story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الحصيلة المرحلية للحكومة: سطو ثم تضخيم ومبالغة

ص ص

إن فلسفة العمل الحكومي مبنية على الإستمرارية والتراكم، فلا توجد حكومة بدأت من الصفر، ووجدت المغرب صحراءً قاحلة يحتاج لإعادة بناء وهيكلة.

مناسبة هذا الكلام، هي تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، بعد استضافته من طرف الصحفي رضوان الرمضاني في برنامج «بدون لغة خشب» على أثير إذاعة ميد راديو.

الأسئلة كانت مهمة ولكن الأجوبة تحتاج لنقاش حقيقي ومحاولة لفهم منطق التسويق الحكومي الذي تتبناه الحكومة الحالية المبني أولا على السطو ثم التضخيم والمبالغة.

لا بد أن نبدأ أولا بالوثيقة المتعلقة بحصيلة نصف الولاية الحكومية 2021-2026 نجد جزءً كبيرا منها يتعلق بصلاحيات واختصاصات الملك دستوريا وعمليا، ولا علاقة للحكومة به.

فالقارئ للحصيلة المرحلية ابتداءً من الصفحة 16 سيصاب بنوع من الالتباس، الحكومة تطرقت في حصيلتها للتعاون الدولي والإقليمي مشيرة بذلك لمشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجريا، ثم تطرقت بعد ذلك لأنشطة واجتماعات ملكية دبلوماسية هدفها الأساس تعزيز السياسة الخارجية للمملكة وتقوية إشعاع الدولة.

وتطرقت كذلك للقرار الملكي المتعلق باعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها وأدرجت هذا الأمر ضمن حصيلتها تحديدا في الصفحة 29، في حين أن الديوان الملكي أصدر بلاغا رسميا في الموضوع بتاريخ 3 ماي 2023، وهذا يعتبر عملية سطو حقيقية. دون أن ننسى أن الحكومة لم تتطرق ولو بإشارة واحدة لحصيلتها في تنزيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وهذا هو واجبها اتجاه هذا الملف الاستراتيجي.

أما فيما يخص التضخيم والمبالغة في الحصيلة، فقد ظهر الأمر جليا في برنامج بدون لغة خشب يوم الجمعة 26 أبريل 2024 في مناسبات عديدة، ولا بد من الوقوف عند النقط التالية:

أولا، ورش الحماية الاجتماعية والذي يُعتبر ورشا ملكيا. التوجيهات الأولى لهذا المشروع تضمنها خطاب العرش المجيد لسنة 2020، وكذا خطاب أكتوبر 2020 لافتتاح السنة البرلمانية.

كخطوة أولى، حرصت الحكومة السابقة التي كان يترأسها سعد الدين العثماني على إعداد القانون الإطار الذي تم تقديم خطوطه العريضة على أنظار جلالة الملك خلال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 11 فبراير 2021، وصادق عليه مجلسي البرلمان. ويتضمن مشروع الحماية الاجتماعية أربعة محاور أساسية محددة بأجندة زمنية واضحة تتجلي في:

  • تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة 22 مليون مستهدف إضافي خلال سنتي 2021 و2022؛
  • تعميم التعويضات العائلية لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن التمدرس تستفيد منها 3 ملايين أسرة خلال سنتي 2023 و2024؛
  • توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد لفائدة حوالي 5 ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش في أفق سن 2025؛
  • تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025.
    وكإجراء أولي في تنزيل هذا المشروع، ترأس جلالة الملك يوم 14 أبربل 2021، حفل إطلاق تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع ثلاث اتفاقيات إطار تهم تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا. وبالتالي ما تقوم به الحكومة اليوم في ورش الحماية الاجتماعية يأتي في إطار الاستمرارية والتراكم، من أجل مواصلة تنزيل أجندة هذا الورش الهام والذي انطلق فعليا سنة 2021، وهي السنة الأخيرة من الولاية الحكومية السابقة. وهذا يعني أن أية حكومة تم تنصيبها، بغض النظر عن تلويناتها السياسية، كانت ستنزل محاور مشروع الحماية الاجتماعية مع احترام الأجندة الزمنية، وهذا أمر طبيعي وبديهي جدا.

ثانيا، فيما يخص ملف الصحة، والذي يعتبر من الملفات الاستراتيجية، تحدث الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، عن تطور كبير في مجال الصحة وأشار إلى انطلاق بناء مستشفيات جامعية جديدة بكل من كلميم، بني ملال، والراشيدية.

وتحدث عن تطور العرض الصحي، وهو عمل مرة أخرى جاء في إطار الاستمرارية والتراكم. فالحكومة السابقة تركت تركة محترمة من الإنجازات في المجال الصحي منها إحداث 3 مراكز استشفائية جامعية جديدة بكل من أكادير، والعيون، وطنجة، بالإضافة إلى عشر مستشفيات إقليمية جديدة، كما تم تجهيز 60 مستشفى إقليميا بأجهزة المسح الشعاعي، و11 جهة بأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد أن نتوقف عند المستشفى الجامعي كلميم، اللبنات الأولى لهذا المشروع كانت في الولاية السابقة، الوزير الوصي على القطاع كان آنذاك هو أنس الدكالي، حيث تم إعطاء انطلاقة البناء يوم الثلاثاء 6 نونبر 2018 بغلاف مالي قدره 500 مليون درهم على مساحة قدرها 14 هكتار، في أبريل 2023 صرح وزير الصحة الحالي، خالد آيت الطالب، أنه سيتم تحويل المستشفى الجهوي الحالي إلى مستشفى جامعي.

