الدفع مقابل الدراسة.. الجدل يحتدم بالجامعات المغربية حول فرض رسوم على الطلبة الموظفين
أثار توجه عدد من الجامعات المغربية نحو فرض رسوم التسجيل على الموظفين والأجراء الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية جدلا واسعا، بعد أن صادقت مجالس جامعية عدة على رسوم جديدة مفروضة على هؤلاء الموظفين والأجراء، تشمل مختلف الأسلاك، بما في ذلك الإجازة.
وبينما تدافع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عن هذا التوجه باعتباره تنظيما بيداغوجيا يهدف إلى مأسسة التكوين في “الزمن الميسر”، يرى فيه أساتذة وطلبة “تهديدا صريحا لمجانية التعليم العمومي وضربا لمبدأ المساواة”.
على خطى واحدة..
وفي هذا الموضوع، اطلعت صحيفة “صوت المغرب” على محضر اجتماع مجلس التدبير بجامعة ابن زهر بأكادير، الذي تضمن المصادقة على رسوم جديدة مفروضة على الموظفين والأجراء، حيث تم تحديد 6 آلاف درهم للإجازة و15 ألف درهم للماستر بكلية الآداب، و7 آلاف و500 درهم للإجازة و17 ألف درهم للماستر بكلية العلوم والتقنيات، فيما بلغت مصاريف الدكتوراه 10 آلاف درهم.
وقد اتخذت جامعات أخرى خطوات مشابهة، بحيث أن المدرسة العليا للأساتذة التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس بدورها حددت رسوم التسجيل في سلك الماستر الخاص بالزمن الميسر بين 11 ألفا و12 ألفا و500 درهم لكل فصل، فيما قررت جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، وجامعة محمد الأول بوجدة، اعتماد الأداء في الإجازة والماستر والدكتوراه.
كما أعلنت جامعة عبد المالك السعدي بتطوان وجامعة ابن طفيل بالقنيطرة عن تسجيل الموظفين والأجراء ضمن تكوينات بنمط الزمن الميسر حسب مراكز الدكتوراه، بينما تطبق جامعة محمد الخامس بالرباط هذا النظام منذ سنوات، إذ تفرض رسوما محددة على الموظفين الراغبين في متابعة الدراسة في الفترة المسائية.
“ضرب” لفلسفة التعليم العمومي
هذا التوجه المتزايد نحو تعميم الرسوم لم يخلُ من انتقادات في الأوساط الجامعية، إذ حذر أساتذة وطلبة من كونه “يشكل تهديدا لفلسفة التعليم العمومي ومبدأ المساواة”.
وفي هذا الصدد، اعتبر الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري أن “هذا التوجه يمسّ جوهر التعليم العمومي القائم على الإتاحة والمجانية”، مؤكدًا أنه “لا يجوز حرمان أي مواطن من خدمة عمومية بدعوى قدرته على الأداء”.
وأضاف أن “المواطن يؤدي الضرائب مقابل خدمات عمومية تشمل التعليم والصحة والنقل، وبالتالي فرض رسوم على أساس الوضع المهني يضرب مبدأ المساواة”.
وأوضح البكاري، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن “بعض الرسوم تصل إلى 15 ألف درهم، وهو مبلغ يفوق إمكانيات أغلب الموظفين بالمغرب”، مبرزا أن “متابعة الدراسة حق من حقوقهم لا امتيازا، لكون المؤسسات الجامعية مرافق عمومية تمول من المال العام لخدمة المواطنين على قدم المساواة وليست شركات خاصة تقدم خدمات بمقابل”.
من جهتهم، عبّر طلبة الماستر والدكتوراه الموظفون والمستخدمون المقبولون للتسجيل برسم الموسم الجامعي 2026/2025 بوجدة عن رفضهم القاطع لهذه الرسوم، معلنين عن مقاطعة عملية التسجيل إلى حين تراجع الجامعة عن قرارها.
وجاء في بيان صادر عن التنسيقية الجهوية لطلبة الماستر والدكتوراه الموظفين بوجدة أن رئاسة جامعة محمد الأول لجأت بشكل “إقصائي ومجحف” إلى فرض رسوم التسجيل، في ما وصفوه بأنه “ضرب صارخ لمجانية التعليم العالي وحقوق المواطنين في البحث العلمي”.
وأضاف البيان أن “القرار أثار غضبا واسعا في صفوف الطلبة المعنيين الذين نظموا أشكالا احتجاجية ونقاشات مفتوحة بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، بحضور الفصائل الطلابية، لمناقشة “التمهيد لخوصصة التعليم العالي عبر بوابة الموظفين”.
ونظم المحتجون أمام رئاسة الجامعة بوجدة وقفة رفعوا خلالها شعارات تندد بـ”الرسوم الجائرة”، معتبرين أن “الخطوة تضرب عرض الحائط مبدأ المجانية الدستوري، ومطالبين بالتراجع الفوري عنها”.
