الرجاء والوداد والملاعب الخاصة
عندما كتبت في هذه الزاوية قبل أشهر بمناسبة إغلاق مركب محمد الخامس بالدار البيضاء للإصلاح، أن ناديين كبيرين مثل الرجاء والوداد كان على مسؤوليهما السابقين والحاليين أن يفكروا في بناء ملعب خاص بهم، يكون معقلا لهم ويحتضن جماهيرهم العريضة، ويكون منبعا لمداخيل هامة تذهب كلها إلى صندوقي الناديين، عوض البقاء رهائن لقرارات مجلس المدينة بفتح وإغلاق “دونور”.. جاء من يرد على هذا الرأي بأن هذا الأمر “بعيد علينا بزاف” ولا يمكن مقارنة أنديتنا بالأندية الأوربية.
كانت مسألة أن يبني الرجاء والوداد كل منهما ملعبا خاصا به لا يتجاوز الأربعين ألف مقعد، نوع من المطالب السوريالية الغريبة، وكان الرد الجاهز.. كيف لناديين يعيشان الأزمة المالية المزمنة، ومتاعبها اليومية مع المصاريف التدبيرية العادية، ومع ملفات “ليتيج” ومع الدعاوي القضائية والحجز على الممتلكات، أن يبنيا ملعبهما الذي يتطلب ميزانية ضخمة لشراء العقار والبناء والتجهيز.
في حقيقية الأمر، أصحاب تبريرات الفقر والأزمة، ربما يجهلون أن حتى الأندية الأوربية العملاقة، بغنيها وفقيرها وكذلك التي تختنق بقوانين اللعب المالي النظيف، تبادر إلى بناء ملاعب جديدة أو إعادة هيكلة ملاعبها القديمة بتصاميم عصرية أنيقة، بصفر أورو !! وأكبر دليل على هذا الكلام، هو نادي البارصا الذي يقاوم شبح الإفلاس الوشيك منذ جائحة الكوفيد، لكن في نفس الوقت يقوم اليوم بإعادة بناء معقله الأسطوري “الكامب نو” بشكل هندسي مبهر سيضاعف مداخيله أربع مرات على الذي كان في السابق.
بناء الملاعب الخاصة بالأندية ذات القواعد الجماهيرية الكبيرة، أصبحت اليوم في كل العالم كعكة من الأرباح يسيل لها لعاب شركات البناء العملاقة والمؤسسات البنكية والمصرفية، وتتسابق من أجل الظفر بصفقة تشييدها، مقابل الإستفادة من نسبة من مداخيل الجمهور لسنوات طويلة، حيث بمجرد صدور قرار مجلس إدارة نادٕ من الأندية بفتح طلب العروض لبناء ملعب جديد، حتى تنهال عليه ملفات الشركات من داخل وخارج البلاد، خصوصا الأندية الذائعة الصيت والتي تتوفر على جمهور عاشق لا يتخلف عن مقاعده في المدرجات مهما كانت الظروف والأحوال.
ولكي ننزل قليلا عند المستوى الكروي الذي تمارس فيه الرجاء والوداد قاريا، على أمل أن يراود مسؤوليهم قليل من “النفس” عندما يتوصلون بتفاصيل المشروع الذي بدأ فيه النادي الأهلي المصري للتوفر على ملعب خاص والإستغناء عن ملعب القاهرة الدولي الذي تعود ملكيته للدولة ويشترك في اللعب فيه مع غريمه نادي الزمالك.
فقد أعلنت شركة بلتون للتأجير التمويلي والتخصيم التابعة لشركة بلتون القابضة في مصر، الأسبوع الماضي ، تمويلها بناء ملعب خاص بنادي الأهلي (45 ألف مقعد) ومدينته الرياضية التي تضم أيضا فندقا فاخرا ومطاعم ومتاجر للتسوق وأماكن للترفيه وقاعات سينما، وذلك بموجب عقد الإستفادة من نسبة من مداخيل جمهور المباريات وزبناء المرافق الأخرى، لمدة 25 سنة، بما يعني أن هذا المشروع لن يكلف خزينة النادي أي شيء، والشركة الممولة هي التي ستتكلف ماليا بأعمال البناء، فقط لأن للأهلي قاعدة جماهيرية تعد بالملايين وهي مصدر ربح مضمون لأي شركة تستثمر في إسم النادي.
الرجاء والوداد لهما نفس شعبية الأهلي والزمالك، ويشتركون جميعا في الرمزية التاريخية التي صنعتها ألقابهم وكؤوسهم واللاعبون الأفذاذ الذين مروا بهم، لكن الواقع يقول أن المصريين “هربوا علينا” في تشييد مؤسسات رياضية محترمة تدار أمورها المالية بشكل محكم ويتم تسويق أسماء أنديتهم بشكل احترافي أدخلهم إلى الدورة الإقتصادية العامة للبلاد، حتى وصلوا لبناء ملاعبهم الخاصة واستغنوا عن “الصينية” وانتظار دعم الدولة، فيما بقيت أنديتنا تبحث عن مشجب تعلق عليه فشلها في التخلص من عقلية الهواية واستثمار قواعدها الجماهيرية التي تعتبر “أصلا تجاريا” مربحا وكنزا ماليا لا يدركون قيمته.