story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الرأسمال وقانون الإضراب.. أسئلة بين يدي العمل النقابي

ص ص

يتجدد النقاش حول قانون الإضراب، وهنا لا بد من طرح سؤال ملح، أو لعلها عدة أسئلة تناسلت من صلب واقعنا الذي يعرفه كل متابع حسب مبلغه من النظر.. فإلى أي حد نحن مستعدون لمناقشة قانون الإضراب ومعرفة ما يستوجب التعديل وما لا يستوجبه فيه؟ وهل من أطروحات نقابية وسياسية قادرة على خوض غمار هذا النقاش؟ وبأي وعي ستدافع النقابات المتعددة لأسباب حزبية عن مطالبها في قانون الإضراب؟ هل يتحقق من هذا النقاش وعي مصاحب؟ بتعبير آخر: هل أصبحت الممارسة التشريعية شرطا ضروريا لتطوير عمل نقابي أصبح عاجزا عن إفراز دينامية ذاتية؟

لا نخاطب في النقابيين انتماءهم الحزبي ومصالحهم الآنية، تلك قصة أخرى لا نريد خوض غمارها ها هنا؛ بل نخاطب الوعي النقابي والاجتماعي الذي تعاقبت عليه السنون فكاد أن يندثر، نطرح عليه عدة أسئلة لم يتكبد عناء طرحها وتجاهل ضرورتها في شرط اجتماعي وسياسي خاص ويحتاج وعيا تاريخيا سديدا.. ولعل أبرز عامل في هذا الشرط هو العامل الخارجي، أي الرأسمال الأجنبي وتأثيره على الرأسمال الوطني.. وهنا نتساءل مجددا: إلى أي حد استطاعت النقابات المغربية الوعي بهذا الشرط؟ وهل لها القدرة على ذلك؟ وكيف لها أن تقنعنا بانحسار ممارستها ومنطقها في الإشكالية السياسية والاجتماعية الخطأ- إذا ما تحدثنا عن الموضوع في استراتيجية العمل النقابي لا في تكتيك ممارسة السلطة-؟!

هناك من يعتقد أننا نستنكر على الشعب حقه في العيش؛ الشعب من حقه أن يعيش. وهناك من يعتقد أننا ننفي وجود تفاوت اجتماعي؛ إنه موجود كما هو حال كل المجتمعات الطبقية التي لا تخلو منها دولة في الشرق أو الغرب. إننا نختلف في قراءة الواقع وتفاصيله، حيث يتحدد التناقض الرئيس مع الرأسمال الأجنبي وليس مع الرأسمال المحلي. ولا يعني ذلك نفي التناقض مع الرأسمال المحلي/ الوطني، بل هو موجود في حدود معينة وثانوية.. فما مدى استيعاب النقابات وممثلي الطبقة العاملة لهذه الحدود؟!

هناك من يطرح في خضم النقاش تبعية الرأسمال المحلي، وهذا من باب “السماء فوقنا”.. إن تبعية الرأسمال المحلي لا تنفي عنه التناقض مع الرأسمال الأجنبي. هذه مسألة موضوعية مرتبطة بالسوق والإنتاج والمصالح الاقتصادية، لا بعواطفنا ومواقفنا الشعورية. وإن الطبقات المغربية بمختلف مراتبها الاجتماعية جزء من التناقض بين الرأسمالين؛ موضوعيا هي جزء من الرأسمال الوطني، وبوعيها الزائف قد تخدم الرأسمال الأجنبي دون وعي منها.. والسؤال هنا: ما مدى مساهمة الفعل النقابي المغربي في حفظ وعيها النقابي وإكسابه مناعة نظرية وعملية ضد عموم الرأسمال من جهة، وضد الرأسمال الأجنبي من باب أولى (في شرطنا الراهن)؟!

كل تشريع اجتماعي يخص الشغيلة والطبقة العاملة، بما في ذلك قانون الإضراب، يجب أن يتأسس على وعي نقابي/ اجتماعي سديد، وهو وعي يتأسس بدوره على نقد اجتماعي مزدوج في اتجاهين:

  • في اتجاه الرأسمال الوطني لأنه مطالب بعدة إصلاحات لحفظ الاستقرار الاجتماعي؛ وعلى رأس هذه الإصلاحات: تسوية حقوق الطبقة العاملة، والاستثمار في مجالات استقطاب اليد العاملة.

-في اتجاه الفعل النقابي الذي شرذمته الإيديولوجيات السياسية في حين أن المطالب النقابية واحدة.. وفي اتجاه الفعل النقابي اليساري الذي فقد أداته النظرية فأصبح خطابه شعبويا كباقي الخطابات.

إن الاستقرار الاجتماعي يتحقق بتحقق مصالح مكوناته ووعي قياداته في المجتمع. وإن الرأسمال الذي يحقق الربح، من مصلحته أيضا حفظ الاستقرار الذي هو محل الاستثمار ومحل الربح. وإن الفعل النقابي الذي يدافع عن المصالح الطبقية والفئوية، من مصلحته حفظ الاستقرار الذي هو محل نضاله ومحل مصالحه الجماعية. وهذا يستعصي فهمه على فعل نقابي/ اجتماعي كاد أن يحوّل النضال النقابي إلى نضال فئوي، إلى جزر من المصالح ليس بينها جسور من الوعي والتنظير العام لمعارك المجتمع.. بل ليس بينها تضامن لأن الذي يناضل من أجل مصلحته كفئة لا تعرف باقي الفئات، لا يحق له طلب التضامن.. وهنا يتبادر للذهن سؤال آخر: هل أعدت النقابات عدتها لهذه الفئوية التي تحول النضال النقابي إلى “قبائل” من المصالح المهنية المنفصلة عن عموم النضال الاجتماعي، أم أن النقابات نفسها وجدت في “النضال الفئوي” ضالتها؟!

إن العمل النقابي اليوم مطالب بالإجابة على سؤالين: كيف يتم التقسيم الداخلي للعمل؟ وكيف يتم التقسيم الدولي للعمل؟ النضال الاجتماعي الداخلي له حدود موضوعية مرتبطة بالتقسيم الدولي للعمل، كل تجاوز لهذه الحدود يعني إضعاف الرأسمال الوطني في علاقته بالتقسيم الدولي. من لا يستطيع أو لا يريد سماع هكذا تحليل فلا حق له في طلب التضامن! لا نضال إلا النضال الطبقي الواضح، فإذا تعسر ظهرت الانتهازية الفئوية.. النضالات الفئوية لا تعبر عن نضال اجتماعي طبقي سليم، بل عن أزمة في هذا النوع من النضال نفسه.. وأول عنصر من عناصر هذه الأزمة هو غياب الوعي بالموقع الطبقي عند أصحاب المطالب.. إنها تعبير من التعابير الانتهازية التي نراها في المجتمع حيث يسود منطق “أنا وبعدي الطوفان”. فكل فئة لا تعرف أختها، وليست مستعدة لممارسة نضال اجتماعي حقيقي، بل كل ما تسعى إليه هو تحقيق مطلبها القريب.

السؤال الأخير: كيف سنتحدث عن قانون للإضراب في ظل الواقع النقابي أعلاه؟! الإجابة عنه مهمة العمل النقابي الأولى، وقبل الإدلاء بأي تعديل.