اتهامات لنواب بـ “الثورية والماركسية”.. فاعلون: انحدار سياسي وأخلاقي يسيء للمغرب
“ثوريون” و“ماركسيون”.. بهذه المفردات وصف رئيس الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية بمجلس النواب يوم الإثنين 01 دجنبر 2025، ادريس الشطيبي، نواب المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، في واحدة من أكثر الجلسات توتراً خلال الولاية التشريعية الحالية، بعدما تحولت مناقشة مشروع قانون إلى مواجهة كلامية حادة بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وأعضاء المجموعة النيابية.
لم يتوقف السجال تحت قبة البرلمان، بل تمدد سريعاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفجرت موجة غضب وانتقادات واسعة بعد اتهام وزير العدل عبد اللطيف وهبي لبرلمانية بـ”تلاوة بيان لمجلس الثورة”، ثم وصف رئيس الجلسة إدريس الشطيبي لنواب العدالة والتنمية بأنهم “ماركسيون على سنة الله ورسوله”.
وفي ظرف دقائق معدودة، وجد متابعو الجلسة، أنفسهم أمام يساريين يتبرؤون من “الثورية” و”الماركسية” التي أصبح الشطيبي، البرلماني عن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، والوزير عبد اللطيفوهبي، رفيقه السابق في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعضو السابق في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ينعثان بها الإسلاميين.
وانتهى السجال داخل قبة البرلمان برفع الجلسة مؤقتاً، بعد تفعيل الشطيبي لمقتضيات النظام الداخلي في حق البرلماني عن العدالة والتنمية عبد الصمد حيكر، في خطوة نادرة خلال هذه الولاية التشريعية.
مشاهد غير مألوفة فجّرت جدلاً سياسياً وأخلاقياً حول مستوى الخطاب داخل المؤسسة التشريعية، وحول ما إذا كان هذا الانزلاق اللفظي يعكس أزمة أعمق في الممارسة السياسية بالمغرب.
القيادي في العدالة والتنمية عبد اللطيف سودو كتب منتقداً ما سماه “أغلبية سلطوية متحكمة”، معتبراً أن ما وقع يُظهر “خطرًا على الديمقراطية” بعدما استعاد الحزب عافيته بحسب تعبيره. وأضاف: “لن نسكت.. وسندافع عن مواقفنا بكل ما أوتينا من قوة”.
أما الناشط والفاعل المدني خالد البكاري فاختار أسلوباً ساخراً للتعليق على العبارة المثيرة، وقال: “الاشتراكي يسب الإسلامي بوصفه ماركسياً لأنه لا يحترم الآخرين! هل فهمتم شيئا؟”، قبل أن ينتقد “العبثية” التي تحولت إليها مفردات الخطاب داخل المؤسسة التشريعية.
من جهتها، قدّمت الحقوقية والفاعلة اليسارية لطيفة البوحسيني قراءة نقدية معمّقة للمشهد، معتبرة أن ما حدث “صورة واضحة لغياب مشاريع سياسية حقيقية وبدائل واقعية”، وأن الفراغ يتم ملؤه بـ“الضحالة السياسية والانحطاط الأخلاقي”، في لحظة يعيش فيها المغرب أزمات خانقة تتطلب نقاشاً مسؤولاً.
وقالت البوحسيني، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن ما صدر عن وزير العدل هو استعانة بـ“قاموس طلابي قديم”، مشيرة إلى أن حديثه عن “الثورة” داخل البرلمان لا معنى له، لأن من يوجدون داخله “فاعلون سياسيون يتبنون خيار الإصلاح من داخل المؤسسات”، مشددة على أن “الثوريين لا ينشطون داخل البرلمان”.
وأضافت أن مستوى الخطاب المتداول داخل الجلسة “لا يشجع الشباب على الانخراط في العمل المؤسساتي”، بل يساهم في تغذية العزوف والبحث عن أشكال بديلة للتعبير السياسي، في ظل تراجع الثقة في الفاعلين.
وأعربت الأستاذة الجامعية عن استيائها مما وصفته بـ“الأسلوب المنحط” الذي طغى على النقاش، موضحة أن التشنج والتلاسن قد يحدثان في برلمانات العالم، “غير أن ما جرى يعكس انحداراً في الخطاب، وغياباً لمشاريع سياسية وبدائل قادرة على مواجهة الأزمات التي تتسبب فيها الحكومة بالدرجة الأولى”.
وأكدت أن ما تابعه المغاربة “صورة مبتذلة تسيء للمؤسستين الحكومية والبرلمانية ولصورة المغرب”، معتبرة أن هذا المستوى من الخطاب “يدفع بالمواطنين إلى فقدان الثقة في أي عمل مؤسساتي”.
وأضافت البوحسيني أن المطلوب هو “إخراج البلاد من عنق الزجاجة بالحد الأدنى من الرصانة والحكمة”، بدل “المساهمة في إغراق السفينة” بينما البلد غارق في مشاكل عدة، آخرها “فضيحة تسريبات لجنة الصحافة”.
وختمت المتحدثة، بأن اندفاع الوزير واستحضاره لمفردات من قاموسه حين كان طالباً يسارياً “هو خطاب مزايدة أكثر منه خطاباً سياسياً مسؤولاً”، مؤكدة أن “هذه ليست زلته الأولى”، وأن “عدم تحكمه في تدفق كلامه” يجرّ النقاش بعيداً عن جوهر القضايا التشريعية والاجتماعية.
وقد كانت الجلسة مرشحة لأن تمر في سياق عادي، لولا أن مداخلة البرلمانية هند بناني الرطل، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، حول مشروع قانون مهنة العدول، فجّرت غضب وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي اعتبر أن أن خطابها “أقرب إلى بيان سياسي”، قبل أن يضيف عبارته التي أشعلت الجدل: “هذا أشبه ببيان قيادة مجلس الثورة”.
هذه الجملة كانت كافية لتفجير احتجاجات نواب العدالة والتنمية، الذين اعتبروا الوصف غير لائق وطالبوا بسحبه، لكن الوزير تشبث بموقفه مؤكداً: “من حقي الرد بنفس القوة التي أتلقاها”.
وبلغ التوتر ذروته عندما حاول عبد الصمد حيكر استئناف نقطة نظام رغم تنبيهات رئيس الجلسة إدريس الشطيبي، القيادي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وبعد رفضه الامتثال، قرر الشطيبي طرده من القاعة مانعا إياه من مواصلة الجلسة.
لكن العبارة التي أطلقها الشطيبي مباشرة بعد ذلك هي التي فجرت غضباً مضاعفاً داخل القاعة وخارجها، حين قال مخاطباً نواب العدالة والتنمية: “أنتم ماركسيون على سنة الله ورسوله”، قبل أن يقرر رئيس الجلسة تعليق أشغالها ورفع البث المباشر لتفادي مزيد من الانفجار.