“الإصلاح الحقيقي يبدأ بالثقة”.. “جيل Z” يثمّن رفع الميزانيات ويطالب بمحاربة الفساد

في أعقاب “التفاعل” الملكي مع الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها شوارع المغرب، أصدرت حركة “جيل Z” بلاغاً، ثمنت فيه رفع ميزانيتي التعليم والصحة، معتبرة ذلك “خطوة إيجابية نحو استعادة الثقة”، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين هو “الاختبار الحقيقي لجدية الدولة”.
واستهل بلاغ “جيل Z” بالتأكيد على أن “التفاعل الإيجابي مع نبض الشارع هو أولى خطوات بناء الثقة المفقودة”، معتبرا أن “الضغط الواعي” هو ما أدى إلى ارتفاع ميزانية القطاعين الحيويين.
ولم يكتفِ البلاغ بالإشادة بالإجراءات الاقتصادية، بل وضع شرطين رئيسيين لتحويل هذه الخطوات إلى “إصلاح حقيقي”، يتمثلان في اتخاذ إجراءات صارمة لمحاربة الفساد وتضارب المصالح، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الذين عبروا عن آرائهم بسلمية.
بين الاحتجاج والرقابة
في هذا الصدد، يرى الصحافي مصطفى ابن الرضي أن دينامية “جيل Z” زاوجت، في تعليقها على قرار المجلس الوزراي رفع ميزانيتي التعليم والصحة، بين “لغة احتجاجية” و”لغة تصالحية وهادئة”.
وأوضح ابن الرضي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أنها اعتمدت في بلاغها، الذي ورد في حدود 120 كلمة، مصطلحات تنتمي إلى حقل الاحتجاج والديناميات الضاغطة من خارج المؤسسات، من قبيل “نبض الشارع، والضغط الواعي، واليقظة المستمرة، ومحاربة الفساد، وتضارب المصالح، وسراح المعتقلين، واختبار جدّية الدولة”.
وفي المقابل، توسّلت لغة تصالحية باستعمال تعابير من قبيل “التفاعل الإيجابي، وبناء الثقة، وخطوة نتابعها بإيجابية، وإصلاح حقيقي، وبناء صفحة جديدة، وبناء مستقبل مشترك”.
وذكر ابن الرضي أن هذه المراوحة بين حقليْ اللغة الضاغطة من خارج المؤسسة، وأيضا اعتبار “رسالة المؤسسات” تفاعلاً إيجابياً، يُعبّر عن تصوّر دينامية “جيل Z” لطبيعة مهمّتها وموقعها الحالي، وتصوّرها للمستقبل، مشيراً إلى أنها “تقبلُ بشكل صريح ما أفرزته احتجاجاتها من استجابةٍ مؤسساتية، وتعبّر عن تلقّيها بارتياح”، لكنها تؤكد على “وجوب الالتزام بتنفيذ القرارات التي اتُخذت، باعتبار هذه القرارات غير كافية إن لم تُنفّذ، وإن لم تُفرز نتائج على الأرض يشعر المواطنون بآثارها في الصحة والتعليم أساسا”.
وقال الكاتب الصحافي: “يبدو أن دينامية ‘جيل Z’ قيّمت قرارات المجلس الوزراي بشكل إيجابي، واعتبرتها جواباً مرضياً على مطالبها”، وببلاغها الأخير تكون قد انتقلت بالتدريج من موقعٍ دينامية احتجاجية بمطالب اجتماعية محدّدة، إلى وضعية ممارسة “رقابة” على نوايا الإصلاح، بحديثها عن أن “اليقظة ستستمر لمراقبة تفاصيل التنفيذ، وضمان أنها تعالج الخصاص العميق في هذين القطاعين”.
الفساد يعيق الإصلاح
وأشار ابن الرضي إلى أن بلاغ حركة “جيل Z” يجدّد التأكيد على أن محاربة الفساد وتضارب المصالح مطلبان أساسيان ومعركةً مستمرة، لأنهما يشكلان ـ في نظر الحركة ـ “خطراً جديّا على كل نوايا الإصلاح”.
وبلاغ “جيل Z”، في نظر ابن الرضي، يراعي موازين القوة، و”يعي جيّداً حدود ما يمكن تحقيقه بشروط اللحظة، باعتبار حجم الضغط الذي تولّد عبر احتجاجات الشباب، وحدود ما يمكن أن تمنحه الدولة، التي زاوجت بدورها بين الأسلوب الخشن في التعامل مع احتجاج الشارع، وبين الاستجابة السريعة نوعاً ما، عبر إعادة صياغة مطالب الشارع في شكل سياسات عمومية”.
