story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

البارصا والريال.. الإرث التاريخي الذي أطلق الصراع الكروي

ص ص

رغم تراجع مستوى الدوري الإسباني لكرة القدم مقارنة مع العقد الأول للألفية الحالية، ورغم رحيل أبرز نجومه الذين كانوا يعطون زخما كرويا جذابا للمباريات كليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، وأيضا انفراد الدوري الإنجليزي الممتاز بحصة كبيرة من المتابعة والاهتمام الإعلامي، بعدما صار وجهة للنجوم الجديدة في عالم كرة القدم، يظل الكلاسيكو الإسباني محتفظا بجاذبيته وخصوصياته المتفردة، حيث إن المباراة الأخيرة التي استضاف خلالها نادي برشلونة خصمه الأزلي ريال مدريد في أكتوبر الماضي على ملعب مونجويك، نقلته 83 قناة تلفزيونية وشاهده على الشاشة ما يقارب 650 مليون شخص عبر قارات العالم، وتم تصويره ب 32 كاميرا، ومنحت العصبة الإحترافية الإسبانية 500 اعتماد صحفي لتغطية المباراة لفائدة صحفيين من مختلف الجنسيات.

فما هي الأسباب التي تجعل الكلاسيكو الإسباني محتفظا بكل هذه الجاذبية رغم تراجع مستوى “لاليغا” وتحول أنظار الجمهور العالمي إلى دوريات وبطولات أكثر قوة وفرجة وتنافسية؟

هناك تفسير واحد لهذا الأمر، وهو طرفا الكلاسيكو اللذان يجران وراءهما إرثا كرويا حافلا يمتد إلى أكثر من قرن، وخصومة تاريخية بينهما امتزج فيها الرياضي بالسياسي بالعرقي، ثم بالتحولات المفصلية للنظام الحاكم في إسبانيا.

فكيف انطلق هذا الصراع؟ وكيف تداخلت فيه عوامل بعيدة عن كرة القدم؟ وما مدى صحة بعض “الحقائق” التي تذهب إلى أن الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو سعى إلى محو نادي برشلونة من الخريطة الكروية الإسبانية مقابل دعم ريال مدريد؟

يعود تاريخ الخصومة بين ريال مدريد وبرشلونة لنشأة الكرة الإسبانية بشكل عام، لكن ما يجعل إرث الفريقين متفردًا هو حقيقة أن هذا الصراع لا علاقة له بأرض الملعب من الأساس، وتقوم السردية الأشهر التي صنعت أسطورية مواجهات ريال مدريد وبرشلونة، على الصراع السياسي الذي بدأ في منتصف القرن العشرين، أي بين ثنائية “نادي النظام” و”الإقليم المُضطهد”، وشكَّلت هذه الرواية جزءا كبير من إرث الناديين، حتى ولو كان النقل التاريخي للأحداث يحمل بطياته الكثير من التناقض، لكنه ظل ضروريًا لمنح كل نادٍ إرثه الخاص.

خصومة ما بعد الحرب الأهلية

تبدأ القصة مع انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939 وبسط الوطنيين لسيطرتهم على كافة أنحاء البلاد بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي كان يمتلك حلما بتأسيس دولة ذات ثقافة قومية موحّدة، من شأنها القضاء على كل أشكال النزعات الإقليمية، واختزال صورة الدولة الجديدة في العاصمة المركزية مدريد.

تحقيق هذا الحلم، بدأ فرانكو ومعاونوه في وضع قوانين صارمة للحد من أثر الحركات الانفصالية المنتشرة في كاتالونيا والباسك؛ فحظر كل اللهجات باستثناء “الكاستيانو”، التي أصبحت اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد.

ومن ضمن القرارات التي ذهبت في هذا المسعى، أن الدكتاتور فرانكو أمر بتغيير اسم نادي برشلونة الكطلوني CBC إلى نادي برشلونة لكرة القدم FCB ، كما أمر بإزالة شعار النادي “Senyera” الذي يرمز لاستقلالية إقليم كتالونيا عن إسبانيا.

ومع ذلك، لا يوجد دليل واضح على تأثير فرانكو المباشر على نتائج فرق كرة القدم الإسبانية في هذه الفترة أو تفضيله لهذا النادي على ذاك، فمثلا نجح برشلونة خلال الفترة ما بين 1942 وحتى 1960 في تحقيق 6 ألقاب للدوري و7 ألقاب للكأس، ويعتقد الكثير من المؤرخين أنّ فرانكو لم يكن مُهتمًا بإضعاف نادي برشلونة على الرغم من عدائه الواضح للنزعة القومية لإقليم كاتالونيا الانفصالي، وهو ما يُفسّره نجاح فريق الإقليم “الثائر” في الفوز بعدد كبير من البطولات والألقاب في عز سيطرة الجنرال على الحكم، وتدخله الحاسم لإنقاذ البارصا من ضائقة مالية كادت تؤدي به الحل والاندثار، بعدما عجز عن تأدية القرض الضخم الذي استدانه لبناء ملعب الكامب نو.

