اعتقال الطفلة ملاك يثير استياء حقوقياً واسعاً ومطالب بالإفراج عنها

أثار توقيف السلطات المغربية للطفلة القاصر ملاك، مساء الأحد 2 مارس 2023، بالدار البيضاء استياء في أوساط الحقوقيين الذين عبروا عن استنكارهم لذلك، معتبرين أنه لا يوجد مبرر لحرمان الطفلة من حريتها، أو متابعتها بالنظر إلى الأفعال المنسوبة إليها.
وملاك هي واحدة من بين خمسة أشخاص من عائلة واحدة أوقفتهم السلطات، وفقاً لبلاغ رسمي، “للاشتباه في تورطهم في جرائم يعاقب عليها القانون”، منها المشاركة في إهانة هيئة دستورية، وإهانة هيئة منظمة.
وقررت النيابة العامة متابعة أربعة أشخاص منهم في حالة اعتقال، بينما أحيلت القاصر على قاضي الأحداث لإيداعها في مركز لحماية الطفولة.
في هذا الصدد، اعتبرت الحقوقية خديجة الرياضي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن توقيف الطفلة “انتهاك سافر لاتفاقية حقوق الطفل”، مشيرة إلى أنه شكل صدمة للجميع.
ورجحت الرياضي أن يكون الدافع وراء “ارتكاب هذا الانتهاك الخطير هو الضغط على عمّها”، وهو يوتيوبر يقوم بنشر مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يقول إنه يعمل من خلالها “على فضح رموز الفساد والمفسدين في المغرب”.
وقالت إن هذه الممارسة تعيد إلى الأذهان “أساليب السلطة ضد المعارضين خلال ما يعرف بسنوات الرصاص”. بحيث أن الطفلة ملاك تنتمي إلى عائلة المدون هشام جرندو، المعروف باسم “فاضح الفساد”، والمقيم في كندا.
وطالبت الحقوقية بإطلاق سراح الطفلة فوراً، وتسليمها لعائلتها إلى أن يتم الإفراج عن والديها.
وعلى موقع التواصل الاجتماعي، برزت موجة غضب تجاه ما لحق بالطفلة، إذ اعتبرت الفاعلة السياسية والمحامية أمينة ماء العينين بلاغ النيابة العامة بشأن التهم الموجهة للطفة “غير مقنع”، وقالت “إن مانعرفه بالنسبة للقاصرين، خاصة من هم دون السادسة عشرة هو التسليم للأسر، وليس الاحتفاظ بهم ولو في مؤسسات نعلم جميعاً وضعية العديد منها”.
وأكدت أن المكان الطبيعي للأطفال هو المدرسة وكنف الأسرة، سواء الصغيرة أو الممتدة، وليس أي مكان آخر، مشيرة إلى أن الاحتفاظ بالقاصرين إجراء استثنائي جداً، ولا يتخذ إلا في حالة “الجنوح” الكبير الذي يستوجب العلاج، أو عند الحاجة إلى حماية القاصر من نفسه إلى حين اتخاذ إجراءات علاجية مستعجلة.
وأوضحت المحامية وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية أن الطفلة، بالإضافة إلى تمتعها بقرينة البراءة، تتمتع أيضاً بعدم التمييز الجنائي، لافتة إلى أن ذلك كافٍ للتسريع بتسليمها لأحد أفراد أسرتها.
ومن جهته، يرى الصحافي يونس مسكين، مدير نشر مجلة “لسان المغرب”، أنه “مهما كانت النصوص الحرفية للقانون تمنح الشرعية لقرارات النيابة العامة في الملف الذي تعتقل فيه طفلة، فإن تدبير هذه القضية يحتاج قدراً أكبر من الحكمة وحسن التقدير وعدم الزج بطفلة في حالة تقييد للحرية، قد تكون مدمّرة لحياتها كيفما كان حكم القضاء لاحقاً”.
وكتب مسكين، على حسابه الشخصي بموقع فايسبوك “من العار والمسيء لنا جميعاً، أن تقضي هذه الطفلة ليلة أخرى مقيدة الحرية”، بالنظر إلى الأفعال المنسوبة إليها وفقاً لبلاغ النيابة العامة.
وقال إن وجود شخص معروف بمواقفه وتسجيلاته التي تتعلق بمسؤولين سامين يعطي الانطباع بوجود نية للاستهداف والإخضاع، وتوظيف طفلة في هذا السياق. ودعا السلطات إلى عدم “صناعة ملف فضيحة جديدة!”
