الزكدوني: وضع مخطط المغرب الأخضر تجاهل التحذيرات بشأن الوضعية المائية للمغرب

قال العربي الزكدوني مهندس خبير ومستشار في الاقتصاد الزراعي والتنمية القروية إن “الإجراءات التي جاء بها مخطط المغرب الأخضر لم يأخذ بعين الاعتبار التوجهات الملكية منذ التسعينات ولا الوضعية المائية للبلاد آنذاك”، إذ ركّز بشكل أساسي على رفع الإنتاج في عدد من الزراعات، و”كأن المغرب في مأمن من خطر استنزاف موارده المائية.”
ومن جملة نماذج الزراعات المستنزفة للموارد المائية المغربية، سلط الزكدوني الضوء على انتشار تمر المجهول بمنطقة بوذنيب على أراضي الجماعات السلالية، موضحًا أن “هذه الأراضي ذات طبيعة رعوية وليست مهيأة للزراعة، غير أنه جرى تحويلها إلى أراضٍ فلاحية عبر استغلال المياه الجوفية، وذلك بدعم قوي من الدولة”.
وتابع أن هذه المناطق تستخدم أحواضًا مائية بمساحة كبيرة لتخزين المياه المستعملة في الزراعة، مستغربًا من استعمال هذه التقنية رغم نسبة التبخر الجد مرتفعة لهذه المياه، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال أشهر فصل الصيف في هذه المناطق.
وأضاف أن المستثمرين الجدد في هذه الزراعات يضعون استثمارهم في عالية الموارد المائية للواحات التقليدية، وهو ما يهدد بالاستنزاف الكلي “للرصيد الوطني لإحدى مكونات الهوية المغربية”، وهو ما يطرح أسئلة حول أسباب عدم استحضار “الاستدامة” في السياسات العمومية المرتبطة بتدبير المجال الفلاحي، رغم تشديد الخطابات الملكية على هذا العامل في أكثر من مناسبة.
وإلى جانب هذا، انتقد الزكدوني اختيار تقديم الدعم لزراعة الأشجار المثمرة كالزيتون، مشيرًا إلى أن هذا الوضع أدى بالعديد من الفلاحين إلى زراعة أشجارهم بمناطق رعوية وسقيها بتقنية الري الموضعي.
وأضاف الزكدوني أيضًا أن مخطط المغرب الأخضر شجع المستثمرين والفلاحين المغاربة من خلال برنامج خاص بدعم قوي لاستثمار الفرص التي يقدمها سوق الحوامض على المستوى الدولي، وهو ما رفع المساحة المخصصة لزراعة الحمضيات من 80 ألف هكتار آنذاك إلى 120 ألف، قبل أن يعود الرقم، حسب التحيينات الأخيرة، مرة أخرى إلى 80 ألف هكتار.
وتابع أنه على الرغم من التكلفة الكبيرة للدعم الذي قدمته الدولة لهذه الزراعة وما رافقه من استنزاف كبير للفرشة المائية، إلا أن سنوات الجفاف المتتالية منذ 2018 أعادت الوضع إلى ما كان عليه سابقًا، و”كأن شيئًا لم يكن”.
وبناء على هذه المعطيات، رفض الخبير ربط الوضع الذي وصلت إليه العديد من الزراعات بضعف التساقطات خلال السنوات الماضية، مشددًا على أن وضع مخطط المغرب الأخضر كان عليه الأخذ بعين الاعتبار تقارير منظمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “جيك” (GIEC)، والتي حذرت من التداعيات الخطيرة للتغير المناخي بعدد من دول المنطقة، وعلى رأسها المغرب.
وبخصوص الإنتاج الحيواني، أوضح الخبير أن معظم مدخلات هذه الصناعة يتم استيرادها من الخارج، ما يجعلها صناعة تجميع وليس صناعة إنتاجية.
وتابع أنه بالنسبة لقطاع الحليب، فإنه منذ سنة 1994 إلى 2024 استورد المغرب ما مجموعه نصف مليون بقرة حلوب، مستغربًا “كيف أن المغرب استمر في وتيرة الاستيراد بمعدل 10 آلاف بقرة حلوب لمدة تناهز نصف قرن دون أن يتمكن من إنتاج البقر الحلوب في اتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الحليب”.
كما تطرق إلى مشكل تراجع القطيع الوطني، موضحًا أنه منذ سنة 1994 إلى آخر سنتين سجل القطيع الوطني من الأغنام ارتفاعًا مستمرًا، مدفوعًا ببرامج إنقاذ القطيع التي انطلقت بسبب أزمة الجفاف في الثمانينيات، وهو ما ساهم في ارتفاع أعداد الرؤوس، مستدركًا أن هذا الوضع رفع من حجم الضغط على الموارد الرعوية للبلاد.
وتابع أن المشكل تفاقم بسبب توسع الرقعة الزراعية على حساب المناطق الرعوية، حيث تشير أرقام إحصاء سنة 1996 إلى ارتفاع المساحة المزروعة منذ سنة 1974 بمليون ونصف هكتار، مضيفًا أن 70% من هذا الرقم تم انتزاعه من المناطق الرعوية، ما يعني نتيجة محسومة تتمثل في انتشار ظاهرة التصحر.