ريال مدريد صورة إسبانيا في الخارج

ساد الاعتقاد أن قصة تعاقد ريال مدريد مع دي ستيفانو هي الدليل الدامغ على محاباة النظام الإسباني لريال مدريد على حساب برشلونة، في الظاهر يبدو ذلك منطقيًا، فاللاعب القادم من الأرجنتين بوضعية قانونية معقدة بعد أن كان قد وقع عقدا مع نادي بوغوطا الكولومبي بدون علم ناديه الأصلي ريفير بلايت، وتدخل الفيفا في قضية “اللاعبين الفارين” انتهت بتوجه دي ستيفانو الى برشلونة بعد أن اشترت البارصا عقده من النادي الأرجنتيني، فيما كان ريال مدريد قد اشترى عقده من النادي الكولومبي، وانتهت قضية دي ستيفانو بحُكم هزلي، على أن يلعب عاما لصالح كل فريق انطلاقًا من عام 1952، لكن برشلونة تراجع عن الاتفاق فيما بعد وقرر أن يتنازل عن حقه في اللاعب مقابل 4.5 مليون بيسيتا إسبانية.

وحسب رامون سيرانو سونيير وزير خارجية إسبانيا في عهد فرانكو، كان ريال مدريد السفير المثالي للنظام الإسباني داخل أوربا، حيث استغل الجنرال الدكتاتور قوة النادي الملكي في الكؤوس الأوربية لهدم جدار قطيعة دول أوربا لإسبانيا بعد الحرب الأهلية، وتحول إلى أكبر داعمي الرئيس سانتياغو برنابيو في تكوين أول “كالاكتيكوس” في تاريخ كرة القدم، ضم أبرز اللاعبين في تلك الفترة مثل دي ستيفانو وخينطو وبوشكاش وبيري وأمانسيو، وذلك بهدف مزيد من التألق الخارجي وتلميع صورة إسبانيا عند جيرانها الأوربيين.

من هنا تحديدا تكوَّن إرث ريال مدريد، لكن السؤال: كيف نجح برشلونة في ظل هذه الظروف أن يبني إرثا مشابها؟

برشلونة.. القوي المستضعف

يعتقد الكثيرون أن قوة نادي برشلونة وإرثه التاريخي بدأ مع التحاق الأسطورة الهولندي يوهان كريف في مطلع سبعينيات القرن الماضي بعاصمة كطالونيا ليجلب معه هوية كروية مبهرة تتمثل في الكرة الشاملة. ويعود تاريخ برشلونة الكروي بالأساس لفترة يوهان كرويف لاعبا أو مدربا، لكن الحقيقة أن تكوين هذا الإرث بدأ قبل ذلك بسنوات عبر منافسة ريال مدريد على الألقاب المحلية في إسبانيا، وتحويل النادي في فترات كثيرة إلى واجهة للنضال السياسي من أجل إبراز الهوية الكطلانية ضد قمع نظام الجنرال فرانكو.

يقول دي ستيفانو، النجم الذي عاصر تلك الفترة التي كانت تسيطر فيها ريال مدريد على عرش الأندية الأوربية، أنّ برشلونة كان الفريق الوحيد القادر على هزيمتنا ومنافستنا بين موسم وآخر على الألقاب في إسبانيا.

في مؤلفه الشهير “لاروخا”، يشرح الكاتب الإسباني-الإنجليزي جيمي بارنز، أن السر في هيمنة ريال مدريد على الكرة الأوروبية في تلك الفترة، يعود إلى عدم وجود أندية في مستواه الفني والبدني وفي جودة لاعبيه. وهو ما يتفق معه الأسطورة الإنجليزي بوبي تشارلتون، نجم مانشستر يونايتد مع هذا الطرح، حيث يرى أن فريق ريال مدريد في هذه الفترة كان يلعب كرة قدم تتفوَّق على كل أندية العالم، بفضل كتيبة لاعبيه الخارقة للعادة.

مع ذلك، داخل إسبانيا كان برشلونة، الذي لم يكن قد شارك في البطولة الأوروبية المستحدثة بعد، الفريق الوحيد القادر على خنق نجوم ريال مدريد، بفضل كتيبة من اللاعبين المميزين وعلى رأسهم، مجموعة اللاجئين المجريين.

وتزامنا مع فشل صفقة التحاق دي ستيفانو بنادي برشلونة، تم الاتفاق أثناءها ضمنيا على تنازل ريال مدريد عن التعاقد مع أحد نجوم الكرة الهنغارية لصالح برشلونة، كان هذا النجم هو لازلو كوبالا، الذي يعد واحدا من الأسباب التي دفعت إدارة النادي الكطلوني الى التفكير في بناء ملعب كامب نو، رغبةً في أن يشاهده أكبر عدد ممكن من الجمهور.

بداية تأريخ الصراع

جذب النجم الهنغاري لازلو كوبالا صديقيه ساندور كوسشيتش وزولتان سيزيبور إلى كطالونيا، بعدما كانا قد فرا للتو من بلادهما نحو إسبانيا إثر تداعيات الثورة الشعبية في هنغاريا واضطراب الأوضاع، واستطاع كوبالا مع مواطنيه في البارصا تكوين ثلاثي فذ قل نظيره في كرة القدم الإسبانية.

يوضح بوشكاش، نجم ريال مدريد تأثير الثلاثي هنغاري قائلا: “بينما كنا نفوز بكأس أوروبا في عامي 1959 و 1960، كان برشلونة يفوز بالدوري الإسباني مرتين على التوالي.. كان لديهم فريق رائع قادر على هزيمتنا بسهولة، بفضل فتيان هنغاريا”.

كانت هذه هي الفترة التي بنى نادي برشلونة إرثه التاريخي من خلالها، بشهادة لاعبي خصمهم الأزلي ريال مدريد، الذي كان يصول ويجول ويحقق الألقاب الأوروبية: وهذا ما يفسر ولو بشكل ضمني، كون خصومة قطبي الكرة الإسبانية هي الأقدم والأشرس والأكثر جاذبية للجمهور ووسائل الإعلام عبر العالم إلى يومنا هذا.