“الخيانة الكبرى لغزة”.. قراءة نقدية في الإصدار الجديد لبنمسعود أطريدانو

نظمت مؤسسة علي يعتة، مساء الخميس 8 ماي 2025، لقاءً ثقافياً لتقديم الإصدار الجديد للكاتب عبد المغيث بنمسعود أطريدانو، الموسوم بـ”الخيانة الكبرى والصمت المدوي: من طوفان الأقصى إلى سقوط دمشق”، وذلك بحضور نخبة من المهتمين بالشأن السياسي والفكري.
وتضمن اللقاء قراءة نقدية للكتاب، الذي يتكون من 47 مقالاً، قدمها محمد الساسي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، استعرض خلالها أهم المحاور التي تناولها المؤلف، متوقفاً عند الخلفيات السياسية والتاريخية التي يعرضها الكتاب، وما يحمله من رؤى تحليلية جريئة حول القضية الفلسطينية.
ووصف الساسي الإصدار، خلال اللقاء الذي احتضنه مقر حزب التقدم والاشتراكية في الرباط، بأنه “جهد تحليلي عميق يواجه الرواية الرسمية العالمية حول ما يجري في غزة والمنطقة”.
وقال الساسي في عرضه: “هجوم 7 أكتوبر يُصوَّر كما لو أنه سقط من السماء، وكأن كل شيء كان على ما يرام، ثم جاءت حماس وأفسدت الحفل. هكذا تُقدَّم لنا اللوحة”.
ثم يوضح السياق كما ورد في الكتاب: “قبل 7 أكتوبر، هناك 17 عاماً من اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى، وآلاف الأسرى، بينهم أطفال، وآخرون قضوا 30 سنة في السجون، وحصار خانق على غزة، وجدار فصل عنصري، وتجاهل كامل لمبادرات السلام العربية، ومعاملة احتقار من طرف إسرائيل تجاه الدول العربية”.
ويضيف الساسي ناقلاً عن الكاتب: “في ظل هذا الوضع، ماذا يمكن أن ننتظر ممن يعيشون فيه أن يفعلوا؟”.
أما عن حكومة نتنياهو، فهي تعد في تقدير أطريدانو “أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل”. ويشير الساسي إلى أن الكاتب يُسقط حجة الجهل التي استُخدمت سابقاً لتبرير التغاضي عن الإبادات، بقوله: “في السابق، كان يمكن التذرع بعدم العلم، أما الآن، فلا يمكن التذرع بذلك. إنهم يعرفون كل شيء”.
وحول الموقف الغربي، ينقل الساسي ما يسميه الكاتب بـ”النفاق الغربي”، ويضيف: “الغرب الرسمي قدّم الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي لإسرائيل، بينما تميّزت فقط أربع دول بمواقف مختلفة، وهي: مالطا، وإيرلندا، وبلجيكا، وإسبانيا”.
ويُسجّل الساسي مفارقة نقلاً عن الكاتب: “الغرب يُدين تهديد حرية الملاحة في البحر الأحمر، كما لو أن القانون الدولي يُطبّق فقط هناك!”.
وينتقل الساسي إلى تحليل أحد أبرز الجوانب خلال الأحداث الأخيرة كما ورد في الكتاب، وهو الحرب الإعلامية، إذ يُشير إلى ما يسميه الكاتب بـ”القرية الإعلامية الصغيرة”، موضحاً: “عندما يستضيفونك على الفضائيات الغربية، يبدؤون أولًا بطرح الأسئلة التالية: هل تدافع عن حماس؟ هل هي حركة إرهابية؟ هل تهاجم إسرائيل؟ هل تريد تدميرها؟”.
ويتابع: “بعد هذه الأسئلة، كل تعاطف يُصنّف كمعاداة للسامية، وتُحظر أشكال التضامن، بل أصبحت محرمة”.
ويتساءل: “كيف نُفسّر استنطاق ثلاث رئيسات جامعات من طرف لجنة في الكونغرس، فقط لأنهن لم يقمن بما ينبغي؟”، مضيفاً: “في ألمانيا يُعتقل شخص لأنه ارتدى قميصاً عليه العلم الفلسطيني”.
أما بخصوص العالم العربي، فيقول الساسي إن الكاتب يبرز مفارقة، ويقارن بين موقف عام 1973 حين استخدم الملك فيصل النفط، واليوم: “اليمن وحدها تتصرف نيابة عن العالم العربي”.
ويتابع: “بلدان من أمريكا اللاتينية أظهرت، إلى جانب جنوب إفريقيا، تضامناً فاق الدول العربية”، مثل البرازيل، وتشيلي، وكوبا، وكولومبيا.
ويشرح الساسي تحليل الكاتب للموقف الرسمي العربي قائلاً: “القادة العرب يخافون من حماس”، ويقول إنهم: “لا يكرهون حماس لأنهم يحبون الديمقراطية، بل يكرهون الاثنين معاً، كما يكرهون إيران، ليس لأنها شيعية، بل لأنهم يخافون من نموذج الثورة”.
وينقل الساسي خمس خلاصات رئيسية من الكتاب، وهي أن “حماس لم يكن أمامها بديل آخر”، مشيراً إلى أنه “من يرى أن هناك بديلاً، فليقدّمه”، كما أنه “لا توجد كلمات في كل لغات العالم لترجمة ما يحدث في غزة”، و”لا توجد دولة في العالم ترتكب إبادة علنية وتتحدّى العالم وتتفاخر بها، إلا الكيان الإسرائيلي”.
هذا بالإضافة إلى أنه “رغم كل شيء، لم تحقق إسرائيل أهدافها بعد”، فيما أشارت الخلاصة الخامسة إلى أن “ما نعيشه هو جنون العالم، بدأ بعد انهيار الكتلة الشرقية”، ويُذكّر بمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وفقاً للمتحدث.
وتابع الساسي في قراءته: “أوروبا والغرب يكفران بثقافة الأنوار. هل معنى هذا أن علينا نحن أيضاً أن نكفر بثقافة الأنوار؟”، مشيراً إلى أن “ما يحدث منذ خمسين سنة يقتضي التمسك بمحتوى فلسفة الأنوار، مع نقد يفضح ازدواجية المعايير التي يختبئ خلفها الخطاب الغربي”.
وعن المستقبل الفلسطيني، تساءل الساسي: “هل يمكن أن تتحقق دولة فلسطين كاملة على ترابها، في ظل تراجع أمريكا وتقلص فرص إسرائيل؟”، مشيراً إلى أن السيناريو المطروح هو سيناريو دولتين: دولة في الضفة، وأخرى في غزة.
وعن موقف المغرب الرسمي، قال: “كأن شيئاً لم يحدث: هناك زيارات، وشراكات، وتطبيع مريح مع كيان يمارس الإبادة”، مشيراً إلى أنه كان من الأفضل عدم ربط قضية الصحراء بفلسطين”، ونبّه الكتاب إلى “بعض المواقف الإيجابية للمغرب لصالح القضية الفلسطينية، مثل قمة 1977 وخطة 282، وغيرها”.
وتوقف عند موقف الدول العربية عموماً، قائلاً: “إما تواطأت مباشرة، أو عبر دعم بالسلاح أو المال أو اللوجستيك، أو عبر الصمت”، موضحاً أن هذا توصيف وليس حماسة. واعتبر أن “موقف الأنظمة العربية يُفهم في سياق الخوف من أمريكا، ومن إسرائيل، ومن إيران”.