التطبيع المغربي: أي مقابل لإسرائيل؟
تقود إسرائيل عملية "تطبيع" خاصة بها مع إفريقيا عبر المغربفي 17 يوليوز 2023، توصل الملك محمد السادس برسالة من الوزير الأول الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعترف فيها بـ “مغربية الصحراء”. قبل ثلاث سنوات، في 10 ديسمبر 2020، طبّع المغرب وإسرائيل علاقاتهما ضمن صفقة ثلاثية حصل فيها المغرب على أول مكسب دبلوماسي نظير قبوله ترسيم علاقاته مع تل أبيب. حصلت المملكة على اعتراف واشنطن بسيادتها على صحرائها.
في 2021، وقعت تل أبيب والرباط اتفاقا عسكريا واستخباراتيا سمح للرباط بالولوج إلى أسلحة إسرائيلية دقيقة ومتطورة. وحاليا، تنقل إسرائيل تكنولوجيات متقدمة في مجالات تحسين الزراعة وتدبير المياه والطاقة للمغرب. فما الذي تجنيه إسرائيل في المقابل؟
بوابة الصحراء
في وقت ترتبط فيه الرباط بعلاقات تاريخية وطبيعية ومعلنة مع معظم دول القارة، تنقسم علاقات إسرائيل إلى علاقات سرية وأخرى معلنة، وتبقى مقيدة بصورة البلد المحتل ومطوقة بفضائح بيع أنظمة التجسس وتمرير صفقات السلاح من تحت الطاولة في نزاعات القارة المشتعلة.
مغامرات إسرائيل السرية تؤثر في امتدادها الاقتصادي بالقارة وقدرتها على بناء شبكات كبرى.”يبقى حضور إسرائيل داخل القارة محدودا ومشتتا وميزانية دبلوماسيتها محدودة وآراء فاعليها الخواص منقسمة”، يقول ريتشارد مورو الباحث بمركز التفكير الإسرائيلي “ذا برينت هورست فواندايشن”.
مورو يرى أنه لا مجال أمام إسرائيل للدخول في “مشاريع بنية تحتية ومبادرات كبرى”. المتاح بنظره هو أن تراهن على “نقاط قوتها” وفي صلبها حلولها التكنولوجية لمجابهة مشاكل الزراعة وندرة المياه والطاقة. “لكن إسرائيل لا تستطيع القيام بهذا لوحدها”.
التطبيع الإسرائيلي-الإفريقي
سنة 2016، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن “إسرائيل تعود لإفريقيا وإفريقيا تعود لإسرائيل” من قلب العاصمة الكينية نيروبي. كانت تلك أول زيارة يجريها رئيس وزراء إسرائيلي إلى بلد من إفريقيا جنوب الصحراء في 30 سنة خلت. كان نتنياهو يرسم معالم سياسية إفريقية جديدة، ستصير تل أبيب تنظر في إطارها للمغرب بمنظار مختلف.
حسب الباحثة بجامعة تل أبيب، إيريت باك، كانت إسرائيل تقود عملية “تطبيع” خاصة بها مع إفريقيا داخل عملية التطبيع الأخرى داخل اتفاقات أبراهام مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. يتعلق الأمر بالتطبيع الإسرائيلي-الإفريقي والذي بدأ مع الإعلانين المشتركين لتطبيع العلاقات مع السودان في أكتوبر ثم المغرب في ديسمبر 2020.
ست سنوات قبل هذا التاريخ، قادت الرباط حملة دبلوماسية واقتصادية مكثفة بالقارة ركزت فيها على بناء مشاريع تعاون بمجالات الفلاحة والبنية التحتية والنقل والاتصالات والصحة والمعادن والصيد البحري.
تسلح عاهل المغرب في جولاته متتالية إلى عواصم القارة بالمقاولات الخاصة والشركات شبه عمومية المغربية التي أرست فروعا لها بعدد من دول القارة أو تولت إنجاز مشاريع بنية تحتية مهمة أو اشترت حصصا في قطاعات حيوية.
استهداف إفريقيا الفرنكوفونية
“يمكن للمغرب تقديم التكنولوجيا والمعرفة الإسرائيلية، خاصة في مجال الزراعة، للدول الأفريقية، مما يتيح للدولة الشمال أفريقية أداء دور كبير في تطوير أفريقيا وهو طموح يتضح، على سبيل المثال، في خطط المغرب الوطنية والإقليمية للتنمية”، تقول ورقة للمعهد من أجل دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي.
وتضيف الورقة “بالنسبة لإسرائيل، يمكن لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب أن يفتح لها بوابة على أفريقيا، خاصة باتجاه الدول التي ليس لدى إسرائيل علاقات دبلوماسية معها، مع الاعتماد على خبرة المغرب وبنيته التحتية (..) خاصة وأن شبكات الربط بين هذه الدول والمغرب متقدمة للغاية”.
وتوضح “في السنوات الأخيرة، كان المغرب يطور البنية التحتية المالية والتجارية في أفريقيا جنوب الصحراء، وبشكل رئيسي في الدول الناطقة بالفرنسية في غرب أفريقيا ووسطها، حيث تنشط البنوك المغربية.”
وحسب الورقة يعد التحالف مع المغرب بعائدات سياسية أيضا ” وبالإضافة إلى الفرص الاقتصادية في شكل الصادرات إلى الأسواق التي ليس لدى إسرائيل حالياً ولوج إليها، فإن فتح بوابة إلى غرب ووسط أفريقيا يحمل أيضاً فرصا سياسية، تتمثل في تعزيز الروابط مع الدول الأفريقية. قد يثبت هذا التطور مفيداً لإسرائيل في المنتديات الدولية، خاصة فيما يتعلق بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.”
“قاعدة” الداخلة
في الإعلان الثلاثي ل22 ديسمبر 2020 الذي يوضح إطار تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل واعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، كما في رسالة نتنياهو، تحضر مدينة الداخلة بالاسم ويرتبط الحديث عنها بفتح قنصليات. ومن أدوار القنصليات تمهيد أرضية الاستثمار وتنسيق زيارات الأعمال.
في أكتوبر 2021، حصلت شركة “ريشيو بتروليوم” النفطية الإسرائيلية على ترخيص للتنقيب عن الهيدروكربوات أو الغاز بمياه الداخلة. كما حصلت شركة “نيو ميد” الإسرائيلية للتنقيب عن الغاز الطبيعي ببوجدور في ديسمبر 2022. وفي مارس 2023، أعلنت المجموعة الفندقية الإسرائيلية “سيلينا” عزمها افتتاح سلسلة فندقية بالمدينة نفسها.
ولدى إسرائيل، حسب تقارير إعلامية، مخططات دقيقة لجعل المغرب منصة انطلاق لاستثماراتها نحو إفريقيا ومعبرا لوجيستيكيا نحو القارة. ومن المرجح أن تكون شركة الملاحة والشحن البحري الإسرائيلية “زيم” تنقل 100 حاوية محملة بالسلع شهريا في إطار المبادلات الخارجية المغربية.
مع ميناء ضخم في طور الإعداد بالمدينة وعضوية المغرب في اتفاقية التبادل الحر القارية (Zelcaf) التي تضم 54 دولة إفريقية، يقدم المغرب طريقا أقل تكلفة للتطبيع الإسرائيلي-الإفريقي .