وأوضح المتحدث أن “استجابة الدولة كانت في حدود ما طلبه الشباب، لهذا كان موقف ‘جيل Z’ من داخل دفتر المطالب التي رُفعت، لا من خارجه”.
إلى ذلك تبدو مطالبة بلاغ “جيل Z” بإطلاق سراح المعتقلين ضرورة لـ”تعزيز الثقة” في المؤسسة الرسمية، بحسب ابن الرضي، إذ اعتبر البلاغ أن “إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ليس مطلبا فحسب، بل هو الاختبار الحقيقي لجدية الدولة، والشرط الأساسي لاستعادة الثقة وبناء مستقبل مشترك”.
ويرى ابن الرضي أن بلاغ الحركة “جوابٌ سياسي ذكيٌ، إذ يأخذُ بيدٍ ما تحقّق عبر التجاوب المؤسساتي ويُثمِّنه، ويفتح في نفس الوقت المجال لمزيدٍ من الضغط، الذي يتبلور على شكل شعارات تشير في جوهرها إلى مطالبةٍ مستمرة بتخليق الممارسة السياسية، وربط المسؤوليات العمومية بالمحاسبة، والقطع مع تضارب المصالح والفساد، وأيضا إطلاق المعتقلين”. وهي، بحسبه، مطالب سياسية مفتوحة ستُبقي الحاجة قائمة إلى دينامية “جيل Z”.
وعي سياسي
من جانبها، ترى النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي فاطمة الزهراء التامني أن حركة “جيل Z” أبانت عن وعي سياسي كبير ومهم للغاية، إذ أنها “وضعت أصبعها على مكمن الداء، وهو غياب الديمقراطية الحقيقية”.
وأشارت التامني، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن رفع الميزانية، وإن كان مطلباً لحزبها، “فإنه يطرح بقوة سؤال الحكامة”.
واستنكرت، في مقابل ذلك، غياب المحاسبة، ضاربةً المثل بالبرنامج الاستعجالي للتعليم. وقالت: “لقد خُصِّص له نحو 44 مليار درهم، ولا نعرف إلى اليوم أين ذهبت تلك الأموال. نطالب بالكشف عن مآلها، وتفعيل محاسبة حقيقية”.
وتعتبر المتحدثة ذاتها أن استمرار حالات الخصاص في البنيات التحتية رغم تخصيص تلك المبالغ “يعني أن مبدأ المحاسبة لم يُفعَّل كما ينبغي”، مشددة على أنه “لا يمكن التوقف عند رفع ميزانيتي الصحة والتعليم فقط، بل يجب أن ترافقه حكامة رشيدة”.
وأضافت أن السؤال الجوهري اليوم هو “أين ذهبت الاعتمادات المالية المخصصة للبرامج القطاعية الكبرى التي لم تحقق أهدافها؟”
إصلاح سياسي شامل
وفي ما يخص مطلب إطلاق سراح المعتقلين، أكدت النائبة البرلمانية على “وقوف فيدرالية اليسار الديمقراطي إلى جانب نفس المقاربة التي تتبناها ‘جيل Z'”، قائلةً: “نطالب بـ انفراج سياسي وإطلاق سراح معتقلي الرأي وحراك الريف”.
واعتبرت التامني أن استمرار المتابعات والمحاكمات يشكّل “مفارقة كبيرة جداً”، خاصة في ظل الحديث عن الاستجابة لمطالب “جيل زد”، قائلة: “لا يُعقل أن نتحدث عن الاستجابة للمطالب، بينما المطالبون بها ما زالوا في السجون”.
وشددت على أن الانفراج السياسي الحقيقي لن يتحقق إلا بإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين وغيرهم من معتقلي الرأي والحركات الاجتماعية، ووقف التضييق على حرية الرأي والتعبير.
وفي حديثها عن محاربة الفساد، وهو أحد المطالب الرئيسية للشباب، أكدت التامني أن “محاربة الفساد وتضارب المصالح مسألتان أساسيتان”، مشيرة إلى وجود حالات موثقة لـ”تضارب المصالح داخل الحكومة الحالية”، واستمرار “وضعية التنافي الواسعة التي تُظهر غياب النزاهة وتركيز المصالح في أيدي المقربين”.
وختمت النائبة البرلمانية تصريحها بالربط بين مطالب الشباب والإصلاح السياسي الشامل، مؤكدة أنه “ما دمنا نخلف الموعد مع إقرار ديمقراطية فعلية، فإن الإصلاحات المعزولة لن تحقق أهدافها”.
وقالت: “نحن في حاجة إلى تغيير شامل لمنظومة الحكم والسياسات، وتفعيل المحاسبة الحقيقية، والآليات الديمقراطية، من أجل رد الاعتبار لعمل المؤسسات، مع الحرص على تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة”.