الرأس الأخضر.. القوة الكروية الصاعدة
كانت نسخة كأس إفريقيا للأمم التي احتضنتها جنوب إفريقيا سنة 2013، بمثابة أول ظهور لمنتخب مغمور اسمه الرأس الأخضر، ولم تكن الترشيحات وقتها تعطيه سوى المشاركة من أجل التعرف على أجواء المنافسة الإفريقية، والاحتكاك بالمنتخبات التقليدية في القارة السمراء، لكنه على عكس التوقعات، اجتاز الدور الأول ووصل إلى دور الربع وكان إحدى مفاجآت الدورة .
كانت هذه المشاركة إيذانا بظهور منتخب إفريقي صاعد يمثل جزرا متناثرة في المحيط الأطلسي، أثار انتباه المتتبعين ودفعهم إلى البحث عن المعلومات الدقيقة حول هذا الأرخبيل المحسوب على القارة الإفريقية، وكيف وصلت إليه رياضة كرة القدم، وكيف تطورت حتى وصلت إلى تشكيل منتخب قوي أصبح يقارع كبار القارة ويتغلب عليهم بكل جدارة واستحقاق.
دخول كرة القدم إلى الأرخبيل
كان دخول كرة القدم إلى الأرخبيل على يد المعمرين البرتغاليين في أوائل القرن العشرين، حيث أسسوا أول ناد في جزيرة ساو فيسينتي، ثم تلتها جزر أخرى كميندليزي وسانتياغو وسالو.
وبعد سنوات من اللعب بشكل متفرق، انتظمت أندية جزر الرأس الأخضر في إطار بطولة رسمية انطلقت عام 1938 بمشاركة أندية تستوحي أسماءها من الأندية البرتغالية الشهيرة، كسبورتينغ كلوب دابرايا، وجي دي أرامنتي.
وبعد الاستقلال عن البرتغال عام 1975، أصبحت كرة القدم في جزر الرأس الأخضر رمزا قويا للوحدة الوطنية، حيث أصبحت كرة القدم رمزًا قويًا للوحدة الوطنية بين جزر الأرخبيل من خلال البطولة التي كانت تجمع الأندية المحلية، وأيضا منتخب هذه الجزر الذي لعب انطلاقا من عام 1978 أولى مبارياته الودية مع منتخبات وأندية أجنبية، وتطور ذلك إلى تأسيس الجامعة الوطنية لكرة القدم في الرأس الأخضر (FCF) سنة 1982.
وبعد 4 سنوات حصل على عضوية الاتحاد الدولي للعبة (فيفا)، وانضم إلى الاتحاد الأفريقي عام 2000.
دعم رسمي..
قامت حكومة الرأس الأخضر باستثمارات كبيرة في كرة القدم خلال السنوات الأخيرة، وشملت هذه الاستثمارات بناء ملاعب جديدة وتطوير برامج التكوين للفئات الصغرى داخل الأندية، كما أسست أكاديمية وطنية لكرة القدم بهدف تحسين مستوى البطولة المحلية، حيث تقدم هذه الأكاديمية تكوينا عالي الجودة في جميع جوانب كرة القدم، بما في ذلك المهارات الفنية والخطط التكتيكية واللياقة البدنية.
وتستقبل الأكاديمية اللاعبين من جميع أنحاء البلاد، وتقدم لهم فرصة لتلقي تدريب احترافي بعد عملية تنقيب واختيار اللاعبين بناءً على مهاراتهم وقدراتهم، ويتم وضعهم في مجموعات وفقًا لمستوياتهم.
تستمر الدورة التدريبية في الأكاديمية لمدة سنتين، ويتلقى اللاعبون تدريبًا يوميًا على كرة القدم، بموازاة مع تكوينهم التعليمي، وفق نظام إقامة دائمة تستمر خلال فترة التكوين، كما يشارك اللاعبون في المعسكرات التدريبية الدولية، حيث يواجهون فرقًا من دول أخرى.
وتساعد هذه المعسكرات اللاعبين على اكتساب الخبرة والتعلم من لاعبين آخرين يمارسون في أعلى المستويات.
شعبية كبيرة ومنتخب قوي
تحظى كرة القدم بشعبية كبيرة في جزر الرأس الأخضر، حيث تنتشر ملاعب كرة القدم الصغيرة في كل مكان، على الشواطئ وسفوح الجبال، وعلى طول جنبات الأنهار.
وعلى الرغم من أن البلاد لا يقطنها سوى نصف مليون نسمة وتعد من بين 30 أصغر بلدان العالم، فإن الرأس الأخضر يعتبر واحدًا من أكثر البلدان الإفريقية شغفا بكرة القدم.
وقد ساهمت هجرة اللاعبين الى مختلف البطولات الأوربية في اكتساب مستويات عليا في كرة القدم، عبر احتكاكهم بأعرق المدرس الكروية ومجاورتهم لأبرز النجوم، وأدى ذلك الى نقل خبراتهم إلى الفريق الوطني للرأس الأخضر، وتشكيل منتخب قوي حفر مكانته بالتدريج ليصبح إسمها أساسيا ضمن قائمة المتأهلين لكأس إفريقيا للأمم، وأيضا منافسا قويا في إقصائيات كأس العالم، بالإضافة إلى الكثير من نجوم كرة القدم العالميين الذين تعود أصولهم إلى الأرخبيل الافريقي، كناني لويس كارلوس الذي لعب لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي ولعب لمنتخب البرتغال، أو اللاعب السويدي هنريك لارسون الذي لعب لأندية فينورد وسيلتيك وبرشلونة.
هؤلاء ممن يدعمون بقوة مبادرات تطوير كرة القدم في بلدهم الأصلي، ويساهمون في نقل خبراتهم إليها عبر جلب المؤطرين المجربين في الأكاديميات الأوربية العريقة.
“الأسماك الزرقاء”
يلقب منتخب الرأس الأخضر لكرة القدم بـالأسماك الزرقاء أو “الكريول”، حيث عرف مستواه تطورا لافتا خلال العشر سنوات الأخيرة، ودخل ضمن لائحة أفضل 100 منتخب في تصنيف الفيفا العالمي.
وتمكن خلال بعض الفترات من الوصول إلى المركز 27.
وبعد مشاركته في أول دورة لكأس الأمم الافريقية سنة 2013، عاد منتخب الرأس الأخضر إلى التأهل لدورة غينيا الاستوائية سنة 2015 غير أنه خرج من دور المجموعات، لكنه بلغ الدور الثاني وخرج أمام حامل اللقب في نسخة 2021 في الكاميرون.
وتأهل للدورة الحالية التي تجري في الكوت ديفوار، واستطاع خلق المفاجأة بعد أن كان من أوائل المتأهلين للدور الثاني بعد تصدره لمجموعته القوية أمام منتخبات تقليدية مثل مصر وغانا، وصار مرشحا لأن يكون “الحصان الأسود” لهذه الدورة التاريخية.