story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

التطبيع مع إسرائيل.. نشطاء يشخصون “مخاطره وانعكاساته” على المغرب

ص ص

ناقش نشطاء وحقوقيون في ندوة فكرية، مساء الخميس 20 مارس 2025، مخاطر الاتفاقات بين المغرب وإسرائيل، و”انعكاساتها المدمرة” على المملكة، بمناسبة تخليد الذكرى الـ49 ليوم الأرض الفلسطيني.

وأكد المشاركون في الندوة، التي نظمتها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع بالدار البيضاء، أن التطبيع يتجاوز كونه اتفاقات سياسية، إلى مشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الوعي المجتمعي وقبول الإسرائيليين كجزء طبيعي من النسيج المغربي، مشددين على ضرورة مقاومته على كافة الأصعدة.

كما توقف المشاركون عند أهمية دور الوعي الثقافي والمعرفي في مواجهة التطبيع، إلى جانب النضال السياسي والمقاطعة الاقتصادية، باعتبارها أدوات أساسية في مقاومة المشروع الصهيوني وهيمنته على المنطقة.

معاهدة حماية جديدة

وعن مدى خطورة التطبيع مع إسرائيل، قال سيون أسيدون، أحد مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها “بي دي اس” (BDS)، إن التطبيع لا يقتصر على كونه اتفاقات سياسية، “بل هو قبول بالسردية الصهيونية التي تدّعي حق اليهود في فلسطين”.

وأوضح أسيدون أن التطبيع لم يبدأ باتفاقيات رسمية، بل منذ عام 1961، حين تم تسهيل استقدام المستوطنين إلى فلسطين، ومن بينهم وافدون من المغرب. في إشارة منه إلى عملية التهجير السرية التي نفذها الموساد الإسرائيلي آنذاك لتهجير حوالي 97 ألف يهودي مغربي.

أما اقتصادياً، فأشار أسيدون إلى أن العديد من الشركات الإسرائيلية دخلت السوق المغربية باكراً تحت غطاء جنسيات أخرى، مستغلّةً المناخ الاقتصادي المفتوح.

وفي هذا الصدد، تطرّق إلى دخول شركة الشحن البحري الإسرائيلية “زيم” إلى المغرب في الثمانينيات. مشددا على أن اتفاقية التطبيع الأخيرة فتحت الباب أمام استغلال الموارد الطبيعية للبلاد.

واعتبر أسيدون، وهو أيضاً نائب المنسق الوطني للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، أن المغرب دخل مرحلة “حماية جديدة”، ليست بالقوة كما في الحقبة الاستعمارية، بل بـ”الهرولة” نحو التطبيع.

وأضاف أن حصر النقاش في “التطبيع” قد يغفل قضايا أعمق، مثل التعاون العسكري مع كيان يوصف بالفاشية،

كما شدد على أن المطالبة بقانون يجرّم التطبيع مغالطة كبيرة، لأن السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية كلها تقبل به، بينما التجريم الحقيقي يأتي من الشعب الذي يرفض التطبيع بأشكاله المختلفة.

تهديد لتماسك المجتمع

ومن جانبه، يرى الناشط السياسي محمد الوافي أن التطبيع السياسي يمثل العمود الفقري لباقي أشكال التطبيع في المغرب، إذ يشمل مختلف المجالات ويتجاوز الطابع الاقتصادي والثقافي ليصل إلى بنية النظام ذاته.

وأشار الوافي إلى أن وجود اليهود المغاربة في البلاد منذ أكثر من ألفي عام جعلهم هدفاً للوكالة اليهودية التي سعت إلى تهجيرهم نحو فلسطين المحتلة، إلى أن فُرِضت قيود على هذه الهجرة بعد استقلال المغرب.

ومع ذلك، تغيرت الموازين بعد وفاة الملك محمد الخامس، “التي أعقبها عقد خلفه الحسن الثاني أول مفاوضات سرية مع الاحتلال، وهو ما أتاح لليهود المغاربة الهجرة إلى إسرائيل”.

هذا ولعب المغرب، وفقاً للوافي، أدوار وساطة بضغط من القوى الإمبريالية، كما كان له دور في تقريب وجهات النظر بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، “وهو ما مهد لاحقاً لاتفاقية أوسلو”.

وبعد إغلاق المغرب مكتب الاتصال الإسرائلي، في الرباط بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، يرى المتحدث أن العديد من الأنظمة العربية اضطرت مع موجة الربيع العربي إلى تعزيز علاقاتها مع إسرائيل للحفاظ على نفوذها. هذا الأمر، يقول المتحدث، “انعكس على إعادة المغرب فتح العلاقات مع إسرائيل”.

