الذكاء الاصطناعي وصور “غيبلي”.. تكريم أم انتهاك لإحدى أشهر “ممالك الأنمي” ؟

أثناء تصفّحك لمواقع التواصل الاجتماعي، من المرجّح أنك صادفت عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين شاركوا صورهم، أو صور أحبّائهم، بعد تعديلها باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتبدو وكأنها شخصيات من إحدى أفلام استوديو الرسوم المتحركة الياباني الشهير “استوديو غيبلي” (Studio Ghibli) — هذا إن لم تكن أنت نفسك قد انضممت إلى هذا “التريند” العالمي.
يتعلق الأمر بأحدث إصدار من برنامج الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي”، الذي أُطلق يوم الثلاثاء 25 مارس 2025، وجاء بعدد من التحسينات والقدرات العملية الجديدة، من بينها دقة أكبر في فهم النصوص وتعليمات المستخدمين. غير أن أبرز ما أثار انتباه المستخدمين حول العالم هو قدرته اللافتة على توليد صور ثابتة بأساليب فنية تحاكي أشهر أنماط الرسوم المتحركة والأنمي.
لطالما كان ممكنا لمستخدمي برنامج “تشات جي بي تي” وبرامج أخرى للذكاء الاصطناعي توليد الصور عبر إدخال التعليمات النصية، لكن الجديد في التحديث الأخير لنظام (GPT 4o) هو إمكانية تحميل صور خاصة وتحويلها بسهولة إلى أنماط فنية محددة.
ومن بين جميع الأساليب الفنية التي استُحضرت عبر هذه التقنية، برز أسلوب واحد بوضوح على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تدفق المستخدمون على برنامج الذكاء الاصطناعي لتحويل صورهم إلى لقطات مستوحاة من أسلوب الرسوم المتحركة الأيقوني لـ”استوديو غيبلي” المعروف بأسلوب رسمه الساحر وأجوائه الحالمة، والذي يقف وراء أفلام خالدة مثل “Spirited Away” و”Howl’s Moving Castle”، والتي ارتبطت بذكريات الطفولة لدى الملايين حول العالم.
- ما قصة استوديو “غيبلي” ؟
يعد استوديو غيبلي أحد أشهر استوديوهات الرسوم المتحركة في العالم، ويُعد رمزًا للأنمي الياباني بفضل أعماله الفنية الساحرة والملهمة، تأسس الاستوديو في عام 1985 على يد المخرجين هاياو ميازاكي وإيساو تاكاهاتا، إلى جانب المنتج توشيو سوزوكي.
ثمانية من أفلام الاستوديو حصلت على أعلى إيرادات في اليابان على رأسها فيلم (Spirited Away) الذي تم إنتاجه سنة 2001، وحقق 274 مليون دولار حول العالم، والذي ظل لفترة طويلة أعلى الأفلام اليابانية من حيث الإيرادات قبل أن يتراجع للمركز الثالث، فيما حصدت الكثير من أعمال الاستوديو الأخرى جوائز العالمية وترشحت خمسة من أفلامه لجائزة الأوسكار، فاز منها اثنان آخرها فيلم (The Boy and the Heron) الذي حصل على الجائزة سنة 2024.

“ميازاكي” الذي ارتبط اسمه بشكل أكبر بأعمال الاستوديو، كان له الفضل في إخراج 13 من أعمال الاستوديو الخالدة، إذ لطالما ارتبط مستقبل “غيبلي” بقرار ميازاكي بالتقاعد من عدمه، حيث يستبعد المعجبون حول العالم أن يكون هناك من هو قادر على مواصلة النجاح الذي بناه ميازاكي، بما في ذلك ابنه الذي لم يستطع مجاراة أبيه، خصوصا بعد تعرض تجربتين له مع الاستوديو لانتقادات كثيرة.
كمؤلف ومخرج ورسّام، حمل ميازاكي عبء الاستوديو على عاتقه منذ تأسيسه. وقد استلهم من حياته الشخصية ليبتكر قصصًا خالدة، حيث كانت رؤيته الإبداعية حاسمة في نجاح الاستوديو، وفي تطور صناعة الأنمي اليابانية. وذلك قبل أن يشعر بالإرهاق، ليعلن “رسميًا” تقاعده في عام 2013.
خلال مسيرته الفنية أعلن ميازاكي تقاعده 3 مرات، على الأقل، لكنه كان يعود دائمًا بمشروع إبداعي جديد. إعلان عام 2013 بدا أكثر جدية من سابقيه، ما جعل الكثيرين يعتقدون أنه الفصل الأخير في مسيرته، قبل أن يعود سنة 2023، بفيلم (The Boy and the Heron) ليفوز بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أنيمي روائي.

