الرجاء يدشن عصر الشركة الرياضية.. خبير: النادي أمام تحدي الحفاظ على الهوية

قرر نادي الرجاء الرياضي الدخول رسميًا في مرحلة جديدة من تاريخه عبر تفعيل شركته الرياضية وفتح رأسمالها أمام مستثمر مؤسساتي، في خطوة غير مسبوقة على الصعيد الوطني، تهدف إلى إحداث تحول جذري في نموذج التسيير، من منطق الجمعية التقليدي إلى مقاربة حديثة قائمة على منطق الشركة، وذلك بهدف تحقيق استدامة على مستوى التمويل على أمل إنهاء سنوات من الأزمات البنيوية والمالية.
مشروع هيكلي
وتعليقًا على هذا التحول، قال الخبير الاقتصادي ياسين اعليا إن “الشركة الرياضية هي شركة كباقي الشركات، تؤسسها الجمعية الرياضية بموجب القانون 30.09، وتُكلف بتسيير شؤون الفريق الذي يمارس في البطولة الوطنية الاحترافية بقسميها الأول والثاني”.
وأوضح اعليا، خلال حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”، أن “الشركة يكون لها جهاز إداري موازٍ، غير أن المسؤول المسير في الغالب، إن لم نقل دائمًا، يكون هو نفسه رئيس الجمعية، لأن هذه الأخيرة تمتلك الأغلبية القصوى من الأسهم، وتبقى المتحكمة في تسيير النادي من خلال المكتب المسير المُنتخب عن طريق الانخراط والتصويت ضمن الجمع العام لأربع سنوات، وهو المكتب نفسه الذي يسيطر عمليًا على الشركة”.
وفي ما يخص تجربة الرجاء، أشار اعليا إلى أنها أول تجربة في المغرب “تُفعل هذا التحول نحو شركة تُدار بأغلبية أسهم مملوكة للقطاع الخاص”.
وذكر بأن “القانون 30.09 يفرض على جميع الأندية الممارسة في القسمين الأول والثاني ضرورة التحول إلى شركات، أو تأسيس شركات موازية، لكن مع احتفاظ الجمعية بنسبة لا تقل عن 30% من رأس مال الشركة، التي قد تكون إما شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة مجهولة الاسم”.
وأبرز أن “تجربة الرجاء تقوم على بيع أسهم الشركة لفائدة القطاع الخاص، شركة مارسا ماروك، وهي شركة عمومية مغربية ستستحوذ على حوالي 60% من رأس المال، وفق المعطيات المتوفرة”.
” يعتمد المشروع على رفع رأسمال الشركة من 300 ألف درهم إلى 250 مليون درهم، تسهم فيه الجمعية بـ100 مليون درهم، فيما يضخ المستثمر المؤسساتي، وهو شريك تاريخي للرجاء، مبلغ 150 مليون درهم على ثلاث دفعات خلال ثلاث مواسم رياضية، مقابل امتلاكه 60% من الأسهم، بينما تحتفظ الجمعية بـ40% “. -بيان فريق الرجاء البيضاوي
ولفت اعليا إلى أن هذه التجربة ليست الأولى من نوعها من حيث التفكير في فتح رأس المال، “فقد سبق أن تداولت أخبار عن تواصل نادي الوداد الرياضي مع مستثمر سعودي، غير أن هذا الأخير لم يقدم الضمانات الضرورية لإنجاح المشروع”.
وشدد على أن “علاقة الرجاء بشركة مارسا ماروك هي علاقة تاريخية، إذ تُعتبر هذه الشركة داعمًا أساسيًا للفريق، ومرتبطة به منذ سنوات”، معتبرًا أن “هذا التحول يأتي في سياق البحث عن مخرج للأزمة التي يعيشها النادي منذ وقت طويل، خاصة خلال العقد الأخير، حيث تفاقمت الأوضاع المالية بشكل لافت”.
وأشار الخبير إلى أن “ديون الرجاء تصل، وفق تقارير عدة، إلى حوالي 30 مليون درهم، كديون آنية، مع تراجع كبير في مستوى الإيرادات، ما انعكس بدوره على النتائج الرياضية، ودفع المسيرين إلى التفكير في الانتقال من النموذج القائم على الجمعية والجموع العامة إلى نموذج الشركة الذي يضمن شفافية أكبر في التدبير، واحترافية في التسيير، ووضوحًا في الحسابات، بهدف تجاوز الأزمة والبدء في إصلاح هيكلي فعلي”.
وأضاف أن “الرجاء اختار هذا النموذج لأنه يُمثل من وجهة نظره الحل الأخير للخروج من منطق الجمعية، الذي خضع منذ سنوات طويلة لتجاذبات وتدخلات بعض المنخرطين، ما كانت له انعكاسات كارثية على الجانب المالي، وتسبب في اختلالات واضحة على مستوى المسار التسييري”.
رهانات مالية وتحديات هوياتية
وحول الجانب المالي من التجربة، أكد اعليا أنه “لا توجد حاليًا مخاوف كبيرة، بل العكس هو الصحيح، لأن المشروع المالي في هذه الحالة سيكون براغماتيًا، باعتبار أن الشركة تهدف إلى الربح، على غرار النموذج المتبع في أندية كبرى عالميًا، مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، التي يمتلكها مستثمرون من الإمارات وقطر على التوالي”.
وأوضح أن “الشركة تُحدث بنية احترافية لخلق صناعة رياضية، عكس الجمعيات التي لا تشتغل بمنطق ربحي بل وفق قانون يخدم المصلحة العامة”.
ورغم إشادته بجوانب المشروع الاقتصادية، نبه اعليا إلى وجود تحديات على المستوى الهوياتي، قائلاً إن “الإشكال قد يطرح في مدى قدرة الشركة المالكة على الحفاظ على الامتداد الشعبي للنادي، لأن الرجاء نادٍ تأسس من فكر نقابي، ويحمل هوية متجذرة في الأحياء الشعبية، وهي هوية راسخة في وجدان الجماهير”.
واستدل على ذلك بما وقع في تجربة نادي ليفربول، “حيث واجه الملاك الأميركيون صعوبات كبيرة في التوفيق بين مصالحهم الربحية والفكر الجماهيري الذي يؤطر النادي، ما أدى إلى صراعات بين الطرفين”.
غير أن اعليا عبر عن تفاؤله بمآلات تجربة الرجاء، مشيرًا إلى أن “كون المستثمر شركة مغربية تعرف جيدًا تاريخ النادي وقيمه وتربطها به علاقة طويلة، فهذا قد يُجنب التجربة هذه المخاطر، ويُعزز فرص نجاحها”.
كما أكد أن “هذه الخطوة قد تفتح شهية مستثمرين مغاربة وأجانب آخرين لولوج سوق الاستثمار الرياضي، وهو ما تأخر المغرب في تحقيقه، رغم التطور الكبير في كرة القدم الوطنية، وما يحققه المنتخب الوطني على المستوى الدولي”.
وخلص اعليا بالقول إن “الاستثمار في الأندية ما زال يعتمد بدرجة كبيرة على الأموال العمومية، خصوصًا عائدات النقل التلفزيوني، ودعم الجامعة، والمستشهرين، بينما يُفترض أن تُمثل هذه التجربة بداية لتحول حقيقي نحو نموذج احترافي ومستدام، يقلص من التبعية للمال العمومي، ويكرس صناعة رياضية قائمة على قواعد السوق، والنجاعة الاقتصادية”.