story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

التعديل الملكي

ص ص

تشرئب الأعناق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024، نحو القصر الملكي، حيث يرتقب أن يجري تعديل هو الأول من نوعه في صفوف حكومة عزيز أخنوش.

خطوة جرت عدة مرات وبصيغ مختلفة في الكواليس والصحافة والشبكات الاجتماعية، جرى تأجيلها أو التراجع عنها تارة، وكانت محظ خيالات أو بالونات اختبار في أخرى.

لا يٌتوقّع أن ينتج عن هذا التعديل تغيير في المسار أو تغيير لمعالم سياسات واختيارات أحيطت سلفا بجدار سميك من المقولات التي تعتبرها “استراتيجية” ومنبثقة عن “رؤية ملكية”… ويهمّنا أكثر في هذا السياق، ونحن ننتظر لائحة الملتحقين الجدد بصفوف الحكومة، وقائمة المغادرين، أن نتساءل عن دلالة ومعني التعديل الحكومي في المغرب.

لنستحضر أولا المعطيات المتوفرة من التجارب السابقة، ولنقتصر على تلك التي جرت في عهد الملك محمد السادس.

سنجد أن التعديل معطى ثابت همّ جميع الحكومات التي تعاقبت منذ 1999 بدون استثناء. فبعدما جدّد الملك محمد السادس الثقة في الراحل عبد الرحمان اليوسفي وثبّت حكومته التي تعرف باسم “حكومة التناوب الثانية” في شتنبر 2000، عاد الملك ليعيّن عبد الكريم بنعتيق كاتبا للدولة في يوليوز 2001، ثم إدريس جطو وزيرا للداخلية في شتنبر الموالي.

وبعدما ارتقى هذا الأخير إلى منصب وزير أول وشكّل الحكومة الموالية عقب انتخابات 2002، ستخضع حكومته لتعديل واسع في يونيو 2004 همّ عددا من القطاعات الحيوية.

بدورها حكومة الاستقلالي عباس الفاسي، التي تشكلت في 2007، ستعرف تعديلين، الأول في يوليوز 2008 والثاني في يناير 2010.

ستتواصل ممارسة التعديل الحكومي في عهد الدستور الجديد، وستعرف حكومة عبد الإله ابن كيران التي تم تنصيبها بداية 2012، تعديلا أولا في أكتوبر 2013 ثم آخر في ماي 2015.

وخضعت حكومة سعد الدين العثماني بدورها لتعديلات متقطعة، الأول في أكتوبر 2017 ارتبط بخلاصات تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول اختلالات مشروع الحسيمة منارة المتوسط، ثم الثاني في أكتوبر 2019، فيما كان التعديل الثالث في أبريل 2020.

لنلاحظ أولا أن الحكومات التي يقودها التكنوقراط تكون أقل عرضة للتعديل من نظيرتها التي يقودها سياسيون.

حكومة جطو عرفت تعديلا واحدا في منتصف ولايتها، بينما عرفت حكومات اليوسفي والفاسي وبنكيران والعثماني تعديلات متعددة.

وتعتبر حكومة عزيز أخنوش الأكثر حظا على الإطلاق، بما أنها لم تعرف أي تعديل خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايتها.

هذا من حيث الشكل،

أما من حيث مضمون هذه التعديلات، فإن الحديث عن الكفاءة والرضا عن أداء الوزراء من عدمه، وفعالية الأداء الحكومي… كل هذا يبدو مجرد إطلاق لعنان الخيال والاستعارة من التجارب التي تعرف حياة ديمقراطية مكتملة.

التعديلات الحكومية لا تتم في المغرب برغبة وإرادة ومبادرة رئيس الحكومة (الوزير الأول قبل 2011)، والدليل هو أن بعض التعديلات جاءت بشكل اضطراري، كما كان الحال مع انسحاب حزب الاستقلال من حكومة ابن كيران، وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار.

التعديل الحكومي في المغرب ممارسة ملكية خالصة، قد يؤثر فيها عنصر تقييم الأداء والكفاءة والفعالية، لكن من منظور ملكي. أي أن وظيفته الأولى والأخيرة هي التذكير بسموّ الإرادة الملكية، وخضوع الجهاز الحكومي لاختياراتها بعيدا عن ضغوط اللحظة الانتخابية أو مشاورات الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة.

وبعيدا عن أية تأويلات متعسّفة أو تمطيط للمفاهيم، فإن التعديل الحكومي الذي يقع خلال الولاية التشريعية بالمغرب، يعكس دور الملكية المحوري في إدارة الشأن العام وضمان استمرارية النظام السياسي.

التعديل الحكومي في هذا السياق هو أكثر من مجرد أداة تقنية لتحسين الأداء الحكومي، بل هو تعبير عن السلطة الملكية وعن حرصها على ضبط التوازنات داخل النظام السياسي.

فهي ممارسة تأتي كجزء من إدارة دقيقة للتوازنات بين الأحزاب السياسية، وضمان استمرارية الائتلافات الحكومية في سياق يعتمد فيه النظام المؤسساتي على تحالفات هشة بين قوى متنافسة. وبالتالي فالتعديل ليس مجرد استجابة للأداء الحكومي، بل هو تعبير عن سلطة الملكية في تصحيح المسار وضبط التوازنات بين الفاعلين السياسيين، وتعبير واضح عن دور الملكية في إعادة ترتيب المشهد السياسي في منتصف كل ولاية حكومية، بغض النظر عن نتائج الانتخابات (مع الاحترام الشكلي لنتائجها) أو الأداء الحكومي في حد ذاته.

من جهة أخرى، هناك بعد سياسي ورمزي لهذا التعديل، حيث يعكس التعديل الحكومي حدود السلطة المنتخبة في النظام المغربي، ويؤكد في الوقت نفسه حضور الملكية كفاعل رئيسي قادر على التدخل في اللحظة المناسبة.

أي أن الانتخابات ليست نهاية المطاف في العملية السياسية المغربية، بل هي مرحلة ضمن سلسلة من التدخلات الملكية التي تهدف إلى توجيه النظام وضمان استمراريته. والملك لا ينتظر نهاية الولاية ليُصدر حكمه ويعلن تقييمه، بل يتدخل في منتصف الطريق لضمان بقاء الحكومة على المسار الذي يتماشى مع توجهات الدولة.

كما تعبّر التعديلات الحكومية عن قدرة الملكية على التكيف مع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. ففي سياق متقلب مثل السياق المغربي، حيث تتزايد الاحتجاجات الشعبية والمطالب الاجتماعية، يأتي التعديل كآلية لتخفيف التوترات وامتصاص الغضب الشعبي.

مثال على ذلك: حراك الريف الذي أدى إلى التعديل الحكومي في حكومة سعد الدين العثماني عام 2017، حيث كان الهدف هو تحسين أداء الحكومة في القطاعات الاجتماعية التي كانت محط انتقادات شديدة.

ويعكس هذا التعديل دور الملكية في تقديم ردود استباقية على التحديات الاجتماعية والاقتصادية، دون الحاجة إلى انتظار نهاية الولاية أو تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي.

التعديل الحكومي هو مرآة تعكس تعقيد النظام السياسي المغربي، ودينامية المخزن المتجددة، وآلية للحفاظ على توازن القوى داخل النظام وضبط إيقاع السلطة التنفيذية بما يتماشى مع تطلعات القصر…كما يأتي ليُذكّر النخب السياسية والشعب على السواء بأن الملكية ليست فقط حارساً للنظام، بل هي محرك رئيسي له، والحكومة تظل تحت سيطرة القصر الكاملة.

الله يسمّعكم اخبار الخير!