ورغم نجاحه الأخير، وعمره الذي تجاوز الـ84 سنة تحوم شائعات حول إمكانية عودته للعمل مرة أخرى، من خلال فيلم قصير جديد.
تقول عنه سوزان نابير، أستاذة الدراسات اليابانية ومؤلفة كتاب “عالم ميازاكي: حياة في الفن”: “أعتقد أنه سيتقاعد فقط عندما يعجز عن الإمساك بالقلم. هذا الرجل لم يُخلق للتقاعد. عمله هو أهم شيء في حياته.”
- هل “ميازوكي” راض عن استخدام أسلوبه في الرسم من قبل الذكاء الاصطناعي؟
في الوقت الذي لم يعلق ميازاكي أو الاستوديو بعد على محاكاة الذكاء الاصكناعي لأسلوبه دون ترخيص، طفى على السطح مؤخرا تصريح لميازاكي عبَّر فيه عن “إدانته” للفن المُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي، معتبرا إياه “إهانة للحياة نفسها”.
وخلال وثائقي يعود لسنة 2016، قال ميازاكي في تعلقيه على رسوم متحركة أنشأها الذكاء الاصطناعي: “من يصنع هذا النوع من الأشياء لا يعرف شيئًا عن الألم… أشعر بالاشمئزاز التام… وأؤمن بشدة أن هذا الأمر إهانة للحياة نفسها.”
وأضاف: “لن أرغب أبدًا في دمج هذه التقنية في أعمالي.”
في المقابل، سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة “أوبن إياي” المطورة لـ”تشات جي بي تي”، بدا مستمتعا بالضجة الأخيرة التي خلقها تحديثه الأخير، حيث شجع المستخدمين على تجربة التقنية الجديدة، بعد أن حول صورة ملفه الشخصي، على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” (تويتر سابقا) إلى صورة بأسلوب “غيبلي”.
وبطريقة ساخرة، دعا ألتمان مستخدمي البرنامج إلى التخفيف من توليد صورهم بأسلوب “غيبلي” بسبب الضغط “الهائل” و”غير المسبوق” التي خلقه هذا الإقبال الكبير

وفي تدوينة أخرى، كشف سام ألتمان عن تسجيل “تشات جي بي تي” لانضمام مليون مستخدم خلال ساعة واحدة في الفترة التي تلت إطلاق التحديث الجديد.

- هل خرقت “أوبن إياي” القانون بتدريب برنامجها على أعمال ميازاكي؟
استخدام أعمال ميازاكي في تدريب نموذج “تشات جي بي تي” وتوليده لرسوم بذات الأسلوب طرح نقاش كبيرا حول مدى احترام حقوق الملكية في عالم الذكاء الاصطناعي، خصوصا في ظل الدعاوى القضائية الكثيرة التي تهاطلت على “أوبن إياي” لذات السبب.
في هذا السياق، قال أحد المحامين المتخصصين لوكالة الأمريكية “أسوشيتد برس” إن أحد الأسئلة التي يثيرها التحديث الأخير هو ما إذا كان نموذج الذكاء الاصطناعي قد تم تدريبه على أعمال استوديو “غيبلي”، بترخيص منها أم لا، وهو ما ترفض الشركة الأمريكية الإجابة عنه.
وأضاف ويغنسبيرغ أن هناك مبدأ قانونيًا عامًا يقول إن “الأسلوب” الفني بحد ذاته لا يُعد محميًا بموجب حقوق النشر. لكن، في بعض الأحيان، ما يقصده الناس بـ”الأسلوب” قد يشير إلى “عناصر أكثر تحديدًا وتميّزًا ووضوحًا من العمل الفني”.
وأضاف: في فيلم مثل ‘Howl’s Moving Castle’ أو ‘Spirited Away’ يمكنك تجميد لقطة من أي مشهد فيهما، والإشارة إلى عناصر محددة للغاية، ثم تنظر إلى صور الذكاء الاصطناعي وتجد عناصر متطابقة أو متشابهة إلى حد كبير مع الصور الأصلية.
وبالتالي فإن “القول فقط بأن الأسلوب لا يمكن حمايته بموجب قانون حقوق النشر لا يجب أن يكون نهاية النقاش.”
أما الفنانة كارلا أورتيز، التي نشأت على مشاهدة أفلام ميازاكي وتقاضي حاليًا شركات توليد الصور بالذكاء الاصطناعي في قضية لا تزال جارية بتهمة انتهاك حقوق النشر، فقد وصفت الأمر بأنه “مثال واضح آخر على أن شركات مثل (OpenAI) لا تهتم بعمل الفنانين ولا بمصدر رزقهم.”
وقالت أورتيز لـ”أسوشيتد بريس”، “هذا استغلال لاسم غيبلي، ولأعمالهم، ولسمعتهم، من أجل الترويج لمنتجات شركة الذكاء الاصطناعي… إنه إهانة”
وازداد غضب أورتيز عندما انخرطت إدارة الرئيس دونالد ترمب في الترند الجديد، يوم الخميس، مستخدمةً حساب البيت الأبيض الرسمي على منصة “إكس” لنشر صورةٍ بأسلوب “غيبلي” لامرأة تبكي من جمهورية الدومينيكان، اعتقلتها سلطات الهجرة الأميركية مؤخراً.

ويثير التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي الكثير من التساؤلات حول مستقبل الوظائف في عدة مجالات. فبعد التصريحات الأخيرة للرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، مارك زوكربيرغ، التي حذر فيها من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل المبرمجين، جاء التحديث الأخير لـ”تشات جي بي تي” ليضيف تحذيرات جديدة، هذه المرة، إلى الفنانين، بشأن التهديد الذي قد يشكّله الذكاء الاصطناعي على أعمالهم.