الرضواني: لا ينبغي التمادي في استعمال الفوسفاط كأداة لتليين مواقف الدول بأية تكلفة
س: ترتبط الثروة الفوسفاتية للمغرب بتمثل أقرب إلى الأسطورة، ما الذي ساهم في تشكيل هذا التمثل المفرط في الأحلام تجاه هذه الثروة؟
ج: الأسطورة، كما الإشاعة، مرتبطة بغياب المعلومة والخبر اليقين. ولمدة عقود وسنوات، غابت الشفافية عن تسيير مكتب (شركة) تدير 70٪ من احتياطات الفوسفات العالمية. حتى مع الجيل الجديد من الإدارة، بزعامة مصطفى التراب، لم يكن تواصل شركة المكتب الشريف للفوسفات مع جموع الناس يتجاوز النسق “النخبوي” المُتمثل في إخراج نتائج مالية فصلية تحتاج دكتورا في الاقتصاد لشرحها، أو أهدافا أقرب ما تكون لطموحات المواطن النرويجي منها للمواطن المغربي: الوصول للحياد الكربوني في أفق 2040؟!
في غياب الشفافية والواقعية في إيصال المعلومة، ينشط الخيال الجماعي لسد الفراغ، وتلبية تلك الرغبة الجامحة لدى الناس في أن تكون لثرواتهم انعكاسات ملموسة على واقعهم المُعاش. بشكل سطحي ومبالغ فيه، انتشرت شائعات نسبها الناس لفترة الستينات وللمهدي بن بركة، تقول إن مداخيل الفوسفات يمكنها توفير 30 درهما لكل مواطن، مع ما كان يساويه ذلك المبلغ حينها!
تتكرر الإشاعة ليومنا هذا مع تقرير أمريكي هنا أو بريطاني هناك، يؤكد كون مداخيل الفوسفات “الخام” قادرة على مسح الفقر من على وجه المغرب الخلاصة! ورغم أن التفكير الجمعي للشعوب يمتاز بالسطحية والعاطفية، إلا أن صفة الذكاء لا تنتفي فيه، فلسان حال المغاربة يقول: إن لم نستطع رؤية آثار ثرواتنا الفوسفاتية واقعا خدماتيا وبنية تحتية إنسانية (صحة، تعليم…)، فالأجدر أن نطلبها “حبَّة” ولكل مواطن الحرية في التصرف بنصيبه كيف ما شاء!
س: تقوم مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط بدور الإنتاج والتسويق، لكنها تلعب أدوار اقتصادية واجتماعية اخرى، إلى اي حد تتناسب هذه الأدوار مع حجم المؤسسة الاقتصادي؟
ج: مع مساهمتها المباشرة في خزينة الدولة بمعدل سنوي 10 مليارات درهم، وتشغيل أكثر من 23 ألف شخص (أرقام 2017)، تنشط شركة المكتب الشريف للفوسفات في مجال التكوين المستمر والمواكبة والتأطير، خصوصا ما تعلق بالفلاحين أو الشباب، عبر مراكز متفرقة في المناطق التي ينشط بها المكتب. هذا إضافة إلى “العلاقات العامة” التي تتجلى في رعاية مختلف الملتقيات الثقافية والفنية.
لكن، وكمعظم المساهمات الموازية للشركات الكبرى في المغرب، تبقى تدخلات (OCP) فوقية ونخبوية في معظمها، أي أنها ليست قريبة للحد المطلوب من عامة الناس لتطوير وإنعاش حاجياتهم في مجالات أساسية كالصحة والتعليم، بشكل مجاني، مُستدام ولأكبر عدد ممكن من المستفيدين.
كما أن مفارقة كون المغرب يملك أكبر احتياطي فوسفات، ومعظم فلاحيه الصغار يجدون صعوبة في الحصول على السماد والبدور، تضعنا أمام تحدي إعادة النظر في فلسفة المغرب (كما المجموعة)، حيث ضرورة رسم أهداف واقعية تراعي أولويات التنمية: تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج البذور والأسمدة والحبوب (السوق الداخلية)، أولى وأهم وأنفع من إنتاج الطاقة النظيفة والوصول للحياد الكربوني (الأسواق العالمية!).
س: تحول المكتب في السنوات الأخيرة إلى أداة لها حضور متزايد في الفعل الدبلوماسي، هل لهذا الدور انعكاس اقتصادي ملموس؟
ج: رغم كونها أداة من أدوات القوة الناعمة والضغط الديبلوماسي، لا تنشر مجموعة المكتب الشريف للفوسفات بيانات حول حصيلة أنشطتها الاقتصادية في الخارج، وهي الحاضرة في 16 بلدا حول العالم، ولها 12 شركة في القارة السمراء. السبب، كما يقول المسؤولون، هو الحفاظ على الأسرار التنافسية للمجموعة. بالتالي لا يمكن الحديث عن أي “جدوى” وأثر واضح لأنشطة الشركة خارجيا، خصوصا وأن ثقلها الاقتصادي يتركز على الأنشطة داخل المغرب، والتي يقول خبراء إنها تتعلق بـ72٪ من فوسفات العالم، وسيكون خزان أمنه الغذائي لمئات السنوات القادمة.
في سنة 2022 مثلا، منح المغرب 50 ألف طن من الأسمدة العضوية “هدية” لدولة البيرو بأمريكا الجنوبية بعد تجميد اعترافها بجبهة البوليساريو. وقدّم الملك محمد السادس، في لقاءه منتصف فبراير 2023 بالرئيس الغابوني المخلوع علي بونغو، 2000 طن من الأسمدة هبة للفلاحين المحليين. كما يُخصص المغرب 500 ألف طن من الأسمدة ومنتجات الفوسفات سنويا كدعم لفلاحي أفريقيا، إضافة إلى 4 ملايين طن بأسعار تفضيلية للقارة السمراء… أنشطة اقتصادية كثيرة ل”دبلوماسية الفوسفات” غالبا ما تواكب تحركات وجهود المغرب الخارجية في دفع الدول نحو تبني موقفه في الدفاع عن وحدته الترابية.
لكن، ولأن الأمر أولا وأخيرا يتعلق بأداة اقتصادية، وجب التأكيد على الأمور التالية: أولا، التحذير من التمادي في استعمال الفوسفات كأداة لتليين مواقف الدول “بأي تكلفة كانت”، وإغفال ضرورة تقديم وتقييم الحصيلة والعائد من هذه الاستثمارات، التي ولو كانت لها آثار دبلوماسية، فالأكيد أن لها عوائد اقتصادية ومالية.
ثانيا، وجب تحيين ومراجعة نموذج الاستثمار وتدخلات المكتب خارجيا، حتى لا تنحصر في تقديم المساعدات العينية (نوع خارجي من الريع!) وعلى استثمارات تستهدف المردودية المالية العالية دون تشغيل أكبر عدد من اليد العاملة، ما يحرم شركة المكتب الشريف للفوسفات من ثقل اجتماعي ووزن سياسي في الدول الذي تشتغل فيها.
لقراءة الحوار كاملا، يمكنكم اقتناء مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط
*باحث في الاقتصاد السياسي