“الحرب مبرر لبقاء الجيش في السلطة”.. وثائق أمريكية تكشف معارضة رئيس موريتانيا الأسبق لتسوية بين المغرب والبوليساريو
كشفت وثائق، رفعت عنها وزارة الخارجية الأمريكية السرية، أن الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع عارض في سنوات الثمانينات أي تسوية محتملة لقضية الصحراء المغربية بين الرباط وجبهة “البوليساريو” الانفصالية، خشية من تداعيات مفترضة على موريتانيا واستقرارها.
الوثائق الاستخباراتية التي يعود تاريخها إلى العاشر من نونبر 1988، والتي اطلعت عليها صحيفة “صوت المغرب”، تفيد بأن رئيس الأركان الموريتاني أحمد ولد منيه كشف أن الرئيس ولد الطايع يشعر بالقلق من تقارب قد يكون جارياً بين المغرب و”البوليساريو”، معتبراً أن الحرب في الصحراء المغربية مبرر لبقاء الجيش في السلطة.
وقال ولد منيه، وفقاً للوثيقة التي أرسلت على شكل برقية من السفارة الأمريكة في نواكشوط إلى واشنطن، إن الرئيس سأله عما إذا كان على موريتانيا محاولة عرقلة هذا التقارب الناشئ “والذي يعتقد الطايع أنه يتعارض مع المصالح الموريتانية”، ليرد عليه منيه بأن المغرب و”البوليساريو ” من غير المرجح أن يتوصلا إلى اتفاق دائم “وأوصى بأن تترك الحكومة الموريتانية مبادرة الأمم المتحدة الحالية تفشل من تلقاء نفسها”.
وضمن التفاصيل التي لم يتم رفع السرية عن أقل من سطر منها بعد، تحدثت البرقية عن محادثة خاصة مطولة، خلال الأسبوع الذي بدأ في 30 أكتوبر 1988، أشار فيها رئيس أركان القوات المسلحة الموريتانية أحمد ولد منيه إلى أن رئيس بلاده الطايع يستشيره دورياً بشأن نزاع الصحراء المغربية، بحيث أن الرئيس “كان يعتقد أن ولد منيه يمتلك فهماً جيداً للأطراف المتنازعة نتيجة خدمته كوزير خارجية (1980-1986) وخدمته السابقة كملحق عسكري في الجزائر”.
ولفت ولد منيه إلى أن الرئيس قلق من تقارب قد يكون جارياً بين المغرب والبوليساريو، في تطور كان يعتقد أنه لا يخدم المصالح الموريتانية، وبعد سؤاله رئيس أركان قواته عما إذا كان ينبغي على الحكومة الموريتانية محاولة عرقلة هذا التقارب الناشئ، رد عليه الأخير بأنه يعتقد أن المغرب والبوليساريو من غير المرجح أن يتوصلا إلى اتفاق دائم، متوقعاً فشل مبادرة السلام الحالية التي قادتها الأمم المتحدة من تلقاء نفسها، موجهاً ولد الطايع إلى ترك الأحداث تأخذ مجراها الطبيعي.
وأفاد ولد منيه بأن الرئيس الطايع لا يريد إنهاء الصراع، حيث إن الحرب توفر مبرراً لاستمرار الجيش في السلطة.
وفي تعليقه على المعطيات الاستخباراتية، أورد الجانب الأمريكي أنه ظهرت “عدة إشارات خلال الأشهر القليلة الماضية تفيد بأن الطايع قلق من تأثير حل سلمي محتمل لحرب الصحراء على موريتانيا”. مشيراً إلى أن الرئيس الموريتاني أرسل، في شتنبر 1988، مبعوثاً شخصياً إلى الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا ميتران للتعبير عن هذا القلق.
ونقل المبعوث إلى فرنسا على وجه الخصوص مخاوف الطايع من أن تؤدي التسوية السلمية إلى تدفق عناصر راديكالية من الصحراويين إلى موريتانيا، مما قد يهدد استقرار الحكومة الموريتانية.
وأشار الجانب الأمريكي إلى أن تعليقات ولد منيه تؤكد أن قلق الطايع عميق بالفعل، رغم أن رئيس الأركان يعتقد على ما يبدو أن هذا القلق له علاقة برغبة أنانية في إبقاء الجيش في السلطة أكثر من ارتباطه بمصالح موريتانيا الوطنية.
وشددت البرقية الأمريكية، في التعليق الذي مازال جزء منه قيد السرية، على أنه لا يمكن الجزم بدقة هذا التفسير، لافتة إلى أن رئيس الأركان يعتقد أن الحكومات العسكرية المتعاقبة في موريتانيا قد فشلت، “ولذلك فهو يفضل العودة إلى الحكم المدني”، موضحة أنه قد “تكون هذه النظرة السلبية للحكم العسكري هي السبب وراء تفسيره المتشائم لدوافع الطايع”.
وخلص التعليق إلى أنه سواء كان ولد منيه محقاً أم مخطئاً بشأن دوافع الرئيس، “فإن هذا النقد للطايع يظل مهماً، فهو أول مؤشر لدينا (الولايات المتحدة الأمريكية) على أن دعم ولد منيه للرئيس قد لا يكون كاملاً”.