تعليق عضوية إسرائيل في جمعية علم الاجتماع.. هل يمنع حضور أكاديميّيها بمنتدى الرباط؟

مِن “نرحب بالإسرائيليين” إلى “نعلق عضوية إسرائيل”. هكذا تحوّل موقف الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، منذ آخر بلاغ أصدرته يوم الجمعة الماضي، ردّاً على الدعوات إلى مقاطعة منتداها الخامس في الرباط، قبل أن تسحب البلاغ من موقعها الرسمي.
يأتي قرار اللجنة التنفيذية في الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، بتعليق العضوية الجماعية للرابطة الإسرائيلية لعلم الاجتماع، والذي اطلعت عليه صحيفة “صوت المغرب”، استجابةً لموجة احتجاجات واسعة شملت دعوات لمقاطعة المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، المزمع عقده في جامعة محمد الخامس، ما بين 6 و11 يوليوز 2025، رفضًا للمشاركة الإسرائيلية.
وفي حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أوضح فتاح الزين منسق الهيئة المغربية للسوسيولوجيا إن هذا القرار يعني منع إسرائيل من الحضور في الهيئات التقريرة للجمعية الدولية لعلم الاجتماع إلى حين اعترافها بالحق الفلسطيني، مؤكداً عدم حضور ممثلي الجمعية في المنتدى الخامس بالرباط.
ضربة لإسرائيل
واعتبر الزين أن القرار ضربة لإسرائيل. وقال: “نحن لسنا ضد البحث العلمي، بل نحن نقف ضد من يستعمله من أجل قتل البشر، وخلق سردية تضرب الوجود الفلسطيني، المادي منه وحتى اللامادي من خلال محو التاريخ”.
وأشار إلى أنه عند عقد الجمعية الدولية لعلم الاجتماع أي لقاءات دولية مستقبلاً سوف تسثنى إسرائيل من الحضور، ولن توجه أية دعوة لممثليها، مشدداً على أنه “لم يعد لأي أحد حق التعبير عن الرابطة الإسرائيلية داخل الجمعية الدولية”.
ويأتي هذا القرار، بحسب منسق الهيئة المغربية للسوسيولوجيا، بعد ضغط وصرامة من المغاربة وغيرهم من الأكادميين حول العالم، ومنظمات دولية منها حملة المقاطعة الأكاديمية، وأمنستي، وعدد من الفعاليات “التي تؤمن بحقوق الإنسان، وتدين الإرهاب والهمجية الإسرائيلية في الحرب على فلسطين، ومحاولة محوها من التاريخ ومن الذاكرة ومن التراث والبشرية”.
وكشف المتحدث ذاته أنه يجري حالياً تدارس خطوات إضافية من أجل التصدي لأي مشارك يحاول ضرب السردية الفلسطينية والدفاع عن الفكر الصهيوني داخل المنتدى حتى وإن كان يحمل جنسية أخرى، وذلك من خلال مقاطعته وتسجيل الاحتجاج ضده في الحين.
وبينما لا يزال مُعلَناً عن مشاركة 30 إسرائيلياً في المنتدى، سجّلت صحيفة “صوت المغرب”، يوم الإثنين 30 يونيو 2025، إلغاء مشاركة أكاديمي إسرائيلي كان من المفترض أن يقدّم مداخلة في المنتدى بالرباط تحت عنوان: “صمود مجتمع بعد صدمة 7 أكتوبر في إسرائيل”.
المداخلة التي كان سيقدّمها الأكاديمي الإسرائيلي، المنتمي إلى كلية “الخليل الغربي”، وصفت عملية فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 بـ”الهجمات الإرهابية”، وأظهرت انحيازاً واضحاً للعدوان الإسرائيلي على كل من الجانبين الفلسطيني واللبناني.
تمويه والتفاف
ومن جانبه، يرى عصام الرجواني أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل في القنيطرة، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن الجمعية الدولية لعلم الاجتماع “انحازت بهذا القرار للحق والفضيلة في زمن الوحشية والإبادة الإسرائيلية التي نشاهدها اليوم في غزة عبر المباشر”.