وأكد البيان رفض التنسيقية “شكلا ومضمونا لأي إلزام بأداء رسوم التسجيل”، مستنكرة “التضارب بين تصريحات الوزير وقرارات الجامعات”، وأعلنت في نفس الوقت، تمسكها بالحق في الدراسة الجامعية وفق مبدأ الاستحقاق والمجانية.
“تنظيم لا خوصصة”
وفي الوقت الذي يرى فيه الرافضون للقرار كونه خطوة تمس بمجانية التعليم، تقول الحكومة إن “الأمر لا يعدو كونه تنظيما إداريا بيداغوجيا يهدف إلى تيسير متابعة الدراسة للموظفين والأجراء دون الإخلال بالمجانية المضمونة دستوريا”.
وفي هذا الإطار، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي خلال تقديم مضامين مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بلجنة التعليم والثقافة والاتصال، إن “القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي حسم بشكل لا رجعة فيه بخصوص مجانية التعليم بكل مكوناته”، مضيفا أنه “لا يمكن أن نضع قانونا لنضرب في المجانية”.
وأوضح ميداوي أنه “تمت مأسسة التكوين الأساسي في إطار التوقيت الميسر بالنسبة لفئة الموظفين والأجراء لتمكينهم من متابعة الدراسة الجامعية بشكل متنظم، خارج أوقات العمل بدءا من الخامسة مساء إلى التاسعة ليلا”.
وأضاف أن “الأجير أو الموظف كان مطالبا في السابق، بإحضار ترخيص من لدن مشغله من أجل متابعة الحصص الجامعية، واليوم فتحنا الفرصة لهؤلاء مع إلزامية الحضور بعد العمل، بدءا من الخامسة مساء فما فوق”.
ولتأمين هذا التكوين، يقول الوزير، تعتمد الجامعات على أساتذة جامعيين ينهون حصصهم العادية عند الرابعة أوالسادسة مساءً، ليشرعوا في تقديم دروس التكوين في إطار التوقيت الميسر، كما يتم تشغيل معاونين وموظفين وهو ما يتطلب توفير الإمكانيات اللوجستيكية، موضحا: “لأجل ذلك وضعنا رسوم التسجيل لتغطية هذه التكاليف”.
وفي الاتجاه ذاته، دافع أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، بجامعة محمد الخامس بالرباط عبد الحافظ أدمينو عن هذا التوجه، موضحا أنه “يندرج في إطار معالجة وضع سابق كان يثير إشكالات مهنية وتنظيمية داخل الإدارة والجامعة”.
ويرى أدمينو، في هذا الباب، أن “هذه الرسوم تهم فئة الطلبة الموظفين، وهي خيار وُضع لمعالجة وضع سابق كان يثير إشكالات مهنية، إذ كان بعض الموظفين يتابعون دراستهم أثناء أوقات العمل، على حساب زملائهم الذين يبقون في الإدارات، وهو ما يخلّ بمبدأ المساواة”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن “السماح للموظفين بمتابعة دراستهم بعد انتهاء الدوام شكل حلاً عمليًا، لكنه طرح في المقابل إشكالًا جديدًا يتعلق بتعويض الأساتذة والكوادر الجامعية الذين يشتغلون في فترات مسائية خارج التوقيت العادي”، مؤكدا أن “هذا الجهد الإضافي يستلزم تحفيزات مالية وتغطية للتكاليف اللوجستيكية، ومن هنا جاء التفكير في إقرار رسوم محددة لتغطية هذه النفقات”.
واعتبر المتحدث أن “فرض هذه الرسوم لا يشكل بأي حال من الأحوال ضربًا لمجانية التعليم، بل هو تنظيم عقلاني يهدف إلى تمكين الموظفين من تطوير مسارهم الأكاديمي دون أن يكون ذلك على حساب الطلبة المسجلين في التوقيت العادي”، لافتا إلى أن “الجامعات التي اعتمدت هذا النظام استفادت من موارد إضافية ساعدتها على تحسين بنياتها وتعويض الأساتذة”.
وشدد أستاذ القانون العام والعلوم السياسية على أن التوجه نحو خوصصة الجامعة المغربية “أمر مرفوض من قبل جميع المكونات الأكاديمية والنقابية”، مؤكداً أن الهدف ليس الخوصصة، بل البحث عن مصادر تمويل مبتكرة تُمكّن الجامعات من الاضطلاع بأدوارها.
وما يدل على ذلك، بحسبه، هو أن مشروع قانون التعليم العالي الجديد “لا ينص على فرض رسوم على الطلبة النظاميين”، بل نص على البحث عن تمويلات مبتكرة لدعم الجامعة العمومية.