الأندية الكبيرة لكرة القدم ومصادر عائداتها المالية
كرة القدم التي تعرف أعلى درجات الشعبية والإنتشار عبر ربوع العالم كرياضة ومصدر للمتعة، هي في الوقت نفسه صناعة عملاقة على المستوى الاقتصادي. إذ أن تعاظم جاذبيتها خلال القرن العشرين لم ينحصر في صفوف الهواة والمشجعين، بل تعداهم ليشمل رجال الأعمال والمستثمرين الذين تحمسوا للاستفادة من هذه الصناعة، فنشأت علاقة بين المال وهذه الرياضة، أثرت على أدائها ودورها وانتشارها واتساع جمهورها على مستوى العالم.
كما اتسعت الجوانب الاقتصادية المرتبطة بشكل أو بآخر بكرة القدم بظهور شركات ومؤسسات رديفة كشركات صناعة الأدوات الرياضية، والإعلان، وتكنولوجيا الرياضة وغيرها.
ومنذ ذلك الحين، لم يغب المال عن أي جانب من جوانب كرة القدم، بدءاً بأسعار تذاكر مشاهدة المباريات، وصولاً إلى عقود الإعلان على ملابس اللاعبين، مروراً بحقوق النقل التلفزيوني، وصفقات بيع اللاعبين.
وقد اتسعت النشاطات الاقتصادية المتعلِّقة بكرة القدم إلى مستوى تطلب اختصاصات أكاديمية عالية لإدارته. حتى أن أكبر المعاهد والجامعات في العالم أحدثت فرعاً في إدارة الأعمال متخصصاً بإدارة أعمال كرة القدم، وأصبحت تمنح شهادات وازنة في هذا التخصص.
وتحولت أندية كرة القدم في وقتنا الراهن إلى مؤسسات اقتصادية عملاقة تلعب دورا كبيرا في الحركية المالية داخل بلدانها وداخل محيطها القاري وتعدته إلى التواجد باستثماراتها في كل أرجاء العالم، ولا تبدو التقارير التي تنشرها سنويا مكاتب الدراسات المتخصصة في الاقتصاد والرياضة عن أرباح أندية كرة القدم مجرد استعراض للأرقام الخيالية بهدف جلب اهتمام المتابعين، لكنها تعكس في الواقع ما تقوم به تلك النوادي خارج المستطيل الأخضر لتنمية أرباحها ومضاعفة إيراداتها المالية.
فحسب التقرير المالي للإتحاد الأوروبي لكرة القدم “ويفا”، تصدّر نادي ريال مدريد قائمة الأندية الأكثر تحقيقاً للمداخيل في 2023 في الوقت الذي توجد فيه تسعة أندية منافسة بالدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم ضمن أول 20 نادياً بقائمة الأندية الأكثر تحقيقاً للأرباح المالية.
وتصدر ريال مدريد قائمة الأندية الأوربية الأكثر تحقيقا للأرباح بقيمة 841 مليون يورو (حوالي 850 مليار سنتيم مغربية)، متفوقاً على مانشستر سيتي الإنجليزي حامل لقب دوري أبطال أوروبا، الذي بلغت إيراداته 836 مليون يورو وحلّ برشلونة الإسباني في المركز الثالث بتسجيله عائدات بقيمة 815 مليون يورو، فيما جاء باريس سان جيرمان الفرنسي في المركز الرابع بتحقيقه 804 ملايين يورو.
وأوضح “ويفا” أن 15 من أول 20 نادياً سجلوا أرباحا قياسية، وأن عائدات بايرن ميونيخ الألماني صاحب المركز السادس بالقائمة ارتفعت بمقدار 90 مليون يورو لتبلغ 744 مليون يورو، فيما حلّت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، مانشستر يونايتد وتوتنهام وليفربول وتشيلسي وآرسنال ونيوكاسل يونايتد وويستهام يونايتد وبرايتون في قائمة أول 20 نادياً على مستوى أوروبا من حيث الأرباح المحققة.
لكن كثيرا ما يَطرح متابعو كرة القدم أسئلة عن المصادر التي تتأتى منها إيرادات الأندية وأرباحها لتغطية النفقات المرتفعة في تسيير شؤون تلك النوادي.
فالمعروف أن أغلب الأرباح تأتي من الفوز بالألقاب والمسابقات الكروية الكبرى، أو بفضل عائدات بيع تذاكر المباريات، لكن في الحقيقة عادة ما تتنوع مصادر الأرباح وتتعدى مجرد التتويج بالألقاب إلى مصادر أخرى تصنع الفارق في الثقل المالي بين ناد وآخر.
حقوق النقل التلفزيوني
إن حلول مانشستر يونايتد الإنجليزي خامسا في ترتيب أعلى نوادي أوروبا إيرادات في 2023 كان مؤشرا واضحا على أن مصادر تمويل كرة القدم تتجاوز النتائج والألقاب، فالنادي الإنجليزي الذي يمر بسنوات عجاف لم يحرز فيها ألقابا حقق إيرادات تناهز 803 مليون يورو في عام واحد، لكن فريق الشياطين الحمر يدين بتلك الإيرادات الضخمة لنصيبه من عائدات عقود البث التلفزيوني التي حصلت عليها نوادي الدوري الإنجليزي الممتاز.
وفي موسم 2023-2024، حصلت الأندية الإنجليزية الـ20 على أكثر من 3.5 مليارات يورو من عائدات البث التلفزيوني للمباريات، بفارق شاسع جدا عما حصلت عليه أندية الليغا الإسبانية البالغة إيراداتها من حقوق البث ما يزيد على ملياري يورو.
وتكشفُ هذه الأرقام بوضوح عن مكانة عقود البث التلفزيوني كونها أصبحت المصدر الرئيسي لتمويل أندية كرة القدم التي تستقطب أكثر فأكثر القنوات التلفزيونية وتدفعها إلى وضع أموال طائلة لبث المنافسات عالية المستوى.
صفقات الإشهار
كثيرا ما أصبحت كبرى الشركات التجارية تبحث عن ترويج منتوجاتها والدعاية لها عبر أقمصة أندية كرة القدم الكبرى، وعادة ما يتعاقد النادي مع شركة كبرى تضع شعارها واسمها على أقمصة اللاعبين من الأمام لتستأثر بالجزء الأكبر من عقد الرعاية، ويمكن أن تشمل عقود الرعاية تخصيص جزء صغير من القميص لشركة أو مجموعة شركات أخرى حسب بنود العقد وتفاصيله.
كما تشمل عقود الرعاية أيضا أقمصة التدريبات وبدلات اللاعبين الرسمية أو جدران مراكز التدريب واللوحات الإعلانية داخل الملعب، فضلا عن لوحات الخلفية التي تعرض عند تنظيم المؤتمرات الصحفية.
وكان مانشستر يونايتد الإنجليزي وريال مدريد الإسباني وقّعا أغلى عقدي رعاية في 2021، وذلك بحصول كل منهما على أكثر من 70 مليون يورو في العام الواحد، بينما حلّ باريس سان جيرمان ثالثا بما يزيد على 60 مليون يورو سنويا، علما بأن عقود الرعاية عادة ما تكون طويلة الأمد وتصل إلى 4 أو 5 أو حتى 10 سنوات.
منصات التتويج
الألقاب من المصادر القديمة لتمويل أندية كرة القدم وضمان أرباحها، فالتنافس على إحراز الألقاب هدفه الحصول على جوائز مالية قيّمة بحسب نتائج تلك النوادي، لا سيما أن مختلف المسابقات التي تنظمها الاتحادات المحلية أو رابطات كرة القدم في كبرى دول أوروبا، أو المسابقات القارية والعالمية للنوادي مثل دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية التي توفر أرباحا مالية كبرى للأندية.
وحسب تفاصيل نشرتها صحيفة “موندو ديبورتيفو” الإسبانية فإن نادي ريال مدريد كسب عائدات مالية تاريخية، إثر تتويج تشكيلة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي بلقب دوري الأبطال لموسم 2023-2024، تجاوزت قيمتها 140 مليون يورو، بداية بالحصول على مبلغ 36.38 مليون يورو يتعلق بتصنيف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” للأندية، حسب الأداء المتراكم في السنوات العشر الماضية، يُضاف إليه 15.64 مليون يورو مقابل المشاركة في دور المجموعات.
أما الوصيف دورتموند فقد غنم 17.9 مليون يورو لقاء بلوغه المباراة النهائية، بينما حصلت أندية نصف النهائي على 14 مليون يورو لكل منها وغنمت 4 أندية غادرت المسابقة من ربع النهائي 12 مليون يورور، وتضاف إلى هذه الجوائز المالية أرباح إضافية حسب نتائج كل فريق، إذ يحصل البطل مثلا على 15 مليون يورو إضافية إذا فاز في مبارياته الست بدور المجموعات، إضافة إلى أموال أخرى من حقوق البث التلفزيوني لهذه المسابقة.
تفويت عقود اللاعبين
يعتبر بيع عقود اللاعبين أكثر المصادر التي توفر إيرادات مالية للأندية، فكثير من النوادي الأوروبية صارت متخصصة في تكوين اللاعبين وبيعهم بأسعار خيالية للأندية الكبرى.
ومن بين أكثر الأندية التي استفادت من هذه الإستراتيجية نادي ليل الفرنسي، بحيث يحقق منذ أكثر من 10 سنوات أكبر قدر من الأرباح في العالم بفضل بيع اللاعبين في سوق الانتقالات خلال الفترة بين 2014 و2023.
وكشف المركز الدولي للدراسات الرياضية لكرة القدم، عن الأندية التي حققت مداخيل مالية كبيرة في صفقات بيع اللاعبين غير الأكاديميين، ويهيمن ليل على هذا الترتيب بأرباح تصل إلى 386 مليون يورو.
وجمع ليل ثروة بلغت 341 مليون يورو جراء صفقات 6 لاعبين اشتراهم بسعر رخيص ثم أعاد بيعهم بسعر مرتفع للغاية، وآخرهم كان المدافع المحوري ليني يورو المنتقل حديثا إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي.
بيع التذاكر
تغنم أندية كرة القدم كثيرا من العائدات المالية من بيع تذاكر المباريات الودية والرسمية، وظهر تأثير عائدات التذاكر خلال جائحة كورونا حين اضطرت الفرق إلى خوض المباريات في ملاعب فارغة، وهو ما أثر تأثيرا كبيرا على ميزانيات الأندية حتى بعد مرور أربع سنوات وعودة الجمهور إلى المدرّجات.
وفي موسم 2018-2019، أي ما قبل ظهور فيروس كورونا، كان قطبا الدوري الإسباني، برشلونة وريال مدريد، أكثر أندية العالم استفادة من أرباح مبيعات التذاكر بما يزيد على 120 مليون يورو للأول و108 ملايين يورو للثاني، حسب تقارير صحفية مختلفة، كما تستفيد النوادي أيضا من مبيعات الاشتراكات السنوية التي توفر تأمينا ماليا مستقرا للأندية.
بيع قمصان ومنتوجات النادي
أصبحت كرة القدم أكثر من أي وقت مضى مجالا للاستثمار والتجارة، وتعمل أكبر النوادي في العالم على فتح متاجر رسمية ومحلات تعرض فيها منتجات تحمل العلامة الرسمية للنادي مثل الأقمصة والكرات والملابس والأحذية والحقائب والهدايا بمختلف أشكالها.
وتغنم الأندية أموالا طائلة من هذه المتاجر، فمثلا في صيف 2020 بعد انتقال النجم الأرجنتيني، ليونيل ميسي، إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، بيعت أكثر من 832 ألفا من قمصان ميسي خلال 24 ساعة فقط بعد تقديمه رسميا.
ويحتل مانشستر يونايتد صدارة الأندية في العالم بيعا للقمصان التي تملؤها إشهارات لشركات كبيرة مثل المجموعة الأميركية العالمية (AIG) و (Aon) و(Vodafone). ويحصل في الموسم الواحد على 290 مليون دولار مقابل عقود الرعاية المرتبطة بعدد المبيعات التي تصل إلى 3 ملايين و250 ألف قميص.
عائدات مواقع التواصل الإجتماعي
تعدّ إيرادات الأندية من حساباتها على منصات التواصل من العائدات الحديثة، وهي تتأتى بالأساس من عدد المتابعين على المنصّات الاجتماعية مثل “فيسبوك” و”إيكس” و”إنستغرام”.
وصارت النوادي الكبرى تتسابق على جمع أكبر عدد من المتابعين لزيادة أرباحها، وكشفت تقارير إعلامية مختلفة أن ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين يتربعان على عرش أكثر أندية كرة القدم متابعة على المنصات الاجتماعية بنحو 260 مليون متابع، يليهما يوفنتوس الإيطالي بما يقارب 150 مليون متابع في مختلف أنحاء العالم.