story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

“البام”.. أزمة حزب أم أزمة نسق

ص ص

يعيش حزب الأصالة والمعاصرة أزمة غير مسبوقة، على خلفية اعتقال اثنين من كبار قادته ومموليه، ممن وجهت إليهم النيابة العامة اتهامات من بينها الاتجار الدولي في المخدرات. الحزب الذي يستعد لتنظيم مؤتمره الوطني الخامس، في فبراير المقبل، يواجه أسئلة عميقة بشأن مستقبله السياسي، لأن القضية لا تتعلق بشخصين أو أكثر، بصرف النظر عن مكانتهما القيادية داخل الحزب، بل بوصم سياسي سيلاحقه طيلة حياته السياسية المقبلة، وقد يتطلب نزعه إجراء عملية جراحية عميقة، تشمل بنيته القيادية الحالية على الأقل، وهويته السياسية الهجينة.

لكن دعونا نطرح السؤال الحقيقي: هل الأزمة تقتصر على البام فقط؟ أم تطال النسق الحزبي ككل؟ من خلال القضايا المثارة أمام القضاء، سواء على خلفية الاتجار الدولي في المخدرات أو جرائم الأموال، يظهر أن الملاحقين ينتمون لجل الأحزاب السياسية القائمة، وفي مقدمتها أحزاب الأغلبية الحكومية، أي التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، علاوة على أحزاب المعارضة مثل الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية. بعبارة أخرى، إذا كان حزب الأصالة والمعاصرة أمام زلزال سياسي بسبب تهمة الاتجار الدولي في المخدرات الموجهة إلى بعض قادته وبرلمانييه، فإن الأحزاب الأخرى المنافسة له، خصوصا الأحرار والاستقلال، ليست في حال أفضل منه، بعدما وجهت النيابة العامة تهما مماثلة لعدد من منتخبيها في البرلمان والمجالس الترابية، إذ تتحدث بعض الهيئات الحقوقية عن تحريك المتابعة القضائية في حق نحو 30 برلمانيا على الأقل، إضافة إلى عشرات المنتخبين بينهم رؤساء مجالس جماعية في مختلف جهات المغرب.

نحن إزاء وضعية لا تسائل قيادة حزب الأصالة والمعاصرة ومدى تساهلها أو تهاونها في توفير الغطاء السياسي للمشتبه فيهم بالاتجار الدولي في المخدرات، بل أمام سلوك نمطي لعدة أحزاب سياسية فتحت أبوابها أمام كائنات غير سياسية، بعضها سعى إلى الاحتماء بمؤسسات الدولة لممارسة أعماله غير القانونية، وبعضها الآخر سعى إلى المؤسسات المنتخبة من أجل الاغتناء عن طريق سرقة ونهب المال العام، ما أدى في الحالتين إلى إغراق المؤسسات المنتخبة بأسماء مجهولة في السياسة والعمل الحزبي، وهي جريمة في حق الدولة ومؤسساتها، لا أدري من يتحمل مسؤوليتها بالتحديد، هل القيادات السياسية للأحزاب التي سمحت بذلك فقط أم هناك جهات سلطوية كان لها دور كذلك، تتحمل جزءا من المسؤولية، ويجب أن تفضح؟

مهما يكن، تتحمل القيادات الحزبية للهيئات المذكورة مسؤولية ما يقع لأحزابها، ولا يمكن أن تلوم غيرها. لأن البعض يريد أن يختبئ وراء جهات غير مرئية، بات معلوما أنها تدخلت بقوة لصنع الخريطة السياسية في انتخابات 2021، بدءا من التحكم في الترشيحات ثم التلاعب بالمحاضر الانتخابية وحتى إعلان النتائج. والمؤسف أن جميع الأحزاب التي كانت شاهدة على تلك الوقائع قد رحبت بالنتائج المعلن عنها، فلم تعترض أو تحتج، بما في ذلك الأحزاب التي دفعت الثمن غاليا بسبب تلك التلاعبات، أقصد حزب العدالة والتنمية. وفي تلك الانتخابات كذلك، ظهر مجددا أن النخب الحزبية لديها استعداد مفرط للتواطؤ على كل شيء، بما في ذلك على حساب القانون والدستور.
بناء عليه، لا يمكن لأي حزب أن يلوم أي جهة أخرى غير مرئية أو يحملها مسؤولية الوضع الذي يغرق فيه اليوم، لأن البعض توارى للخلف ويسوّق مثل هذا الكلام بالضبط في الكواليس، كي يدرأ عنه المسؤولية. وعلى سبيل المثال، لا يمكن لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة، برئاسة عبد اللطيف وهبي، أن تعتبر وصم الاتجار الدولي في المخدرات مجرد تهمة موجهة لمجموعة الناصري والبعيوي فقط، بل هي على الحقيقة تهم موجهة للقيادة السياسية لحزب الجرار،- خصوصا وأن هناك قيادات أخرى تحوم الشبهات حول مصادر ثروتهم-، التي ساهمت في تدبير المرحلة السياسية الماضية، واستعانت بأمثال الناصري والبعيوي للوصول إلى قيادة الحزب، ثم منحتهم العضوية في المكتب السياسي، واليد الطولى في الجهات التي يمثلونها(الدار البيضاء سطات- الشرق). لذلك تقتضي النزاهة الأخلاقية اليوم أن يتحمل وهبي والمنصوري وكل أعضاء المكتب السياسي مسؤوليتهم السياسية، وأن يغادر الجميع موقع القيادة في الحزب، لفسح المجال أمام انبثاق قيادة سياسية جديدة، تتحلى بالنزاهة وتتصف بالنظافة، لعلها تستطيع ترميم صورة الحزب مرة أخرى، وتؤهله للقيام بالأدوار المتوقعة منه، في ضوء حجمه الحقيقي كحزب طبيعي في المشهد السياسي القائم على علاته.