story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
برلمان |

البوز: الأغلبية تتجنب لجنة تقصي الحقائق لأنها قد تكون صك إدانة للحكومة

ص ص

في خضم الجدل المتواصل حول أموال الدعم والإعفاءات الضريبية التي أقرتها الحكومة لفائدة عدد من مستوردي المواشي بهدف توفير أضاحي العيد بأسعار معقولة وتخفيف العبء على القدرة الشرائية للمواطنين، أطلقت فرق المعارضة (الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية، والفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية ومجموعة العدالة والتنمية)، مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ملف دعم المواشي واستيرادها، كون هذا الملف شابته عدد من الخروقات.

وفي مقابل ذلك، تقدمت فرق الأغلبية بذات المجلس (فريق التجمع الوطني للأحرار وفريق الأصالة والمعاصرة والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، فضلا عن الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، المصطف في المساندة النقدية) من جهتها، بطلب لرئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب للقيام بمهمة استطلاعية حول نفس الملف.

وتبعا لذلك، بدأ التساؤل يطرح حول الفرق بين المبادرتين، ولماذا يصر كل طرف على نهج صيغة مخالفة لصيغة الطرف الآخر من أجل التحقيق في مدى ضفافية عملية دعم استيراد المواشي؟ وما هي القيمة السياسية والدستورية لكل منهما؟

فروقات قانونية

وفي تفسيره للفرق بين مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، ومطلب تشكيل مهمة استطلاعية، أوضح أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي-السويسي بالرباط، أحمد البوز، أن “الفرق الجوهري بين لجان تقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية يكمن بصفة أساسية في القيمة السياسية والدستورية التي تحظى بها الأولى”، حيث أكد أن “الآليتين يعتمدهما البرلمان المغربي من أجل رقابة العمل الحكومي وتتبع ومواكبة قضايا ذات أهمية”.

وفيما يتعلق بالجانب الدستوري والقانوني، أكد البوز أن لجان تقصي الحقائق هي منصوص عليها في الفصل 67 من الدستور، وتنظمها مقتضيات قانون تنظيمي تحيل عليه الوثيقة الدستورية، كما أنها تتشكل على مستوى مجلس النواب أو مجلس المستشارين ككل، إما بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو بأمر من الملك، وهو “ما يمنحها طابعاً دستوريا ومؤسسياً يميزها عن آليات رقابية أخرى، وضمنها المهام الاستطلاعية”.

وأضاف أن لجنة تقصي الحقائق تقدم تقريرها فور انتهاء عملها، ويُعرض للنقاش في جلسة عامة داخل البرلمان، لكن الأهم من ذلك، حسب البوز، هو أن هذا التقرير يمكن أن يُحال على القضاء، على نحو ما هو منصوص عليه في الدستور صراحة، إذ أنه “بإمكان الإحالة على القضاء أن يمنح عمل اللجنة قوة ردعية أكبر، بحكم التحقيقات والمتابعات التي قد تتبع ذلك في حالة رصد اختلالات والتأكد من وجودها”.

ويُبرز الأستاذ الجامعي أن لجان تقصي الحقائق لا تُشكَّل إلا في حالات وظروف خاصة عادة ما ترتبط بقضايا تثير جدلاً سياسياً أو مجتمعياً واسعاً، مستشهدا في هذا السياق بلجنة تقصي الحقائق في ملف تسريب امتحانات الباكالوريا لسنة 1979، وأحداث فاس في دجنبر 1990، وكذلك حالات الاختلاس بمؤسسات مالية تابعة للدولة، وخاصة القرض الفلاحي والقرض العقاري والسياسي، وهو “ما يمنحها طابعاً استثنائياً في الممارسة البرلمانية”.

كما أشار في نفس الوقت إلى أن ما يعطي قيمة إضافية لتشكيل لجان تقصي الحقائق في هذه القضية هو أنها المرة الأولى التي قد يتمكن فيها مجلس النواب من تشكيل لجنة من هذا النوع منذ اعتماد دستور 2011، بعدما لم يتم تجريب هذه الآلية خلال هذه الفترة إلا في مجلس المستشارين.

في المقابل، أوضح المتحدث ذاته، أن اللجان الاستطلاعية هي أيضا يمكن اعتبارها آليات رقابية نص عليها النظام الداخلي لمجلس النواب، وهي تتشكل على مستوى اللجان باتفاق مع مكتب المجلس، وتُخصص للقيام بزيارات ميدانية أو الوقوف على مدى تنفيذ بعض النصوص أو السياسات العمومية.

