story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

التواصل لدى حُكومة أخنوش وعقدة الشرعية الشعبية

ص ص

تتعاقد الأمة مع ممثليها في المؤسسة التشريعية أو في المؤسسة التنفيذية من أجل تدبير شؤونها وصون كرامتها وتحقيق حاجياتها وبأن تكون في مستوى طموحاتها، وفي العادة، من حق هذه الأمة على هؤلاء المدبرين بالإضافة إلى إنجازات ميدانية تترجم ذلك التعاقد، التواصل معها وشرح ما يجب شرحه وتبسيط كل ما يجب، لاسيما في وقت الأزمات، مما يجعل العلاقة بينهما علاقة ثقة وعلاقة الخدمة المتبادلة، أي التصويت يوم الاقتراع مقابل الإنجاز والتواصل.

التواصل واجبٌ وليس ترف

يعرف مايكل سكدسون، أستاذ التواصل والصحافة في جامعة كولومبيا، التواصل السياسي بكونه “عملية نقل رسالة يكون الغرض منها التأثير على استخدام السلطة أو الترويج لها في المجتمع ’’، أي أن التواصل السياسي يتعلق محتواه بالقرارات السياسية وبرامج الحكومات و يهدف إلى بناء هوية سياسية لرجل أو حزب سياسي معين واقناع الاغلبية بضرورة تأييد أفكاره، وبالتالي فهو موجبٌ للفاعل السياسي، غير أنه في حالتنا المغربية الفريدة، ابتلينا بحكومة تعتبر التواصل مع المواطنين ترفاً وليس ضرورةً وكأن هذه الأحزاب المشكلة للأغلبية وصلت إلى الحُكومة عبر شيك على بياض، وليس عبر تعاقد مُلزم وموجب للتنفيذ.

ولعل هذه الأحزاب تناست تماماً أن الثقة التي يضعها المواطنون والمواطنات في حزب معين وتبوؤه مكانة معينة في المشهد السياسي، تجعل مسؤولية هذا الحزب في التواصل أكبر مع كل فئات المجتمع سواء بشكل مباشر أو عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة، لضمان انخراط هذه الفئات في المنجزات المفروض تحقيقها من قبل الحكومة، وبالتالي فهذا التواصل حقٌّ وواجب، لاسيما في وقت الأزمات، أي تواصل الازمات، وهذا التعاقد الأفقي والعمودي بين المواطنين والأحزاب هو ما جعل الحاجة إلى التواصل السياسي تبرز بشكل قوي.

وعلى ذكر تواصل الأزمات، كل من درس التواصل أو اشتغل به يعرف أن في الأزمات هناك نظرية “crisis communication” أو “تواصل الأزمات” وتتمحور على ثلاث محاور ISE (Inform, Support, Empower)، أي الإخبار بالمعلومات، والتجاوب مع كل تساؤل أو إشكالية تُطرح، ثم التمكين من المعلومات الدقيقة أولا بأول؛ ذلك لأن الأوقات الاستثنائية تتطلب تواصلا استثنائيا، وهذا أيضاً يغيبُ بشكل كلي أيضاً عن أجندة هذه الحكومة.

فإذا كان أساتذة التواصل وخبراؤه قد أجمعوا على سبع وظائف للتواصل السياسي، وهي الوظيفة الإخبارية، التنشئة الاجتماعية، التأثير في اتجاهات الرأي العام، الرقابة على الحكومة، دعم مشروعية النظام السياسي والمساعدة في صنع القرارات، إدارة الصراعات السياسية، التسويق السياسي، فإن رئيس هذه الحُكومة أجمع على الكُفر بالتواصل السياسي وبوظائفه السبعة، ذلك لأنه يتمتع بعقلية تجارية صرفة وبالنسبة له كل شيء قابلٌ للبيع والشراء، بما في ذلك أصواتُ المواطنين وتفاعلهم وانخراطهم كما فعل مع المنابر الصحافية والصحافيين وعدد من النشطاء، وذلك عبر جزرة الإشهارات والأظرفة والخدمات في الفنادق الفاخرة، وعصى قطع الماء والكهرباء في حال العصيان، علماً أنه أعطى الانطباع في حملاته الانتخابية أنه وحزبه كيانات تواصلية وسخر في ذلك كل الإمكانيات المادية والبشرية، ليتضح في الأخير أن كل ذلك، كما وعوده، كان مجرد قنابل دخّانية لذر الرماد في عيون الناخبين، وسلك الطريق المشهور ’’تَمَسْكَنَ حتَّى تَمَكَّنَ’’.

