story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

التقاعد و”بيت الما”

ص ص

بكل الجرأة الممكن توقعها في سياسيي عصر ازدراء المجتمع وما يفرزه من مؤسسات، أطلّ علينا رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، زوال أمس الثلاثاء 09 يوليوز 2024، من منصة مجلس المستشارين، معلنا أن الوقت “حان” (بسلامتو) لفتح نقاش “جدي ومسؤول” حول إصلاح التقاعد.
إما أن رئيس حكومة المغرب بات فاقدا للذاكرة، أو إن كائنات فضائية أو أشباح تنتحل صفة وزراء حكومة المغرب.
فالمفروض أن الحكومة الوحيدة القائمة في المغرب منذ انتخابات 8 شتنبر 2021، جاءت إلى البرلمان نفسه الذي تحدّث أمامه أخنوش أمس، وأعلنت عن برمجة زمنية لمسار إصلاح أنظمة التقاعد، والتزمت بالشروع في تنفيذ “خارطة الطريق” المتعلقة بإصلاح صناديق التقاعد ابتداء من ماي 2023.
كأننا شعب بلا ذاكرة أو جماعة من الكراكيز، يمكن للمسؤولين أن يلقوا علينا وعودهم والتزاماتهم المزعومة، دون أن يعتبروا أنفسهم ملزمين بتنفيذها أو تبرير التراجع عنها.
داخل القبة البرلمانية نفسها التي تحدث تحتها أخنوش أمس، كانت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، قد حضرت اجتماعا رسميا للجنة المالية، وقدّمت عرضا رسميا يتضمن تشخيصا لحالة صناديق التقاعد وخيارات الإصلاح الممكن، وبرمجة زمنية لمسلسل التشاور الذي كان يفترض أن ينتهي قبل أكثر من سنة من اليوم، ويدخل حيّز التطبيق.
السيد أخنوش يأتي اليوم ليعدنا بفتح المشاورات الخاصة بإصلاح صناديق التقاعد في الدخول السياسي المقبل، وأن ينتهي المسار باعتماد وصفة للإصلاح خلال سنة 2025، ويريدنا أن نصدّقه ونأمل خيرا من وراء وعوده هذه.
الوزيرة المنتمية إلى حزب أخنوش نفسه، وهو انتماء يظل بين أكثر من قوسين بالنسبة لأخنوش نفسه قبل باقي الوزراء لأن الرجل لم يتردد في الانسحاب من الحزب عندما دعي إلى حكومة ابن كيران ولم يعد إليه إلا عشية البلوكاج الشهير… أقول إن الوزيرة ذهبت إلى البرلمان في بداية 2022، ووعدت بتحيين الدراسات المتعلقة بتشخيص وضعية صناديق التقاعد في أكتوبر من السنة نفسها، وعرض ومناقشات “مخرجات” الدراسات الجديدة قبل متم تلك السنة.
كما وعدت الوزيرة بالتوصل إلى التوجهات الاستراتيجية ووضع تصور للإصلاح وخارطة للطريق قبل مارس 2023، ليتم اعتماد سيناريوهات الإصلاح والمصادقة على خارطة طريق تنزيلها في أبريل 2023… فجاء أبريل بكذبته الشهيرة ولم يأت الإصلاح.
وبصرف النظر عن وعود الحكومة والتزاماتها التي يستوجب التراجع عنها الاستقالة والرحيل، يعتبر إصلاح صناديق التقاعد من الأولويات الملحة لأية سياسة تدبيرية لشؤون المغاربة، تزعم الحرص على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم الاستقرار السياسي.
صناديق التقاعد في طريقها إلى الإفلاس، وكل شهر إضافي بدون إصلاح يعني المزيد من النزيف، خاصة في الصندوق المغربي للتقاعد الذي تتوقّع الأرقام الرسمية نفاذ احتياطياته المالية، أي إفلاسه، في العام 2028. بينما يريدنا أخنوش أن ننتظر “شي نهار” من سنة 2025 كي يأتينا بالإصلاح.
ملف التقاعد هو واحد من المرايا الصافية التي تظهر وجهنا الجماعي واضحا بكل تشوّهاته وقروحه، لأنه ينطوي على سوء تدبير متراكم منذ عقود، وضعف في الحكامة، وقلة شفافية، وانعدام للإنصاف والمساواة بين المغاربة، بما أن معدّل معاشات أجراء القطاع الخاص بالكاد يتجاوز عتبة الألفي درهم.
إنه نظام عبودية خالص هذا الذي يرغم المغربي على العمل في ضيعات وشركات الرأسمال الخاص طيلة حياته، مقابل أجر بالكاد يسمح بالعفاف والكفاف، ليقضي الأجير بقية حياته معتمدا على معاش قدره ألفي درهم… أي أقل من ثمن حذاء حقير تسكنه أقدام سيدات المجتمع المخملي.
العرض الذي قدّمته الوزيرة أمام البرلمانيين قبل عام ونصف، يخبرنا أن الصندوق المغربي للتقاعد سيحتاج بعد 2028 إلى 14 مليار درهم سنويا لتغطية نفقاته، لأنه سيكون قد استنفد كامل احتياطياته المالية.
بينما التحق النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد بدائرة العجز التقني بأكثر من ثلاثة ملايير درهم حسب أرقام 2021. ورغم إقرار الوزيرة بقرب شروع نظام التقاعد الخاص بالقطاع الخاص في استعمال احتياطياته، إلا أنها أضافت مطمئنة أن هذه الاحتياطيات لن تنفذ قبل العام 2038، أي مع وصول أقراني شخصيا إلى سن التقاعد…
ربّنا يطمّنك يا شيخة!
خلف هذا التماطل في الاقتراب من لغم صناديق التقاعد. يوجد أكثر من مجرد شبهة ضعف الكفاءة والافتقاد ل”العضلات السياسية” اللازمة لخوض معركته، بل توجد شبهات حسابات سياسوية ضيّقة، تتمّ على حساب المصلحة العامة ومستقبل المغرب.
في خلفية المشهد حسابات استدراج المجتمع ومعه ما تبقى من قوى حية في الأحزاب والنقابات والشارع، لتمرير حزمة من الإجراءات والسياسات، بعضها ظاهره إيجابي وباطنه يعلمه الله مثل الدعم المباشر وحذف صندوق المقاصة…
وفي الخلفية أيضا حسابات صغيرة قد لا تتجاوز مستوى تعليق إصلاح كبير من هذا النوع على مشجب تعديل حكومي، يبدو أنه يتأخر وفقا لحكمة “للي فراس الجمل فراس الجمالة”، كي يتخلّص أخنوش من الوزيرة العلوي أو الوزير لقجع، أو هما معا.
فالوزيران ورغم انتمائهما للعائلة التكنوقراطية الكبيرة لدار المخزن، إلا أن أخنوش لا يبدو مرتاحا لحؤولهما دون وضع يده مباشرة في “بيت المال” الذي يحرص “المخزن” على عزله عن مجال نفوذ تاجره الشاطر، أخنوش، عبر شخصيات متصلة مباشرة برأس هرم السلطة.
والخوف كل الخوف، أن يطول أمد الحسابات الصغيرة، ويأتي التعديل أو لا يأتي، حتى يسقط لام “بيت المال” ولا نجد سوى “بيت الما”… ويهزّنا الما!