التفسيرات البيولوجية لعلاقة قصر القامة بمهارات كرة القدم

ص
ص
لم تشهد كرة القدم تغيرات كبيرة رغم توالي السنوات والمواسم، حيث أحدث الأولون رياضة متكاملة من دون حاجة لتعديل الكثير من أمورها رغم مرور الوقت، فمعظم الابتكارات والاجتهادات تركز بشكل حصري على اللياقة البدنية وسبل تحسينها، اعتماداً على التقدمات الحاصلة في معرفة أسرار الجسد البشري وسماته، أو ترتبط بطرق التدريب والتمرن، وهو ما ينعكس على إيقاع المباريات ويجعله أكثر سرعة.
لذلك قد يعتقد البعض أن ممارسة الساحرة المستديرة في أعلى المستويات رهين بتوافر بعض الجوانب البدنية من قبيل الصلابة والقوة وطول القامة، لكنه اعتقاد خاطئ، لا سيما في ما يخص طول القامة. إذ أن معظم اللاعبين الذين ذاع صيتهم في عالم كرة القدم، من أسطورة البرازيل بيليه إلى مارادونا ثم ليونيل ميسي، كان قصر قامتهم أهم السمات التي جعلتهم يتميزون بأدائهم الخارق فوق رقعة الميدان.
أولغا كازان، الكاتبة بموقع “ذي أتلانتيك”، حاولت الإجابة عن هذا السؤال في أحد تقاريرها، لتخلص إلى سر تفوق قصار القامة في المراوغة والمهارات الفردية أكثر من غيرهم من اللاعبين ذوي الأجساد المتوسطة والطويلة.
مميزات الأجسام
استهلت أولغا كازان حديثها بالاستثناء الذي تمثله كرة القدم، باعتبار أن أكبر نجومها هم من صغار الحجم، إضافة إلى أنها الرياضة الوحيدة التي قد يتفوق فيها اللاعبون ذوو الأجساد الضعيفة نسبيا، وغير مفتولة العضلات أو ذات الأطوال الفارعة، ثم ضربت المثل بنادي برشلونة، الذي كان -حينئذ- أحد أفضل فرق العالم، وكان لاعبوه أيضا يتسمون بقصر القامة مقارنة بالفرق الأخرى، مثل تشافي هيرنانديز، وأندريس إنييستا، وميسي بالطبع.
ما توصلت إليه أولغا هو أن قصر القامة يمكن اعتباره عاملا مهما في تميز هؤلاء اللاعبين، لكن ليس بالضبط، فهناك من كانوا قصارا، لكنهم لم يتمتعوا بالمزايا الفنية ذاتها. إذن لا يتعلق الأمر بالقصر مباشرة، بل بطبيعة الجسد بوجه عام، فهناك من كانوا يتمتعون بالطول من اللاعبين المهاريين الأفذاذ، مثل زين الدين زيدان والظاهرة رونالدو، وربما باتريك فييرا ورودري هيرنانديز ارتكاز نادي مانشستر سيتي، وبالرغم من طولهم، فهم يتمتعون بمهارات فنية وتقنية عالية، لكن ما ميزهم بجانب الأسماء المذكورة آنفا لم يكن قصر قامتهم بالطبع، بل مركز ثقل أجسادهم المنخفض نسبيا.
مركز ثقل الجسد
في التعريف البيولوجي، يعد مركز الثقل نقطة وهمية في جسم الإنسان، وهو نقطة التقاء الجزء العلوي مع الجزء السفلي من الجسد، والذي يصبح عنده جسم الإنسان متزنا، وعادة ما تقع تلك النقطة تحت منطقة السُرة وفي منتصف المسافة بين أسفل البطن والظهر. كلما كانت تلك النقطة الوهمية منخفضة أو أقرب إلى الأرض، فهذا يعبر عن قوة كبيرة في الجزء السفلي من الجسد مقارنة بالجزء العلوي (الجذع)، مما يجعل الجسد أكثر اتزانا، وبالتالي أكثر ثباتا في الحركة بوجه عام.
تأثير ميكانيكي
بالنسبة للاعبي كرة القدم، فانخفاض مركز الثقل يعني مواجهة أفضل لضغط لاعبي الخصم، لأنه يُمكنهم من الالتفاف وتغيير اتجاه جسدهم بسرعة أكبر من ذوي الأجساد ذات مركز الثقل المرتفع، ويعني أيضا أن قوة الجزء السفلي لأجسادهم تمكنهم من حماية الكرة بشكل أفضل تحت الضغط، والتحكم والركض بها بشكل أفضل في المساحات الضيقة بين لاعبي الخصم.
الشيء نفسه تحدث عنه خوانخو براو، أحد معدي برشلونة البدنيين، الذي عاصر ميسي منذ صعوده من اللاماسيا حتى رحل عن النادي.
تحدث براو عن قدرات ميسي الخارقة بالكرة في إحدى المقابلات التي نقلتها شبكة “بارصا يونيفرسال”، وذكر أن ما يجعل ميسي فتاكا والكرة في قدميه هو مركز ثقل جسده المنخفض، والذي يجعله ملتصقا بأرضية الملعب تقريبا، وأن هذا ما يجعله قادرا على الاستمرار في اللعب لفترة طويلة، بجانب قدراته الذهنية وسرعة اتخاذه للقرار داخل الملعب.
وهذا ما يجعل المدربين ينصحون اللاعبين باستلام الكرة تحت الضغط في وضعيات منحنية قليلا، كي يخفضوا الجزء العلوي من جسدهم قليلا، وبالتالي يجعلون تلك النقطة أقرب إلى الأرض، مما يتسبب في اتزان أكبر تحت الضغط.
هذا أيضا أحد أسباب أهمية التمارين التي تعمل على تقوية الجزأين الأوسط والسفلي من الجسد، كما تحدث مايكل شيفا، الكاتب بموقع “ليف سترونغ”، في إحدى مقالاته على الموقع، وتحدث عن تمارين مثل القرفصاء والاندفاع، وبعض تمارين التوازن أيضا مثل تمارين تقوية عضلات البطن.