من جانبه، كتب عمر الحياني المستشار الجماعي عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، “يوم أسود لحقوق الانسان في المغرب، حيث يتم اعتقال طفلة قاصر عمرها 13 سنة بتهمة المشاركة في إهانة هيئة دستورية، و المشاركة في إهانة هيئة منظمة”. وتساءل “كيف لطفلة بهذا السن، التي تدرس غالباً بالسنة السابعة إعدادي، أن تعرف حتى معنى هذا الكلام؟”
ووجهت النيابة العامة للمشتبه فيهم الخمسة تهم تتعلق “بالمشاركة في إهانة هيئة دستورية، وإهانة هيئة منظمة، والمشاركة في بث ونشر ادعاءات، ووقائع كاذبة بغرض المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، والمشاركة في جنحة التهديد، فضلاً عن تهمة المشاركة في إهانة محام بمناسبة قيامه بمهامه بالنسبة للمتهم الخامس”.
وقال وكيل الملك في بلاغ، الإثنين 2 مارس 2025، إنه تم تحريك هذه المتابعة “بعدما أظهر البحث التمهيدي الذي عهدت به هذه النيابة العامة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، على خلفية شكاية تقدمت بها سيدة تعرضت للتشهير والتهديد باستخدام رقم هاتفي، أن المشتبه فيهم ارتكبوا أفعالاً تدخل في إطار المشاركة في جرائم التشهير والقذف والإهانة والتهديد، علاوة على تحصيل بعضهم لمبالغ مالية متحصلة من هذه الجرائم”.
وذكر البلاغ أن الفتاة القاصر المتابعة في هذا الملف هي من “تكلفت باقتناء وتوفير الشرائح الهاتفية التي تم استخدامها في ارتكاب أفعال التشهير والابتزاز، والتهديد من طرف المشتبه فيه الرئيسي، الذي يرتبط معها بآصرة القرابة، ويوجد حالياً في حالة فرار خارج أرض الوطن”.
وفي حديث لصحيفة “صوت المغرب”، قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن “السلطات تملك كل الوسائل القانونية لملاحقة هشام جرندو بشكل مباشر إذا رأت أن تصريحاته تحتوي على تجاوزات قانونية، بدلاً من الانتقام من أفراد أسرته واعتقال قاصرة تبلغ من العمر 13 عاماً”.
وفي تطور جديد للأحداث، كشفت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية الزجرية لعين السبع بالدار البيضاء، الثلاثاء 04 مارس 2025، عن المستجدات بشأن قضية متابعة خمسة أشخاص يشتبه تورطهم في جرائم يعاقب عليها القانون، “والتي يوجد المشتبه فيه الرئيسي فيها في حالة فرار خارج أرض الوطن، وتحديدا في كندا”.
وذكر نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية لعين السبع جمال لحرور أنه “ارتباطا بهذا الموضوع فقد سبق للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء أن قدمت بتاريخ 01/03/2025 أمام هذه النيابة العامة خمسة أشخاص من ضمنهم فتاة قاصر، والتي تبلغ من العمر حوالي خمسة عشرة سنة، وذلك على خلفية شكاية تقدمت بها سيدة تعرضت رفقة عائلتها للتشهير والتهديد والابتزاز باستعمال بعض تطبيقات التراسل الفوري (الواتساب).
وتبعا لهذه الشكاية، أوضح لحرور خلال ندوة صحافية أن النيابة العامة أمرت بفتح بحث قضائي عهد به للفرقة الوطنية للشرطة القضائية حيث قامت هذه الأخيرة بتجميع وسائل إثبات مادية وتقنية “تؤكد بالملموس تورطهم بالمشاركة في ارتكاب الأفعال الإجرامية التي اقترفها ولا يزال يقترفها المشتبه فيه الرئيسي الذي يرتبط معهم بآصرة القرابة”.
وأوضح أن المشتبه فيهم “قاموا بتقديم وسائل أعانته على اقترافها وتسهيلها عبر تزويده بأرقام نداء مغربية وكذا الأقنان المرتبطة بها حيث استغلها المشتبه به الرئيسي في إنشاء وتثبيت تطبيقات بمواقع التواصل الاجتماعي ومنها رقم النداء الذي استعمل في تهديد المشتكية وهو الأمر الثابت من خلال الخبرات التقنية المنجزة على الهواتف المحجوزة، وكذا مطالبته بتناول مجموعة من القضايا الرائجة أمام القضاء إضافة إلى توصلهم بمجموعة من التحويلات المالية من ضحايا التشهير والابتزاز وكذا مساعدة المشتبه فيه الرئيسي في تركيب وتعديل مجموعة من الفيديوهات المعروضة على وسائل التواصل الاجتماعي”.