واعتبر أن الصيغة السياسية للتطبيع بين المغرب وإسرائيل، تختلف على أشكال التطبيع في المنطقة العربية. موضحا أنه ذو طبيعة تشمل كافة المجالات، إذ أشار إلى أنه يتم تبرير ذلك عبر الدستور بالإشارة إلى “المكون العبري”، في تناقض مع الواقع، وفقاً للمتحدث، “بحيث أن اليهود المغاربة الذين يخدمون في جيش الاحتلال هم جزء من المشروع الصهيوني”.

وأكد الناشط السياسي، وعضو السكرتارية الوطنية للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، أن هذا المسار “يشكل خطراً على تماسك البلاد عبر اختراقه للنسيج الاجتماعي”، داعياً القوى الحية إلى لعب دور حاسم في مواجهة التطبيع باعتباره قضية سياسية (…)، وليست مجرد مطلب.

إبادة سياسية

أما معاذ الجحري، عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي، فتوقف في مداخلته عند مقومات “التطبيع التربوي”، مشيراً إلى أنه يستهدف السطو على الذاكرة الجمعية للشعوب وطمسها، وتحويل ما حدث من احتلال وعدوان إلى أمر طبيعي ومقبول.

وأوضح الجحري أن التطبيع التربوي يعمل على فبركة ذاكرة جديدة “تجعل من المستوطن الإسرائيلي صديقاً، بينما صاحب الأرض يصبح غريباً مهدداً بالتهجير. مؤكدا أن هذا التطبيع “يضرب القيم الجامعة، ويعمل على اجتثاث ثقافة المقاومة، ليحل محلها ثقافة الاستسلام والخضوع”.

وأضاف أن التطبيع يتوجه نحو الشعب لاستبدال السردية الفلسطينية بأخرى صهيونية، وهو ما اعتبره المتحدث “إبادة سياسية” تحول معركة التحرر الوطني من معركة جماعية إلى معركة جزئية وفردية.

كما تحدث الجحري عن قنوات التطبيع التربوي في المغرب، مثل المدرسة، والجامعة، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، والتي تُستخدم جميعها لنشر هذه السردية.

ولفت إلى أنه من مظاهر هذا التطبيع “حذف محاور دراسية تتعلق بالقضية الفلسطينية، وتقليص الحصص الزمنية المخصصة لها”. كما نبه إلى التلاعب بقيم التسامح والتعايش عبر مواد التربية الإسلامية والتربية على المواطنة، لافتا في ذات السياق إلى الخلط المتعمد بين المكون العبري والصهيوني في المناهج الدراسية.

وأضاف أن النظام المغربي “كانت له استراتيجية بعيدة المدى في استحضار المكون العبري ضمن نص الدستور”، في حين أن الجماعات الدينية من مسلمين ويهود كانت متداخلة في نسيج اجتماعي واحد، ولم تكن هناك قبائل يهودية منفصلة عن بقية المجتمع المغربي بلغات خاصة بها.

وأوضح أنه كانت هناك قبائل مسلمة في شمال إفريقيا، تدمج في نسيجها جماعات يهودية.

قبول ذاتي بالخطر

ومن جهته، بسط سعيد مولاي التاج، عضو المكتب المركزي للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، مراحل التطبيع في المغرب كيف “بدأ رسمياً وسرياً، ثم أصبح تطبيعاً نخبوياً غير معلن، وبعدها صار علنياً بين النخب”، مشيراً إلى أنه هناك سعي اليوم إلى جعله شعبياً عبر نشر ثقافة القبول والتعايش.

وأشار مولاي التاج إلى أنه يجري تسويق التطبيع وكأنه أمر إيجابي، مثلما يتم تصوير “الوحش” في القصة الشهيرة “جميلة والوحش” على أنه يمكن أن يتحول إلى أمير نبيل، وذلك “في محاولة لتجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي، وجعله يبدو وكأنه شريك طبيعي في المنطقة”.

واعتبر المتحدث أن التطبيع ليس مجرد اختراق خارجي، بل هو قبول ذاتي بالخطر الصهيوني، “إذ تعمل بعض الأنظمة على تهيئة الأجواء لقبول الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من المنطقة”، متجاهلة وفقاً لمولاي التاج، “حقائق الاحتلال، ومبادئ القانون الدولي، وحتى حلّ الدولتين الذي يرفضه الاحتلال جملةً وتفصيلاً”.

ويرى أن الندوات والفعاليات الثقافية، مثل ندوة “مخاطر التطبيع” ليست مجرد لقاءات فكرية، معتبراً أنها “موقف سياسي، وأخلاقي، ومدني، يعبر عن الرفض القاطع للتطبيع، في وقت تتزايد فيه موجات التطبيع في العالم العربي والإسلامي، تحت ضغط الهيمنة الأمريكية والصهيونية”.