وتابع أنها تُعنى عادة بمواضيع يمكن اعتبارها أقل “أهمية” أو خطورة من تلك التي تستوجب إحداث لجان تقصي الحقائق، رغم عدم وجود معايير دقيقة في هذا المجال، وبالتالي لا تحظى بنفس الزخم السياسي أو القانوني، كما أن تقاريرها تُقدَّم إلى المكتب وتناقش أمام اللجنة المعنية التي كانت لها مبادرة تشكيلها، ويمكن مناقشتها أمام الجلسة العامة دون أن تُحال على القضاء، وهو “ما يجعلها أقل تأثيراً من حيث النتائج”.

“صك إدانة للحكومة”

وفي غضون ذلك، أوضح البوز أن الاختلاف بين المعارضة والأغلبية في اختيار أي من الصيغتين، سواء كانت لجنة تقصي الحقائق أو اللجنة الاستطلاعية، يعود إلى “الدلالات الدستورية” و“الحمولة السياسية” التي تمثلها كل آلية، إذ أن لجان تقصي الحقائق غالبًا ما يكون تقريرها بمثابة “صك إدانة للحكومة”، حتى ولو أنها لا ترتب مسؤوليتها السياسية بشكل مباشر مثل ملتمس الرقابة.

وأشار البوز إلى أن هذه العوامل تفسر لماذا لا تفضل الأغلبية تشكيل لجان تقصي الحقائق، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة، “حيث تسعى الأغلبية، أو لربما جزء منها، لتجنب الآثار السياسية المحتملة التي قد تترتب على نتائج هذه اللجان”.

وفي هذا السياق، يرى الباحث الأكاديمي أن الأغلبية تقر بأن قضية استيراد المواشي “أصبحت موضوعًا للنقاش السياسي والمجتمعي، لكنها تفضل أن يتم التحقيق في ملابساتها من خلال آليات رقابية أقل قيمة سياسية وقانونية، ولا تحاط عادة باهتمام كبير، مثل المهام الاستطلاعية”.

وفي غضون ذلك، كان محمد أوزين قد دعا الثلاثاء المنصرم، الأحزاب عامة وحزب الاستقلال، الذي ينتمي إلى الأغلبية الحكومية، بشكل خاص، إلى التوقيع على عريضة تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول موضوع استيراد الأغنام، حيث أشار إلى أن “هذه فرصة للاستقلاليين ليثبتوا بالفعل حسن نواياهم، وأنهم يسعون إلى اتقاء الله في المغاربة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد شعارات”، مشددا على أن “اليوم سيظهر ما إذا كانوا يريدون من المغرب محاربة الفساد أم شيئًا آخر”.

وتواجه فرق المعارضة بمجلس النواب إشكالية عدم توفرها على العدد الكافي لتفعيل لجنة تقصي الحقائق، التي يشترط الدستور تشكيلها بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أي 132 نائبًا، في حين أن عدد أعضاء مكونات المعارضة والمستقلين مجتمعين لا يتجاوز 101 نائب.

وفي بلاغ مشترك صدر الاثنين 07 أبريل 2025، أعلنت ثلاث مكونات برلمانية بمجلس النواب، وهي الفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عن مبادرة دستورية ترمي إلى تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بشأن الدعم الحكومي الموجّه لاستيراد المواشي منذ أواخر سنة 2022، وكذا بخصوص تدبير قطاع تربية المواشي بصفة عامة.

كما عبّرت الفرق الثلاثة عن “رغبتها الصادقة” في انخراط باقي مكونات المجلس، سواء من الأغلبية أو المعارضة، في دعم هذه مبادرة، التي تهدف إلى “استجلاء الحقيقة الكاملة، ومراقبة وتقييم السياسات العمومية ذات الصلة، من أجل تجويد القرار العمومي وتعزيز الشفافية والنجاعة في التدبير”.

ويأتي هذا التحرك البرلماني في سياق جدل متصاعد داخل الرأي العام الوطني حول دعم حكومي وُصف بـ”السخي”، والذي تجاوز، حسب وثائق رسمية، كلفة إجمالية قدرها 13 مليار درهم شملت إعفاءات من الرسوم الجمركية، وتحمّل الدولة للضريبة على القيمة المضافة عند استيراد المواشي، إضافة إلى دعم مباشر لاستيراد الأغنام الموجهة للذبح في عيد الأضحى خلال سنتي 2023 و2024، وهي إجراءات تبلغ تكلفتها الإجمالية مليارات الدراهم.