story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

إهانات نتنياهو

ص ص

يمكن أن ننتظر من نتنياهو أي شيء. مجرم الحرب الذي يُتوقّع أن تصدر بشأنه مذكرة اعتقال دولية من محكمة الجنايات الدولية، على خلفية حرب الإبادة في غزة، يعود للإساءة إلى المغرب.

في أوّل إهاناته برّر عرضه خريطةً مبتورة دون الصحراء المغربية، خلال مشاركته في برنامج حواري على إحدى القنوات الفرنسية، في 30 ماي الماضي، بخطأ تقني من مكتبه، فمرت القصة مع حماسةٍ للتبرير من مغاربةٍ على الهوى الإسرائيلي.. وتلاها أيضا عرضٌ لخريطة مقسومة على هوى الانفصال خلال استقبال نتنياهو رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في أكتوبر الماضي، فبرّرت حكومته مرة أخرى، وأيضا مرّت.. وكرّرها مرة تلو أخرى، وعند كل إساءة يجدون كِذبة.

آخر إهانات نتنياهو عَرْضُه الأربعاء خريطة المغرب كاملةً هذه المرة وغير مقسومةٍ، لكنه تحايل بتسمية (المغرب) شمالا و(الصحراء الغربية) جنوبا، بما يوحي بوجود كيانين لا كيانا واحدا. هذه الرعونة مدعاة للردّ وفق ما يجب، وممن يجب، وبالمستوى الذي يليق بالإصرار وحالات العوْد التي يقترفها مجرم الحرب نتنياهو باستمرار.

يشتغل نتنياهو وإسرائيل بمنطق القطّارة في التعامل مع الدولة المغربية، ويمارس نوعا من الابتزاز يبْرع فيه، ولا يتردّد في توجيه الإهانات بشتى الوسائل، وفي كل مرة “تسْلم جرّة” إسرائيل على ما يبدو.

إن هذا الإمعان الإسرائيلي في الإساءة إلى المغرب يحاكِم مسار التطبيع، فهذا النتنياهو المجرم لا يعترف بتحالفات ولا يقرّ صداقات، ولو كان يقدّرها لوفّر كثيرَ إساءات يوجهها لأمريكا، الطرف الثالث في الاتفاق مع المغرب، والحليف الأبرز لدولة الاحتلال، والداعم بلا حدود لتل أبيب في جرائمها، والحامي القوي الذي يمكن أن يحارب الشرق والغرب والسماء والأرض لأجل إسرائيل.

في الحرب على غزة أساء نتنياهو لواشنطن وللرئيس جو بايدن الذي لم يشفع له تصريحه أنه “لا ينبغي أن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا”، وأنه “لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”، ومدّه بالسلاح بلا حساب أو عدّ. نتنياهو لم يتردد في عضّ اليد الأميركية، فكيف يمكن تَصوُّر علاقته بباقي “حلفائه”؟.

لقد تجاوزت إهانات نتنياهو حدّ الخطأ التقني إلى أن تكون نمطاً في تدبير العلاقة مع الرباط. العبث الذي يمارسه في حقّ خريطة المغرب فيه نوع من الاستخفاف والازدراء لا تُخطئه العين، وفيه ليٌّ للذراع، وفيه تنصّلٌ من الالتزامات، وتحقير لمقررات الاتفاق الثلاثي الذي وُقّع أمام الملك.. لا شيء يمكن أن يفسّر هذا الاستخفاف الإسرائيلي بسيادة المغرب عبر العبث بوحدته الترابية، التي تقول الرباط إنها تُعتبر المنظار الوحيد الذي تنظر به إلى علاقاتها الخارجية.

ومن يريد أن يسوّق أن إسرائيل، التي أهانت العالم كله والضمير الإنساني بما ترتكبه في غزة، حليفٌ موثوق للمغرب، وأنها معينٌ له في الدفاع عن مصالحه، كمن يراهن على السراب، ويطلب ما لا يُدْرَك، بل يقبل الانخراط في علاقة مشوّهة، يكون فيها (الحليف) نتنياهو هو من يتعرّض، جهارا نهارا، للصحراء المغربية، متقاطعا مع الجزائر في العداوة للحدود السياسية للدولة المغربية التي تمارس فيها سيادتها.

وإنّي كنت كتبت في هذا الحيّز أن المغرب يقيم علاقة مع دولةٍ مارقة، تدوس القانون الدولي، وتنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني، وتُحاكم بتهمة أعمال الإبادة في محكمة العدل الدولية. ولا شيء، أخلاقيا على الأقل، يُكْرِهنا على الاستمرار في الوقوف في المكان الخطأ من التاريخ، وقتما تنحاز دول إلى الفلسطينيين، وتقول لنتنياهو وكل قادة دولة الاحتلال: أنتم مجرمون.

الآن، وفي مستوى آخر من تقييم هذه العلاقة، يجب أن أقول إن المغرب يتحالف مع من لا يقيم اعتبارا لشعوره الوطني. وإن الرؤية وفق منظار الصحراء الذي وضعها المغرب أساسا لبناء شراكاته تستوجب فحص هذه العلاقة المُمْعنة في الإهانة، والتي لا يجب أن تنزلق إلى ما يشبه قصة حبّ من طرف واحد.

نتنياهو مجرم حرب، ومراوغٌ، ولا يشرّف أن يكون شريكاً، فضلا عن أن تصمت الدولة المغربية على استفزازاته وتحقيره وتلاعبه بالسيادة ورموزها.

قصارى القول:

هل من حقنا أن نسأل عن سبب تمادي نتنياهو في هذه الإهانات: هل يغازل الانفصاليين الذي يريدون دولة تقتطع من الأراضي المغربية؟ أم يحابي الجزائر التي تناصب المغرب العداء في وحدته الترابية؟ أم يبتزّ بلدنا لانتزاع مزيد من التنازلات ولم يرضَ بالتطبيع الذي يحرج الدولة المغربية في محيطها الإقليمي ويمسّ صورتها وينتقص من رمزيتها، ويضعها في مواجهة أصوات داخلية مستمرة منذ 10 ديسمبر 2020 في المطالبة بإنهاء التطبيع؟

أيّاً كان ما يقصده نتنياهو من هذه الاحتمالات وغيرها، فهو قطعا يُسيء للمغرب الدولة ولقيمتها، ويمسّ عميقا بشعور الشعب، ويضيف مفاعيل جديدة لحالة غضب موجودة ومتراكمة بفعل جرائم الاحتلال في غزة وعموم الأراضي المحتلة.

قصارى القول:

الناس تتوقّع من الحكومات أعمالاً وإنجازات وتدخلا في حالة وجود تعثّرات، وتنفيذَ مشاريع وقت الاضطرار والضيق، وبالطرق الأكثر كفاءة، لا أن تتحوّل، في الكوارث، إلى “شركة مناولة وتشغيل” تصرف مبالغ للمواطنين ليتكلفوا بإسكان أنفسهم فيما يعلم الجميع ظروف أهل المنطقة ومحدودية قدراتهم، وممكنات استغلالهم.