ويعتبر الرجواني، وهو أحد الفاعلين الأكادميين الذين قاطعوا المنتدى الخامس لعلم الاجتماع بسبب المشاركة الإسرائيلية، (يعتبر) أن التجميد المؤقت للرابطة الإسرائيلية بدل طردها نهائياً “إشارة سياسية وأخلاقية قوية تعني أنه عليها أن تثبت للمجتمع الأكاديمي أنها ليست جزءاً من المنظومة القمعية”، لافتاً إلى أنه موقف صعب للغاية بالنظر إلى طبيعة ارتباط الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بالجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية.
ويوضح الرجواني أن القرار “لا يشمل بالضرورة الأكادميين الإسرائيليين الذين ينتسبون إلى الصنف الثاني من العضوية الجماعية، أو المنتسبين بشكل فردي”، وذلك وفق نظام العضوية في الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وهو ما يعني أن قرار تعليق العضوية “لا يعني تلقائياً عدم حضور الأكاديميين الإسرائيليين كأفراد في المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بالرباط”.
واعتبر أستاذ علم الاجتماع ذلك “تمويهاً” من شأنه أن “يفرغ موقف المقاطعة الأكاديمية من مضمونها، لأنه سيتم إغلاق الباب على ممثلي الكيان الصهيوني لكن سيظل بإمكان الإسرائيليين الدخول من النافذة”، مشيراً إلى أن الهيئة المغربية للسوسيولوجيا “ستكون ملزمة بتوضيح هذا الأمر بمقتضى النزاهة والمسؤولية الأخلاقية، هل سيحضر الإسرائيليون للمنتدى العالمي الخامس أم لا؟”.
ويشمل نظام العضوية داخل الجمعية الدولية لعلم الاجتماع العضوية الفردية، بحسب عصام الرجواني، وهي مفتوحة في وجه الباحثين والمحاضرين والمنتسبين لحقل علم الاجتماع، إضافة إلى العضوية الجماعية التي تضم نوعين من الهيآت، وهما الأعضاء النظاميون، ويقصد بهم الجمعيات العلمية الوطنية في علم الاجتماع التي تعتبر الممثل الرئيسي للجماعة العلمية لعلم الاجتماع على المستوى الوطني.
بينما يتعلق الصنف الثاني من العضوية الجماعي بالأعضاء المنتسبين، وهو ما يشمل الجامعات ومراكز البحوث وشعب علم الاجتماع ومؤسسات أكاديمية أخرى.
وأوضح الرجواني أن الرابطة الإسرائيلية تنتمي للنوع الأول من العضوية الجماعية بوصفها جمعية وطنية، مشيراً إلى أن هذه العضوية تمنح وفق نظام الجمعية الدولية للجمعيات بوصفها هيآت علمية وطنية مستقلة، أما عندما تصير هذه الجمعيات “جزءاً من منظومة تخرق القانون الدولي أو تتواطؤ مع أنظمة تقوم على الفصل العنصري، فإن ذلك يهدد الأسس الاخلاقية التي تقوم عليها الجمعية الدولية لعلم الاجتماع”.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة القنيطرة أن قرار الجمعية الدولية “يأتي استجابة للضغط الأخلاقي المتصاعد من قبل المجتمع الأكاديمي، كما هو استجابة لمطالب الحملة العالمية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل”، مشيراً إلى أن هذه الأخيرة تعتبر أن المؤسسات الأكاديمية “ليست مؤسسات محايدة كما يحاول البعض الترويج له تحت غطاء الحرية الأكاديمية أو الحياد القيمي، بل هي مؤسسات متورطة في دعم الاحتلال وتبرير سرديته الصهيونية”.
