استنفار بمستشفيات لبنان تحسبا لحرب إسرائيلية محتملة
في مستشفى رفيق الحريري في بيروت، أكبر مستشفيات لبنان الحكومية، يعمل ممرضون ذوو خبرة على تدريب عدد من زملائهم على التعامل مع حالات الطوارئ، في إطار خطة لرفع جاهزية الطواقم الطبية في حال اندلعت الحرب بين حزب الله وإسرائيل.
وقالت الممرضة باسمة خشفة لوكالة فرانس برس بعد إنهائها حصة تدريبية: “نحن حاليا في مرحلة ندرّب فيها الموظفين، سواء في القطاع التمريضي أو الطبي والإداري والأمني، وكل المعنيين بالعمل في المستشفى يخضعون للتدريب”.
وأوضحت: “نحن في حالة تجهيز للحرب”، مضيفة: “وفق القدرات المتوفرة لدينا حاليا، نحن تقريبا اليوم جاهزون” في حال اتساع نطاق التصعيد المستمر منذ أكثر من عشرة أشهر بين حزب الله وإسرائيل.
ومنذ بدء التصعيد بين الطرفين عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، شكّلت السلطات اللبنانية لجنة طوارئ حكومية.
وعكفت وزارة الصحة على رفع جاهزية مرافقها وكوادرها تحسّبا، معوّلة إلى حدّ كبير على مساعدات خارجية بعدما أنهكت قرابة خمس سنوات من الانهيار الاقتصادي القطاعات كافة.
وارتفع منسوب التوتّر في الأسابيع الأخيرة بعد مقتل القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر في 30 يوليوز المنصرم بغارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. وقُتل شكر قبل ساعات من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد اسماعيل هنيّة في طهران بغارة إسرائيلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتوعّدت طهران وحزب الله بالردّ على مقتلهما، في حين يلوّح مسؤولون إسرائيليون بالحرب.
إثر فتح حزب الله جبهة “إسناد” لغزة من جنوب لبنان وبدء تبادل القصف بينه وبين إسرائيل، كانت لميس الدايخ (37 عاما)، الممرضة في مستشفى رفيق الحريري، في عداد أولى الدفعات التي تلقت تدريبا.
وشرحت لفرانس برس: “تدرّبنا على التعامل مع الحوادث التي توقع إصابات جماعية وكيف نستعد في حال حصول كارثة طبيعية أو اندلاع حرب”.
وأضافت: “في حال اندلاع حرب، سنكون موجودين ونقدم كل ما لدينا”.
“ليست أول حرب”
أسفر التصعيد عن استشهاد نحو 600 شخص في لبنان، بينهم 131 مدنياً و386 من عناصر المقاومة على الأقل من حزب الله. وأحدث القصف الإسرائيلي دمارا واسعا في جنوب لبنان، خصوصا في القرى والبلدات الحدودية، متسببا في نزوح أكثر من مئة ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.
في المستشفى الحكومي الذي شكّل مركزا رئيسيا للتعامل مع جائحة “كوفيد-19″، كرّر ممرضون القول إنهم معتادون نسبيا على التعامل مع تدفّق عدد كبير من المصابين في آن معا.
وأشاروا إلى معايشتهم تجارب مماثلة خلال أحداث دامية شهدتها البلاد، بينها الحرب المدمّرة بين حزب الله وإسرائيل صيف 2006 على مدى 33 يوما، التي أوقعت 1200 شهيد في لبنان، معظمهم مدنيون، وانفجار مرفأ بيروت المروّع في العام 2020، الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصا وخلّف آلاف الجرحى.
وقالت وحيدة غلاييني، مسؤولة عن غرفة الطوارئ التي استحدثتها وزارة الصحة، لفرانس برس: “في لبنان، لدينا دائما خطة طوارئ، هذه ليست أول حرب” تواجهها البلاد.
في مركز عمليات طوارئ الصحة العامة، داخل مقرّ الوزارة المجاور للمستشفى الحكومي، ينهمك موظفون في إجراء اتصالات أو العمل على حواسيبهم بينما تحيط بهم شاشات تظهر إحصاءات ورسوما بيانية، إضافة إلى أجهزة تلفاز تبث أخبارا من غزة وجنوب لبنان.
وتنصّ خطة وزارة الصحة التي تشرف غرفة الطوارئ على تنفيذها، إضافة إلى تدريب الطواقم والموظفين على حالات الطوارئ، على تقييم احتياجات المستشفيات وتعزيز مهارات فرق الإسعاف وتوفير الدعم النفسي للأطباء والممرضين، عدا عن تخصيص مركز لتلقي اتصالات النازحين لتلبية احتياجاتهم.
وشرحت غلاييني: “تحتاج المستشفيات كلها بشكل عام إلى مستلزمات طبية ووقود ومياه”.
وتحلّ ألواح الطاقة الشمسية جزءا من مشكلة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة مع تجدّد أزمة الفيول المطلوب لتشغيل معامل إنتاج الطاقة في البلاد.
“محاكاة”
“كانت الغارة الإسرائيلية التي أودت بشكر ومستشار إيراني إضافة إلى خمسة مدنيين وأصابت آخرين بجروح، بمثابة “محاكاة حقيقية (لاندلاع حرب) لأننا قيّمنا التدريب الذي أعطيناه للمستشفيات”، تقول غلاييني.
واستهدف القصف مبنى مجاورا لمستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، الذي كان في عداد نحو 120 مستشفى تلقت تدريبات حول كيفية إعداد خطط طوارئ بإشراف وزارة الصحة.
وقالت غلاييني: “ساعدنا المستشفيات لتتمكّن من وضع خطة طوارئ، وفق برنامج تدريب امتدّ لثلاثة أيام”، موضحة أن الوزارة استندت عند وضع خطتها إلى ملاحظات رصدتها من مستشفيات غزة وكيفية تجاوبها مع تدفّق الضحايا بأعداد كبيرة.
وقسّمت وزارة الصحة، وفق غلاييني، خريطة لبنان إلى ثلاث مناطق، أبرزها “المنطقة الحمراء التي تضمّ الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت”، وهي معاقل حزب الله التي استهدفها القصف الإسرائيلي وإن بنسبة متفاوتة منذ بدء التصعيد.
ويأتي السعي “لرفع جاهزية” القطاع الصحي، بحسب وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، في سياق الاستعداد لتوسّع الحرب بعد تبادل التهديدات الأخيرة.
وفي حال اندلاع حرب مع إسرائيل، لدى لبنان، وفق الأبيض، “في موضوع الدواء والمستلزمات… ما يكفينا أقله لمدة أربعة أشهر”.
في مستشفى رفيق الحريري، أكد الممرض مروان حكلة (25 عاما) جاهزيته وزملاءه للتعامل مع أي حالة طوارئ.
وقال لفرانس برس: “صحيح أن الوضع صعب، لكن خبرتي قد تمكّنني من أن أنقذ أناسا كثيرين”.
وأضاف: “سأكون أول من يحضر إلى المستشفى، ولن أحرم غيري من المساعدة بسبب الخوف”.