استضافه أردوغان واستمع إليه خمسة من وزرائه.. تركيا تحتفي بطه عبد الرحمان
بنهاية ثلاثة أيام متواصلة، خصصتها تركيا هذا الأسبوع للاحتفاء بفكر الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس 25 يوليوز، “فيلسوف الأخلاق” في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، حسب بلاغ لرئاسة الجمهورية وصفه بـ”أحد كبار المفكرين العرب”.
الاحتفال بطه عبد الرحمان بدأ بمدينة إسطنبول، الثلاثاء 23 يوليوز، حيث ألقى محاضرة في ندوة أقامها مركز الأبحاث الإسلامية “إسام” بعنوان: “كيف نؤسس لفلسفة إسلامية أصيلة؟”، أمام إقبال كبير من الأتراك المهتمين بأفكار الفيلسوف المغربي من أكاديميين وشخصيات سياسية بارزة منهم خمسة وزراء منهم وزير الدفاع السابق، ووزيرين سابقين في الداخلية.
كرم فكري وتكريم
وأمام هذا الإقبال الذي تضمن حضوراً عربياً، دعا فقيه الفلسفة طه عبد الرحمن إلى “الأخذ بالفلسفة التي تنحو منحى الحكمة والابتعاد عن الفلسفة التي تنحو منحى العلم، والاشتغال بالتحدي الجذري الذي يشغل العالم اليوم وهو تسفّل الإنسان”، مشدداً حسب وكالة الأناضول على ضرورة أن “لا تكون الفلسفة تابعة للعلم وأن يكون العلم خادماً للفلسفة”.
وقال عبد الرحمن -الذي دعا أيضاً إلى معرفة الذات والتخلق بأخلاق النبي الكريم- إن أعلى رتبة يصل إليها الفيلسوف المسلم بالاقتداء بالنبي تفكراً وتخلقاً هي “الصديقية”، معتبراً إدراكه لحقيقة الفطرة الدينية يجعله يقتدي، في معرفة ذاته بمسلك التخلق النبوي أمانة وعدلاً.
وبعد جلسة فكرية منح فيها الفيلسوف المغربي من معرفته للمهتمين بفكره، يقابله المستضيف كرماً بكرم ويحتفي به في العاصمة أنقرة، التي شهدت حدثاً تكريمياً بارزاً نال خلاله ابن دكالة، الأربعاء 24 يوليوز، جائزة المتفكر السنوية الكبرى من قبل معهد التفكر الإسلامي، سلمها له نائب رئيس الجمهورية جودت يلماز بحضور وزراء وشخصيات سياسية بارزة بينهم وزير الدفاع التركي السابق، ووزير النقل التركي، ووزير السياحة والثقافة، بالإضافة إلى عدد من الأكاديميين والطلبة.
تقدير لمفكر
في هذا الصدد، أشاد نائب الرئيس جودت يلماز بدور المفكر المغربي طه عبد الرحمن لـ”توضيحه طرق التغلب على أزمات الفكر وبناء عالم أكثر عدلا وأكثر أخلاقية، وكذلك مساهماته في الحاجة إلى ضرورة استعادة الاستقلال الفكري في العالم الإسلامي”، وذلك خلال كلمته بعد محاضرة بعنوان”الفرق بين التفكير والتفكر” في جامعة غازي حيث جرى التكريم.
وتعليقاً على أهمية الحدث، قال رئيس شؤون الديانة السابق ورئيس معهد التفكر الدكتور محمد غورماز إن هذا التكريم يأتي تقديراً لمجهوداته الكبيرة في إنشاء فلسفة إسلامية أصيلة تجيب عن أسئلة العصر، وإعادة الأخلاق إلى مركز الحياة الفكرية الإسلامية، لافتاً إلى إسهام المفكر المغربي “بشكل متميز في مجال فلسفة اللغة والمنطق والحوار”، معبراً في الوقت نفسه تقديره لتأكيد عبد الرحمان “على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال”.
وأشار غورماز إلى عملهم في معهد التفكر الإسلامي بأنقرة مع طلبة المعهد، على قراءة النتاج الفكري للدكتور طه عبد الرحمن وترجمة المزيد من كتبه إلى اللغة التركية.
وفي المجمع الرئاسي بأنقرة تنتهي رحلة طه في بلاد الأناضول جسداً، بينما تستمر روحاً بنثر حكمته بين جامعاتها ومؤسساتها الفكرية، حيث استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان رفقة عقيلته في لقاء حرص على إظهار الاحتفال بالفكر الإسلامي وقيمة الروابط بين تركيا والعالم العربي.
من هو طه عبد الرحمان؟
طه عبد الرحمن (80 عاماً) هو فيلسوف ومفكر مغربي، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق ويعد أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين في مجال التداول الإسلامي العربي منذ بداية سبعينيات القرن العشرين، ألف كتباً عديدة تنوعت موضوعاتها بين المنطق والفلسفة وتجديد العقل ونقد الحداثة.
وحصل عبد الرحمن، الذي ولد في مدينة الجديدة عام 1944، على جوائز عدة بينها: جائزة المغرب للكتاب مرتين، وجائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006، وجائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية عام 2014، وأخيراً جائزة المتفكر لمعهد التفكر الإسلامي عام 2024 بأنقرة، كما سبق وألقى محاضرة في قصر قرطاج بدعوة من الديوان الرئاسي للجمهورية التونسية، وبحضور الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي وعدد من رجال الفكر والسياسة والإعلام عام 2013.
في رصيده التأليفي، للمفكر المغربي طه عبد الرحمان نحو عشرين كتاباً أنجزت حولها دراسات ورسائل جامعية، بينها “اللغة والفلسفة.. رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود”، و”المنطق والنحو الصوري”، إضافة إلى “العمل الديني وتجديد العقل”، و”تجديد المنهج في تقويم التراث”، و”سؤال العمل بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم”، و”روح الدين من ضيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية”.
وبدأت مسيرته الأكاديمية من جامعة محمد الخامس بالرباط حيث حصل على إجازة في شعبة الفلسفة، قبل السفر إلى فرنسا لمتابعة دراسته في جامعة السوربون، والحصول على إجازة ثانية في الفلسفة ثم دكتوراه السلك الثالث عام 1972 في موضوع “اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود”.
ورجع المفكر المغربي إلى وطنه أستاذا في جامعة محمد الخامس بالرباط يدرّس المنطق وفلسفة اللغة، ليحصل عام 1985 على دكتوراه الدولة بأطروحة عنونها بـ”رسالة في الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه”.
كما عمل أستاذاً للمنطق والفلسفة في الجامعة ذاته منذ عام 1970 إلى 2005، وهو اليوم عضو في “الجمعية العالمية للدراسات الحِجَاجية” وممثلها في المغرب، وعضو في “المركز الأوروبي للحجاج”، ورئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين بالمغرب.