story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الجيش “الأكثر أخلاقية”

ص ص

فُجِعت هذا الأسبوع بمشهد العجوز الفلسطينية التي نهشها كلب أطلقه جنود إسرائيليون، وآلمتني حالة الشاب الغزّي بدر دحلان الذي جحظت عيناه من هوْل ما عاشه في مراكز الاعتقال الإسرائيلية. وإن كان مشهداهما جزءاً من مأساة جارية، ولربما حدّاً أدنى مما أمكن توثيقه ونشره، إلا أنهما يظهران فداحة ما يجري وبشاعة ما تقترفه إسرائيل.
ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة يتجاوز الحدّ والعقل، وفي منتهى القسوة والفجور. فلا يكاد عقل يستوعب أن يطلق جنود الاحتلال كلباً على امرأة فلسطينية مُسنّة طريحة الفراش.. أن يتركوها للنهش لوقتٍ طويل لإلحاق الأذى بها وهم يستمتعون بالوحشية في أقصاها وأقساها، وهي التي لم تستطع النزوح لأنه ما عاد في وُسعها الخروج من بيتها، فضلا عن أن تدافع عن نفسها أو تشكّل خطرا على أحد.
سادية بلا نهاية تلك التي يمارسها جنود تجرّدوا من كل إنسانية لينزلوا بسوء الأخلاق إلى دركٍ لا قاع له: يفخّخون علب الطعام لتنفجر في وجوه الأطفال الجوعى، ويحتلّون بيوتاً هجّروا أهلها ويسرقون ما فيها، وحتى عندما يغادرونها إلى بيت آخر يحرقون ما تبقى أو يفجّرونها في سلوك همجي يكشف أعطابا نفسية فادحة. ثم يُهْدي أحدهم ابنته في عيد ميلادها (!!) مشهد تفجير منازل مدنيين. وآخر يسرق غيتار شاب فلسطيني لم يترك له القصف فرصة ليأخذه معه. وعجوز آخر ممدّد على الأرض هزيلٌ نشر جيش الاحتلال صورة له مع الجنود بزعم تقديم المساعدة له، ثم بعد ساعات يُعثر عليه وقد أعدموه ميدانيا بالرصاص. وعجوز بلغت من الكبر عُتيّاً يربطها جنود مرضى في سنّ أحفادها، وبعدما يجري إطلاقها يكون مِعصماها داميان بشكل يظهر خسّة هؤلاء المخبولين الذي ربطوها حتى حفرت القيود في جلدها. وآخر يرتدي حمّالات صدرٍ وملابس نسائية سخرية من سيدات هربن بما على أجسادهن من لباس. وصورتان لجنديين، أحدهما يمسك دمية عرض أزياء من الخلف ويداه على ثدييها، وآخر يلهو بدمية نصف عارية.
ثم أي جيش هذا الذي يحاصر أكثر من مليونيْ إنسان إلى حدّ إجبارهم على أكل علف الحيوانات، وتجويعهم ضمن أساليب حرب تنتمي إلى عصور مظلمة يوم كانت تُحاصر القِلاع ويُجوّع من فيها ويرمون بالمنجنيق. أي جيش هذا الذي يقصف الناس في المستشفيات، ويُجبر الأطباء على نزع أجهزة التنفس عن مرضى في أقسام الإنعاش، ويفصل الكهرباء عن آلات أطفال خُدّج. ثم أي وحشية أكثر من إعطاء الأمان لمدنيين يحتشدون للحصول على المساعدات ثم يجري إمطارهم بالقذائف في سبيل تسلية الجنود.
جنود غارقون في الوحشية قتلوا إلى الآن أكثر من 15 ألف طفل، وجوّعوهم، وهدموا المستشفيات والمدارس، وقصفوا مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة، وقنصوا المسعفين ومقدمي الخدمات الإنسانية، وأمطروا سيارات الإسعاف وقوافل المساعدات بالرصاص، واستهدفوا الصحافيين، وهدموا المساجد والكنائس والمتاحف والآثار، وقتلوا حيوانات حدائق في أقفاصها، وسمّموا التربة والماء، وطمروا الآبار، وأغاروا على منشآت توزيع الكهرباء والأنترنت، وغيرها من جرائم لا يستطيع المرء حصرها وقعت كلها في تسعة أشهر من الهبوط بالإنسانية إلى مهابط غير مسبوقة.
هذا الهدْر الفادح للإنسانية ليس سلوك أفراد. هذا نهج رسمي ومتفشٍ في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخطة حرب وتكتيك “قتال” يروم إلحاق أكبر قدر من الأذى بالمدنيين ضمن حالة الهستيريا التي تغرق فيها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، والتي تجعلها تتصرف بمنطق العصابة والقبيلة الموتورة.
وزير “الدفاع” الإسرائيلي يوآف غالانت، المتوقع أن تصدر مذكرة اعتقال دولية بحقّه، وصف الفلسطينيين بالوحوش البشرية، وجزم الرئيس إسحق هرتسوغ بأنه ليس في غزة مدنيون، ودعا مخبول آخر يحمل صفة وزير التراث (أي تراث؟!!) إلى إلقاء قنبلة نووية فوق رؤوس الغزيين لمحوهم من الوجود.. وغيرهم كثير ضمن حالة التحريض المجنونة ضد كل ما هو فلسطيني.. ليجد كل ذلك صداه في نفسية جندي متوحّش، لا يترك فرصة دون التعبير عن أعطابه ومرضه المزمن وعدوانه المفرط تجاه الإنسانية وهو يعبّر عن ساديته ضد العزّل الضعفاء من الأطفال والنساء والعجائز.
كل ذلك يؤلمني ويفجعني ويؤذيني حين أتخيّل أنّ بشرا عاشوه ولا زالوا. وأيضا يؤلمني أن بلدي استقبل، على ما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أولاً، في موانئه سفينةً حربية لهذا الجيش العار على الإنسانية، الذي لم يُوفّر جريمة حرب إلا ارتكبها، لإمدادها بالوقود والمؤونة. يؤلمني لأن بلدي المغرب في عيني وقلبي أكبرُ وأقدرُ على أن يرفض استقبال المجرمين على أرضه وفي موانئه.