أما بالنسبة للفتاة القاصر، أكد لحرور أنه “تم الوقوف من خلال الأبحاث التقنية المنجزة من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أن رقم النداء الذي استعمل في تهديد المشتكية سبق وأن تم تثبيته بهاتفها ، حيث تم العثور على الحامل البلاستيكي للرقم الهاتفي موضوع البحث بالإضافة إلى خمسة حاملات بلاستيكية لشرائح خاصة بأرقام نداء بغرفة نومها، حيث أكدت عند الاستماع إليها في محضر قانوني بحضور ولي أمرها أنه فعلا سبق وأن قامت بتثبيت أرقام نداء بهاتفها استعملها المشتبه فيه الرئيسي في تفعيل وإنشاء حسابات بتطبيق الواتساب أو حسابات بمواقع التواصل الاجتماعي قصد استغلالها في أفعال الابتزاز والتشهير والتهديد وغيرها من الأفعال الإجرامية”.
وشدد على أنه “حفاظا على المصلحة الفضلى للحدث وطبقا للإجراءات القانونية المعمول بها بالنسبة للأحداث تمت إحالة الفتاة القاصر على قاضي الأحداث الذي قرر إيداعها بإحدى مراكز رعاية الطفولة”.
وتبعا لذلك، أكد جمال لحرور أن النيابة العامة وجهت للمشتبه فيهم الخمسة تهم “المشاركة في إهانة هيئة دستورية والمشاركة في إهانة هيئة منظمة والمشاركة في بت وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة بغرض المس بالحياة الخاصة والتشهير بهم والمشاركة في جنحة التهديد مع إضافة تهمة المشاركة في جنحة إهانة محام بمناسبة قيامه بمهامه لأحد المشتبه فيهم وإحالتهم على المحكمة في حالة اعتقال لمحاكمتهم طبقا للقانون نظرا لخطورة الأفعال المرتكبة”.
وخلص إلى أن الأشخاص المذكورين تمتعوا لحظة إيقافهم وأثناء مثولهم أمام هذه النيابة العامة “بكافة الضمانات الإجرائية التي يخولها لهم القانون ومنها حقهم في الاستعانة بمحام خلال مرحلة الاستنطاق”.
وأكد أنه “إذ نحيط الرأي العام بالوقائع المذكورة أعلاه، تؤكد هذه النيابة العامة بأنه بتاريخ يومه الثلاثاء تم تقديم مجموعة إضافية من الأشخاص يشتبه في تورطهم في جرائم التشهير والابتزاز، تقرر على إثر ذلك متابعة أحد المشتبه فيهم من أجل جنحة إهانة هيئة منظمة وجنحة بت وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة بغرض المس بالحياة الخاصة والتشهير بهم والمشاركة في ذلك، فيما تقرر الحفظ في حق باقي المشتبه فيهم” .
وخلص إلى أن “البحث لا زال ساريا لإيقاف باقي المتورطين في الأفعال الإجرامية المذكورة”.
وفي غضون ذلك، أعلن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاهلة -إقليم تازة- في بيان، الأحد 2 مارس 2025 عن اعتقال عدة أفراد من عائلة عضو الفرع المحلي للجمعية محمد جرندو، معتبرًا ذلك “استهدافًا انتقاميًا بسبب نشاط شقيقه هشام جرندو عبر منصات التواصل الاجتماعي.”
وفي تصريح لـصحيفة “صوت المغرب”، قال رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاهلة العياشي تاكركرا، “إن هذه الاعتقالات مرتبطة مباشرة بنشاط هشام جرندو، شقيق محمد جرندو المقيم في كندا”، وصاحب صفحة “تحدي” على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن السلطات “سبق أن استنطقت شقيقه محمد جيرندو في قضية مماثلة، ما يعكس محاولة للضغط على العائلة بسبب نشاط هشام الحقوقي”، حسب تعبيره.
وأشار تاكركرا إلى أن “السلطات تملك كل الوسائل القانونية لملاحقة هشام جيرندو بشكل مباشر إذا رأت أن تصريحاته تحتوي على تجاوزات قانونية، بدلًا من الانتقام من أفراد أسرته واعتقال قاصرة تبلغ من العمر 13 عامًا”.
وعلاقة بالموضوع، أعلنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع تاهلة تضامنها مع العائلة المعتقلة، داعية إلى إطلاق سراح جميع أفراد الأسرة فورًا وتمكينهم من متابعة قضيتهم في حالة سراح مؤقت.