وليا للعهد في يونيو 2017، في ظروف تميزت بالانقسام داخل عائلة آل سعود الحاكمة. لذلك فهو يسعى إلى تثبيت حكمه عبر إثبات أهليته السياسية والقيادية، بحثا عن شرعية سياسية قوية تعزز من استمراريته في الحكم ملكا، ولعل هذه الخلفية تدفعه إلى القيام بمبادرات طموحة وطويلة المدى، بما فيها القرارات العسكرية الحاسمة، كالحرب على جماعة الحوثي في اليمن، ورؤية السعودية لسنة 2030، وكسر جزء من هيمنة التقاليد بحثا عن فئات حليفة وداعمة في المجتمع، خصوصا النساء والشباب. أخذا بعين الاعتبار أن السياسة الخارجية في السعودية، ترتكز أساسا على السياسة الداخلية وليس العكس.
ومن الملاحظ أن السعودية تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز جذب لكبار الرياضيين في كرة القدم وغيرها، فضلا عن مهرجانات الفن والموسيقى والسينما، وهو توجه لم يكن متوقعا قبل عشر سنوات مثلا.
لقد تطلب هذا التوجه من ولي العهد رفع العديد من القيود في وجه النساء، مثل منحهن رخصة السياقة لقيادة السيارات، والحق في العمل والسفر والتنقل، كما تطلب منه تقليص صلاحيات الشرطة الدينية (المطاوعة).
وإذا كانت تلك الحقوق مهمة، ولصالح النساء والشباب، فإن الملاحظ أن السعودية لا تتقدم فيما يخص الحقوق السياسة والمدنية، إذ لا زالت تمنع الحق في الاعتراض السياسي والمدني على سياسات النظام، بما في ذلك في وسائل الإعلام، ويقبع العشرات من الدعاة والعلماء والمثقفين في السجون بسبب ذلك.
وخلال أقل من عشر سنوات، تبدو السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، دولة قيد التحول. جرّبت المواجهة والشدة في النيل من خصومها (شن حرب على جماعة الحوثيين في اليمن، إيقاف رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، اعتقالات سياسية للعلماء والدعاة، حصار قطر ومقاطعة تركيا، الضغط على الأردن…)، لكنها في السنوات الخمس الأخيرة بدأت تميل إلى التهدئة والمصالحة، لنقل إنها تعود إلى طبيعتها الدبلوماسية الهادئة، التي طالما اتسم بها الدور الإقليمي السعودي، سواء في مواجهة تحديات المنطقة أو العالم.
…
لقراءة الملف الكامل يمكن تحميل العدد 55 من مجلة “لسان المغرب“