وعلاقة بالتواصل السياسي هنالك التسويق السياسي، وهو تسويق المنجزات وإقناع الناس بها، وضمان انخراطهم في الدفاع عنها، ففي الوقت الذي تدّعي فيه هذه الحكومة أن لها إنجازات غير مسبوقة في التاريخ، فإنها تُحجمُ عن سبق الإصرار والترصُّد عن التسويق لها أو عن التواصل بشكل عام، كما أسلفت، سواء عبر المنصات الرسمية أو الخاصة، فحتى على مستوى البرلمان يكادُ رئيس الحكومة يجمع شهرين ليحل وفق الفصل 100من الدستور في جلسة شهرية حول السياسة العامة، أما على مستوى الصحافة بشقيها القطب العمومي والخاص، ففي حالات نادرة يتم عبر حوارات محبوكة سلفاً بأسئلة على المقاس مع إدخال المؤثرات وتصرف مقص الرقابة قبل النشر، بشكل لا يغضبُ رئيس الحكومة ومن معه، ونفس الأمر يتم بالنسبة للقاءات الحزبية التي تتم بشكل مغلق ويتم إخراج بعض المقتطفات لاحقاً.

المناضلين قاعدة التسويق الصلبة

أعتقدُ جازماً أن من الأسباب المُباشرة لإحجام أحزاب الأغلبية عن التواصل ولاسيما حزب رئيس الحكومة، يعودُ بالأساس إلى عقدة ’’الشرعية الشعبية’’ التي لا يتوفر عليها رغم كل الإمكانات الضخمة الموضوعة تحت تصرفه، وبالتالي غيابُ قاعدة صلبة وأساسية في التسويق السياسي، وهي التي تشكل نواة التشبيك لهذه العملية، ذلك لأن وجود الفاعل الحزبي في أي نظام سياسي يرتبط بحجم التأييد الشعبي الذي يملكه، ولذلك تكون وظيفة الأحزاب الأولى حيازة جملة من الأدوات والوسائل في تنزيل برنامجه التواصلي السياسي، كما يعمل على توجيه كتلة مؤيديه إلى دعم توجهاته ورهاناته التي يتبناها سياسيا.

والمقصود بالقاعدة الصلبة مجموع المناضلين والمتعاطفين مع الحزب، والذين يشاركون في مختلف الأنشطة الحزبية والتظاهرات الثقافية والندوات والأيام الدراسية التي قد ينظمها الحزب إما مركزيا أو جهويا أو محليا، كما أن هذه القاعدة الجماهيرية تشكل النواة الحقيقية التي يعتمد عليها مرشحو الحزب أيام الدعاية الانتخابية (التواصل باسم الحزب، إقناع الناس بالتصويت لصالحه، توزيع منشورات الحزب…( وهو الأمرُ الذي لا يتوفر عليه حزب رئيس الحكومة، لأنه جاء بعقلية ’’التاجر’’ وأسّسَ نموذجه الحزبي على ذلك الأساس، أي على صرف الأموال لضمان الموالاة وليس على النموذج التقليدي للأحزاب الذي تتكون قاعدته من المناضلين، فالمناضل لا يصنعه المال أو الإغراء، بل يصنعه الاحتكاك مع الألم والمعاناة، تصنعه برامج تكوين وتواصل لإقناعه أولا بجدوى وجوده في هذا الحزب وليس في ذاك، تصنعه خطاطات تدريب منخرط في الميدان بجانب المحتاجين له للدفاع عن قضايا وطنه وأمته، وعن قضايا الإنسان.

ونظراً لهذه العُقدة الحارقة، أي عقدة ’’الشرعية الشعبية’’، فإن الحزب الذي يترأس الحكومة ورئيسه أساساً سعى إلى تعويض النقص الذي خلّفه غياب المناضلين والمتعاطفين باكتراء القاعات مع الجمهور، كما تابعنا ذلك بالداخلة والعيون، أو بالذباب الإلكتروني، عله يصنع تلك الشعبية الموهومة أو ذلك التعاطف عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع إنجازاته المزعومة وسياساته الموعودة، وينتشي بالدعم ولو كان مصطنعاً، سيما وأنه عبارة عن حسابات مزيفة أو مجهولة الهوية، تستخدم أسماء مستعارة وصور غير حقيقية، وتنشر بشكل مكثف وسريع، وتغرد أو تنشر التعليقات بكميات كبيرة في وقت قصير، كما أنها تستخدام لغة متكررة ومحددة و تعتمد على نسخ ولصق نفس العبارات أو الهاشتاغ، كما يعتمد هذا الذباب التفاعل الجماعي، حيثُ يدعم بعضه البعض بالإعجابات والتعليقات لخلق وهم الدعم الشعبي، وأخيراً يشن الهجوم على المعارضين و يستخدم أساليب التنمر الإلكتروني والإساءات اللفظية.

ولعلّ ما يتناساه رئيس حكومتنا أن الشرعية الشعبية تُبنى أولا وأخيراً بالمصداقية والثقة ثم بالصراحة والوضوح ثم تأتي في مرحلة لاحقة شرعية الانتخابات وشرعية الإنجاز، وهذه مُعادلة صعبة وغير قابلة للحل بالنسبة لحزب رئيس الحكومة لأنه لا يتوفر على مقومات حلها لاسيما المصداقية التي من الصعب أن يتوفر عليها حزب بنى نموذجه على نموذج المال والأعمال، وهو النموذج الذي لن يحوز الشرعية الشعبية مهما حاول واصطنع.

*نزار خيرون