مقاطعة واسعة
وفي منتصف شهر يونيو، أعلن مجموعة من أساتذة علم الاجتماع من مختلف الجامعات المغربية، بينهم عصام الرجواني، مقاطعتهم فعاليات المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، المزمع انعقاده في جامعة محمد الخامس بالرباط خلال الفترة من 6 إلى 11 يوليوز 2025، وذلك احتجاجاً على مشاركة وفد من الأكادميين الإسرائيليين المنتسبين إلى جامعات مثل الجامعة الإسرائيلية المفتوحة، والكلية متعددة التخصصات في القدس، وأكاديمية بيزاليل للفنون والتصميم، وجامعة بن غوريون في النقب – بئر السبع.
بدورها دعت حملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، العضو المؤسس في اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيلالتي تقود حركة المقاطعة العالمية (BDS)، إلى الضغط على الجمعية الدولية لعلم الاجتماع لإلغاء مشاركة الأكاديميين الإسرائيليين في المنتدى.
وأكدت الحملة، في بلاغ لها على أن مشاركة هذه المؤسسات الإسرائيلية تُعدّ انتهاكاً صريحاً لإرشادات المقاطعة الأكاديمية التي تتبناها حركة (BDS)، وتخالف مبادئ مناهضة التطبيع المعمول بها في المنطقة العربية، معلنة أنه في حال عدم الاستجابة لمطلبها، فإنها تدعو إلى مقاطعة شاملة لهذا المنتدى.
وانتقدت الحملة السماح بهذه المشاركة، معتبرة ذلك “خرقاً لخط الاعتصام الشعبي الفلسطيني الرافض للتطبيع في جميع المجالات، بما فيها التطبيع الأكاديمي”، مشيرة إلى أن الأكاديميين الإسرائيليين لا يُنظر إليهم كأفراد، بل كممثلين رسميين لمؤسساتهم ودولتهم.
وأوضحت أن الجامعات الإسرائيلية، من ضمنها الجامعة العبرية بالقدس، وجامعة بن غوريون، وجامعة تل أبيب، وجامعة بار إيلان، والجامعة المفتوحة، “تشكّل جزءاً لا يتجزأ من بنية الاحتلال، وتلعب دوراً محورياً في التخطيط والتبرير الأكاديمي للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، فضلاً عن تعاونها الوثيق مع الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن”.
وعددت الحملة مظاهر هذا التواطؤ، من بينها بناء الجامعة العبرية على أراضٍ فلسطينية مسلوبة، واستضافة جامعة بن غوريون لمعهد الأمن القومي المتعاون مع وزارة الدفاع، ومشاركة جامعة تل أبيب في تطوير “عقيدة الضاحية” التي تبرر استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين.
كما شددت الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل على ضرورة إلغاء مشاركة الأكاديميين الذين يمثلون بحكم الواقع “المؤسسات الإسرائيلية المتورطة في نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي”.
ونبهت الحملة المغربية إلى أن ذكر الجامعات الإسرائيلية التي وصفتها بـ”جامعات الإبادة”، هو عمل تطبيعي واضح وفقاً لمعايير المقاطعة ما لم تقم الجمعية الدولية لعلم الاجتماع بإضافة اعتراف بالأرض وحقوق غير القابلة للتصرف للشعوب الأصلية، بما في ذلك الفلسطينيين، وفقاً لإعلان الأمم المتحدة لعام 2007 بشأن حقوق الشعوب الأصلية، وكذلك وصف موجز لتواطؤ هذه الجامعات.
وتساءلت الحملة بشأن ضمان الجمعية الدولية لعلم الاجتماع عدم تورط المشاركين الإسرائيليين بشكل مباشر أو غير مباشر – بما في ذلك من خلال التحريض أو التبرير اللاإنساني – “في انتهاكات إسرائيل الخطيرة لحقوق الفلسطينيين، وخاصة جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية (بما في ذلك الفصل العنصري)، والإبادة الجماعية”. واستنكرت تشجيع الحوار المفتوح والنقدي، بإتاحة منصة “لنشر سرديات تشرعن هذه الجرائم المستمرة”.
