الذهب في كلميم.. اكتشاف استثنائي يعزز موقع المغرب على خريطة التعدين العالمية

في قلب صحراء كلميم جنوب المغرب، اكتشف فريق من المتخصصين في قطاع التعدين شبكة من 34 عرقًا من الكوارتز تحتوي على تركيزات ذهبية تتراوح بين 6 و300 غرام لكل طن، ما يجعلها واحدة من أهم الاكتشافات الذهبية في شمال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
ويمتد هذا النظام المعدني لعمق يتجاوز 100 متر، مع عرض سطحي يصل إلى 1.5 متر، بحسب موقع “ديسكوفري أليرت” (Discovery Alert)، الذي أشار إلى أن هذا الاكتشاف من شأنه أن يحدث تحولاً في مكانة المغرب عالمياً على مستوى تعدين الذهب، إذ أنه يعد “من أبرز الاكتشافات الواعدة في شمال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة”.
وتتجلى جودة اكتشاف عروق الذهب المكتشفة في مجاري الأنهار القديمة بكلميم تم في نتائج التحليلات المخبرية للعينات المأخوذة من المناجم والخنادق “حيث تراوحت تراكيز الذهب بين 6 غرامات في الطن و300 غرام في الطن”، وهو ما عده المصدر ذاته “رقماً غير مسبوق”.
وتتجاوز أهمية اكتشاف كلميم مجرد الأرقام المرتفعة لتركيز الذهب. ويوضح الموقع المتخصص في مجال التعدين أنه وفقًا لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) لسنة 2023، بلغ إنتاج المغرب من الذهب حوالي 6.8 أطنان في 2022، “وهو رقم قد يرتفع بشكل ملحوظ مع تطوير هذه العروق الجديدة بنجاح”.
وتُعتبر الرواسب التي تزيد نسبتها عن 10 غ/طن “رواسب عالية الجودة”، على الصعيد العالمي، ومع نتائج تتراوح بين 6 غ/طن و300 غ/طن، يُصنف اكتشاف كلميم ضمن “الاكتشافات الاستثنائية”، ما يجعله من بين الأعلى عالميًا. ويشير المصدر ذاته إلى أن مثل هذه الرواسب عالية الجودة “تظل اقتصادية حتى في فترات انخفاض أسعار الذهب، مما يجعلها أصولًا ثمينة للغاية”.
إضافة إلى ذلك، فإن تجانس التمعدن عبر العروق الـ34 المكتشفة “يعزز من أهمية الاكتشاف”، إذ لا يقتصر الأمر على منطقة عالية الجودة واحدة، بل يشير إلى وجود نظام ذهبي شامل مع إمكانات كبيرة لمزيد من الاكتشافات.
يقع الاكتشاف فوق مجاري نهر درعة القديمة، المعروف تاريخيًا بحمله لرواسب ذهبية. وتشير هذه العروق الأولية الجديدة إلى أن الذهب الغريني المستخرج سابقًا كان مصدره هذه الصخور، مما يؤكد غنى المنطقة بالمعادن.
كما أنه لهذا الاكتشاف أيضًا أبعادًا تاريخية وثقافية، بحيث أنه من المرجح أن الذهب المستخرج من هذه المنطقة قد غذّى شبكات التجارة القديمة التي ربطت شمال إفريقيا بمناطق جنوب الصحراء وما بعدها. وبناء عليه يمثل هذا الاكتشاف عودة إلى جذور التاريخ المعدني للمنطقة، بعيداً عن الجانب الجيولوجي.
تعزيز جاذبية المغرب
يلفت موقع “ديسكوفري أليرت” الانتباه إلى أن اكتشاف الذهب في كلميم “يضيف قيمة كبيرة إلى المحفظة المعدنية المتنوعة التي يتمتع بها المغرب”، إذ أنه إلى جانب الذهب، تتمتع البلاد برواسب مهمة من النحاس، والليثيوم، والتيتانيوم، وعناصر الأرض النادرة (REEs)، وهي جميعها معادن استراتيجية لازمة للتحول الطاقي، وتقنيات الطاقة المتجددة، والصناعات الجوية، والتصنيع المتقدم.
هذا التنوع المعدنية، ييقول الموقع: “يجعل المغرب قبلة في سلاسل التوريد العالمية الساعية إلى تنويع مصادرها بعيداً عن المناطق التقليدية”.
ويرى أن قطاع التعدين الراسخ في المغرب، الذي يعد ثاني أكبر منتج للفوسفات في العالم، باستضافته أكبر احتياطيات فوسفاتية في العالم تُقدّر بحوالي 50 مليار طن، “يوفر البنية التحتية والخبرة والأطر التنظيمية التي يمكن أن تخدم تطوير مشاريع معدنية جديدة مثل مشروع ذهب كلميم”.
ويعتبر أن إضافة موارد ذهبية عالية العيار تعزز من جاذبية قطاع التعدين المغربي، خاصة مع بحث المستثمرين العالميين عن وجهات تتمتع بالاستقرار السياسي، وقوانين تعدين راسخة، وتنوع في الموارد المعدنية، إضافة إلى الوصول إلى البنية التحتية ومسارات التصدير.
ميزة جغرافية
هذا ويمثل موقع المغرب الرابط بين إفريقيا وأوروبا “ميزة لوجستية استثنائية لتطوير وتصدير المعادن”، بحسب الموقع المتخصص في قطاع التعدين، إذ أن “القرب من الأسواق الأوروبية، إلى جانب البنية التحتية المتطورة للموانئ، يخلق ظروفاً مواتية للتجارة المعدنية”. وتزداد قيمة هذه الميزة الجغرافية مع سعي سلاسل التوريد العالمية لتعزيز مرونتها عبر التنويع الجغرافي.
وتوفر هذه الميزة الاستراتيجية لعمليات التعدين في المغرب فوائد رئيسية، منها تقليص أوقات وتكاليف الشحن إلى الأسواق الأوروبية، والوصول إلى طرق الشحن في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وإمكانية التكامل مع سلاسل التوريد الصناعية الأوروبية، إلى جانب تقليل المخاطر الجيوسياسية مقارنة ببعض الوجهات التعدينية البديلة.
كما أن تحديث قانون التعدين بالمغرب في عام 2015، يرى موقع “ديسكوفري أليرت” أنه عزز جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية عبر تحديث اللوائح وتوفير وضوح أكبر وأمان قانوني للشركات، مشيراَ إلى أن هذا الإطار التنظيمي، يشكل إلى جانب الموقع الاستراتيجي والتنوع المعدني، “حالة استثمارية قوية للشركات التعدينية الدولية”.