وبالتالي من الخطأ الفادح أن يتم إنكار كل ما قامت به الحكومات المتعاقبة في قطاع استراتيجي كقطاع الصحة، هذا الأمر لا يحترم إطلاقا ذكاء المواطنين من جهة، ولا يمت للأخلاق السياسية بصلة من جهة ثانية.

ثالثا، ودائما في إطار برنامج بدون لغة خشب، صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن «الحصيلة المرحلية الحالية لو كانت هي الحصيلة النهائية لحكومة من الحكومات لملأت الدنيا ضجيجا به»، وهذا أمر فيه كثير من التضخيم والمبالغة المسيئة للعمل السياسي برمته، خاصة وأن لغة الأرقام لا تكذب ولا تجامل أحدا.

في ظل الحكومة الحالية، وصلت نسبة البطالة إلى 13% سنة 2023 حيث فقد المغرب 181.000 منصب شغل خلال سنتين، تعتبر هذه النسبة هي الأعلى منذ سنة 2000. وتعتبر فئة الشباب هي الأكثر عرضة للبطالة بنسية 35.8%، وحاملي الشهادات بنسبة 19.7% ، والبطالة مرتفعة كذلك في صفوف النساء بنسبة 18.3%، وكلها أرقام رسمية من المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط.

كما أن عدد الشركات المفلسة في ارتفاع مستمر وقياسي وصل إلى 14245 شركة سنة 2023 والرقم مرشح للارتفاع هذه السنة حسب تقرير مكتب الدراسات InfoRisk .

أما الأسرة المغربية فتعاني الأمرين، فبالاعتماد على الأرقام الرسمية دائما، وحسب المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر خلال الفصل الأول من سنة 2024، فإن %82.5 من الأسر المغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة، واستنزفت 42.3% من الأسر مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، وتوقعت 83.6% من الأسر ارتفاع مستوى البطالة، كما صرحت 90.7% من الأسر بعدم قدرتها على الادخار خلال 12 شهرا المقبل.

ولابد أن نتوقف كذلك عند التقرير السنوي لمؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية Tranparency International ، حيث تراجع المغرب بخمسة نقاط محتلا بذلك المرتبة 97 ضمن 180 دول سنة 2023، مع العلم أن المغرب كان في الرتبة 73 سنة 2018، إذ أنه تراجع ب 24 رتبة.

وتراجع المغرب كذلك في مؤشر حرية التعبير محتلا المرتبة 144 سنة 2023، مقابل المرتبة 135 سنة 2018، حيث تراجع المغرب بتسعة مراتب وذلك حسب الترتيب الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود والذي يقيس أوضاع الصحافة في 180 بلدا حول العالم. دون أن ننسى قضايا الفساد المعروضة على المحاكم في السنتين الأخيرتين تتعلق بأعضاء ينتمون للمؤسسة التشريعية وصل عددهم اليوم إلى 29 عضو بغرفتي البرلمان.

هل هذه هي الحصيلة التي قال عنها الناطق الرسمي باسم الحكومة ببرنامج «بدون لغة خشب» أنها «أحسن حصيلة مرحلية في العشرين سنة الماضية» وتحديدا في الدقيقة 15.20.

الحكومة مطالبة اليوم بإعادة النظر في طريقة تسويق حصيلتها، نحتاج اليوم تسويقا مبنيا على أسس علمية مبنية على الواقعية والصراحة والشفافية المطلقة والتواضع والتواصل الفعال مع المواطنين في محطات مختلفة من عمر الحكومة.

التسويق الحالي مبني أساسيا على السطو أولا ثم الكثير من المبالغة والتضخيم. ولا يجب أن ننسى أن الحكومة الحالية اعتادت أن تنسب كل ما هو إيجابي لحصيلتها وكل ما هو سلبي لحصيلة 10 سنوات الماضية من التدبير الحكومي متناسية بذلك مشاركتها في صنع القرار السياسي خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين، فحقيبة المالية والصناعة والتجارة والفلاحة كانت من نصيب الحزب الذي يترأس الحكومة الحالية.

نحن في أمس الحاجة اليوم إلى «المعقول» السياسي، وإلى سياسة بنفس أخلاقي كبير يضع المواطن المغربي في صلب اهتماماته، ويجعل من السياسات العمومية وسيلة يُحسِّن من خلالها الحياة اليومية للمواطنين بكل تجرد وتفاني، مع الترفع عن أي مصالح ضيقة قد تُسْقِطُ الحكومة في شبهات كبيرة المغرب في غنى عنها خاصة وأننا مقبلين على استحقاقات عالمية مهمة.

أمينة فوزي زيزي