ترحيب بالإسرائيليين
من جانبها، قالت الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، قبل تعليقها عضوة إسرائيل، في ردها على دعوات المقاطعة، والذي اطلعت عليه صحيفة “صوت المغرب” إن جمعية علم الاجتماع الإسرائيلية المشاركة في المنتدى “لا تربطها أية علاقات مؤسسية بالجامعات الإسرائيلية أو بالحكومة الإسرائيلية”، معربة عن ترحيبها بمشاركة الباحثين الإسرائيليين الأفراد، كما ترحب بمشاركة الباحثين الروس “انطلاقاً من مبدأ الحرية الأكاديمية”.
وعبرت في ردها، الذي وقعه كل من جيفري بلييرز رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وأليسون ماري لوكونتو رئيسة المنتدى الخامس للجمعية، عن قلقها من أن دعوة المقاطعة هذه، “بدلاً من إسماع أصوات الفلسطينيين، قد تُؤدي في النهاية إلى إسكاتهم، وخاصة أولئك الباحثين الفلسطينيين الذين يعتزمون مشاركة أبحاثهم وشهاداتهم مع جمهور عالمي في الرباط”.
وأضافت أن التزامها تجاه فلسطين “جلي طوال فترة تنظيم المنتدى”، مشيرة إلى أنه من المفارقات أن هذا الالتزام تحديداً هو ما يجعل المنتدى الآن هدفاً سهلاً للضغط، على الرغم من دوره كمساحة نادرة ومفتوحة للتأمل النقدي والتضامن.
وأكدت أنها تحترم حق منظمات المجتمع المدني في التعبير عن اختلافها والدعوة إلى المقاطعة. وتشدد في الوقت ذاته على ضمان “توفير منصة لعلماء الاجتماع، بغض النظر عن جنسياتهم أو انتماءاتهم المؤسسية أو توجهاتهم السياسية، للمشاركة في حوار هادف ومنفتح وناقد”.
وطالبت الجمعية دعاة المقاطعة إلى التفكير فيما إذا كان هذا المنتدى على وجه الخصوص، الذي يتم تنظيمه لأول مرة في العالم العربي، “مع وجود قوي للأصوات الفلسطينية والالتزام بالعدالة والمعرفة المناهضة للاستعمار هدفاً ملائماً لمثل هذه الحملات”.
وقالت إن الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع، وهي عضو جماعي في جمعية علم الاجتماع الإسرائيلية، لم تدع إلى مقاطعة المنتدى، “إذ أيد العديد من الزملاء الفلسطينيين موقف الجمعية الدولية صراحة”. وأشارت إلى أن الجمعية الإسرائيلية تعارض التوسع الاستيطاني وتدعم زملاءها الفلسطينيين.
نفي فلسطيني يدعم المقاطعة
وفي بيان ينفي ما ادعته الجمعية الدولية لعلم الاجتماع بشأن موقف الفلسطينيين، قالت الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع وعلم الإنسان إنها تضم صوتها لدعوة الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية، لإلغاء مشاركة الأكاديميين الإسرائيليين في المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، والذي يعقد في جامعة محمد الخامس في الرباط ما بين 6 و 11 من يوليوز 2025، “كونه ينتهك معايير المقاطعة الأكاديمية ومعايير مناهضة التطبيع المعتمدة والمطبقة في المنطقة العربية”.
ودعت الجمعية الفلسطينية، باعتبارها عضو فاعل في الجمعية الدولية وممثلاً لعدد كبير من علماء الاجتماع وعلماء الإنسان الفلسطينيين، زملاءها في الجمعيات الوطنية النظيرة للانضمام لطلب الحملة الوطنية عدم مشاركة الأكاديميين الممثلين للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة.
ودعت الجمعية إلى مقاطعة المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، في حال لم تتجاوب الجمعية الدولية لعلم الاجتماع مع مطلب إلغاء مشاركة الأكاديميين الممثلين للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة.