الأمريكيون يختارون للعالم
في ساحة السياسة العالمية، الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليست مجرد حدث محلي يهم الولايات المتحدة، بل هي مفترق طرق يتقاطع عنده تاريخ الشعوب ومصائر الدول.
هي لحظة تتجاوز الانتخابات كإجراء ديمقراطي داخلي لتصبح لحظة محورية في رسم خرائط المستقبل السياسي والاقتصادي للعالم.
الانتخابات التي تجرى اليوم الثلاثاء 5 نونبر 2024، بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، تشبه عاصفة سياسية تهب من واشنطن، لكنها تحمل رياحها إلى أقاصي الأرض، من أوروبا إلى آسيا، ومن إفريقيا إلى الشرق الأوسط.
لكنها شأن يهم الأمريكيين أولا، فهي ليست مجرد اختيار بين مرشحين، بل معركة وجودية لتحديد مسار الأمة.
إنها لحظة مواجهة مع الذات، حيث تتصارع رؤى مختلفة حول ما يجب أن تكون عليه الولايات المتحدة. هل تبقى القوة العظمى المهيمنة، أم تتحول إلى دولة تتعامل مع أزماتها الداخلية وتعيد ترتيب أولوياتها؟
ينتظر الأمريكيون من هذه الانتخابات قيادة تستطيع أن تخرجهم من أزماتهم المتراكمة، من الركود الاقتصادي إلى الانقسامات الاجتماعية العميقة. هناك شعور بأن أمريكا اليوم تبحث عن روحها، وعن هويتها التي تشكلت عبر عقود من الهيمنة والنفوذ.
في أوروبا، يبدو المشهد مختلفًا، لكنه لا يخلو من الترقب المشوب بالقلق. القارة التي كانت دائما الشريك التقليدي للولايات المتحدة، تقف اليوم أمام واقع جديد. ففي حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض، قد تجد أوربا نفسها أمام سياسات أكثر انعزالية، مما يعيد رسم التحالفات الدولية.
في المقابل، فوز هاريس قد يعني عودة إلى النمط التقليدي من التعاون عبر الأطلسي، مما يمنح الأوروبيين مساحة للتنفس في ظل تحديات اقتصادية وأمنية مشتركة.
في الشرق الأوسط، بين إسرائيل وفلسطين، تأخذ الانتخابات الأمريكية طابعا مختلفا.
بالنسبة لإسرائيل، الفوز المتوقع لترامب يعني استمرار الدعم المطلق، أما الفلسطينيون فينظرون إلى الانتخابات كفرصة قد تأتي بإدارة أمريكية أكثر توازنا، تعيد فتح أبواب الحلول الدبلوماسية.
الشرق الأوسط، الذي عاش لعقود تحت تأثير السياسات الأمريكية، يترقب نتائج الانتخابات وكأنها مرآة تعكس مصيره القادم.
أوروبا، بماضيها العريق وتحدياتها الراهنة، تنظر إلى الانتخابات كفرصة لإعادة صياغة علاقتها بالقوة العظمى.
أما في الصين، التنين الصاعد الذي يراقب المشهد الأمريكي بعيون استراتيجية، فإن الانتخابات الأمريكية تحمل أبعاد عميقة. فهي تدرك أن سياسات ترامب العدائية تجاهها قد تستمر أو تتغير بناء على النتائج. وبالنسبة للصين، الانتخابات ليست مجرد انتقال للسلطة في واشنطن، بل هي جزء من لعبة أكبر تتعلق بالهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم.
الصين، بحكمتها التقليدية وصبرها الطويل، تعرف كيف تنتظر الفرص وكيف تستثمر في اللحظات الحاسمة.
في موسكو، يتابع الكرملين الانتخابات الأمريكية بتوجس محسوب. تعلم روسيا أن نتائج الانتخابات قد لا تغير من جوهر العلاقة المتوترة مع واشنطن، لكنها تدرك أيضا أن لكل إدارة جديدة مقاربة مختلفة قد تفتح ثغرات في جدار العقوبات والعزلة. وبالنسبة لروسيا، الانتخابات ليست مجرد حدث سياسي في دولة بعيدة، بل هي جزء من صراع أوسع على النفوذ الدولي.
أما أوكرانيا، التي تعيش على خط المواجهة مع روسيا، فهي ترى في الانتخابات الأمريكية قضية مصيرية. الدعم الأمريكي لها ليس مجرد مسألة دبلوماسية، بل هو شريان حياة يساعدها على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. كييف تنتظر بفارغ الصبر نتائج الانتخابات، التي قد تحدد مصيرها في السنوات القادمة.
وفي إفريقيا، القارة الغنية بالموارد والمشحونة بالتحديات، تنظر الدول الأفريقية إلى الانتخابات الأمريكية بأمل في تعزيز العلاقات والشراكات الاقتصادية.
هذه القارة التي تعيش في ظل أزمات اقتصادية وصحية مزمنة، ترى في الإدارة الأمريكية الجديدة شريكا يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتخفيف الفقر.
وفي المغرب، الانتخابات الأمريكية ليست مجرد خبر عابر، بل هي حدث له أبعاده الاستراتيجية العميقة. بالنسبة للمغاربة، نتائج الانتخابات قد تعزز من موقفهم في قضية الصحراء وتدعم جهودهم في تحقيق التنمية والاستقرار.
المغرب، بموقعه الجغرافي المميز ودوره الإقليمي المتنامي، يتطلع إلى شراكة قوية مع الإدارة الأمريكية القادمة.
في النهاية، الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليست مجرد معركة سياسية داخلية، بل هي لحظة حاسمة تعيد تشكيل النظام العالمي.
إنها لحظة تضع شعوب العالم في حالة من الترقب، متسائلين عن مآلات هذه الانتخابات التي قد ترسم مسار العلاقات الدولية لعقود قادمة.
في هذا السياق، يمكننا أن نقول إن العالم ينتظر هذه الانتخابات ليس فقط لمعرفة من سيكون الرئيس القادم، بل لمعرفة كيف سيتغير توازن القوى وكيف ستتغير المصائر.