إنتاج فيديوهات تحاكي الواقع يثير مخاوف بشأن الخصوصية والمحتوى المرئي

مباشرة بعد إعلان شركة “غوغل” عن إطلاق نموذجها الجديد “Veo 3” لتوليد الفيديوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي، شهدت منصات التواصل الاجتماعي انتشارًا واسعًا لمقاطع فيديو منتجة بهذه الأداة تصور سيناريوهات مستوحاة من الواقع المغربي باستخدام شخصيات مغربية.
وما أثار دهشة العديد من المستخدمين هو قدرة النموذج الجديد على توليد شخصيات بملامح مغربية بدقة عالية، مع دمج أصوات تبدو واقعية بشكل لافت.
وفي المقابل، وعلى الرغم من أن هذا النموذج يُدشّن مرحلة جديدة في مسلسل التطور المتسارع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الكثيرين يُبدون تخوفهم من تداعيات هذا التطور، خاصة في ظل هشاشة الإطار القانوني المواكب له، ما قد يفتح الباب أمام تفشي الجرائم الإلكترونية وانتهاك الخصوصية.
تعليقا حول الموضوع، أوضح الخبير في التكنولوجيات الحديثة بدر بلاج أن التطور المتسارع في تقنيات صناعة الفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يُفرز إشكالات اجتماعية وقانونية معقدة، خاصة في ظل الفراغ التشريعي الذي يطبع هذا المجال، “ليس فقط في المغرب، بل على مستوى العالم بأسره”.
وفي حالة المغرب، أثار بلاج إشكالية تطبيق القوانين الحالية الخاصة بالمحتوى الرقمي على المواد المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، كتلك المتعلقة بمكافحة الجريمة الإلكترونية أو حماية المعطيات الشخصية، مشيرا إلى أن هذا الوضع سيجعل الأحكام القانونية “خاصعة لتأويلات غير دقيقة”.
وكمثال على ذلك، أشار الخبير إلى أنه وفقًا لقانون حماية المعطيات الشخصية، يُعد نشر صورة شخص أو تعديلها دون موافقته المسبقة فعلاً يعاقب عليه القانون. لكنه تساءل: “ماذا لو تم إنشاء صورة تحاكي ملامح شخص معين دون الادعاء بأنها صورة حقيقية له، هل يخضع هذا الفعل أيضًا للمساءلة القانونية، وهل يُعتبر التشابه البصري وحده كافيًا لاعتباره انتهاكًا للخصوصية؟”.
وتابع أنه في حال الصور العادية، من السهل تتبع مصدر الصورة الأصلية، وبالتالي تحديد المسؤولية القانونية بدقة، مبرزا أنه في حالة الصور أو الفيديوهات المولدة بالذكاء الاصطناعي، فلا وجود لمصدر أصلي ملموس، ما يصعب مهمة تطبيق القانون.
وأضاف الخبير أن عدم وضوح القانون في هذا الجانب سيفسح المجال أمام إنتاج مواد مرئية واقعية بشكل كبير باستخدام الذكاء الاصطناعي مما سيؤدي إلى خرق قوانين الخصوصية، أو ارتكاب جرائم إلكترونية كالتشهير، دون وجود وسائل فعالة لضبط هذه الانتهاكات.
وتابع أن الاعتماد فقط على النصوص الحالية لمواكبة هذا التطور السريع لصناعة المحتوى بالذكاء الاصطناعي، سيدخل القضاة في متاهة من التأويلات القانونية، وهو ما سيضعف من صرامة القانون ويقلل من فعاليته.
وأمام هذا الوضع، لفت إلى الحاجة الملحة إلى نصوص قانونية جديدة وصريحة تُنظم المواد المُنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتجعل من المحاكاة لصور أو أسماء الأفراد “فعلاً يُجرّم بوضوح”.
وعلى الرغم من استمرار وجود بعض الهفوات الطفيفة في الفيديوهات المُنتجة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أن وتيرة التطور الحالية تؤكد أن التمييز بين المحتوى الواقعي والمُصطنع سيُصبح أكثر تعقيدًا خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل التزامات الشركات المطوّرة لهذه التقنيات بما فيها “غوغل” المطورة لبرنامج “Veo 3” بتحقيق مزيد من الدقة والواقعية.
في هذا السياق، أشار بلاج إلى أن هذا الواقع الجديد سيُضاعف من جرائم التشهير ونشر الأخبار الزائفة، “حيث سيصبح بإمكان أي شخص إنشاء فيديو يظهر فيه سياسي بصوت مطابق لصوته الحقيقي، خاصة وأن هذا النوع من النماذج قادر على التعلم من صوت الشخص وتكراره بدقة”.
كما سلط الخبير الضوء على جانب آخر مرتبط بتطور الذكاء الاصطناعي في مجال صناعة المحتوى، مشيرًا إلى المنافسة الشرسة التي سيواجهها صناع المحتوى التقليديون في مجالات التلفزيون، الإعلام، والسينما، والذين كانوا يحتكرون الإنتاج المرئي بسبب تكلفته المرتفعة.
وفي هذا السياق، أوضح أن العديد من الأشخاص العاديين سيصبحون قادرين على دخول هذا المجال بسهولة، خاصة وأن نموذج “Veo 3” لا تتجاوز كلفته حالياً 3 آلاف درهم شهريًا، مع توقعات بانخفاض هذا السعر مستقبلًا، مقابل ارتفاع مستمر في جودة ودقة الفيديوهات المُنتجة.
كما أبرز الخبير أن هذه المنافسة ستمتد أيضا لصناعة الإشهار بشكلها التقليدي، والتي ستواجه خطر “الاحتضار”، خاصة أن الإنتاجات المنجزة باستعمال النماذج الحالية تتفوق من حيث الجودة والابتكار على كثير مما يُعرض حاليًا على شاشات التلفزيون.