“إلغاء مشبوه”.. بووانو يطالب التهراوي بتعليل إلغائه صفقات لوزارة الصحة
لم تكد نار صفقة محطة تحلية مياه البحر التي أوقدها رئيس الحكومة عزيز أخنوش من قلب البرلمان قبل أيام تخمد، حتى أوقدها وزيره في الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، أمس الاثنين من داخل القبة نفسها، بعدما اعترف أمام النواب البرلمانيين بإلغائه صفقات كانت قد أطلقتها الوزارة في وقت سابق، وقطعت جميع المراحل المؤطرة بالقانون.
وأكد التهراوي في معرض جوابه على سؤال تقدم به النائب البرلماني عم مجموعة العدالة والتنمية مصطفى إبراهيمي، إلغاءه لهذه الصفقة، حيث قال: “فعلا، ألغيت هذه الصفقات، لأنه بحكم موقع مسؤوليتي، لا يمكنني أن أوقع في ظرف أسبوع على صفقة يقيمة 100أو 200 أو 300 مليون درهم من المال العام، دون أن أعرف بدقة إلى أين ستؤول هذه الصفقة ومدى صلاحيتها”، مضيفا بالقول، “نحن الآن في طور دراسة هذه الصفقات تقنيا، كي نقوم بأحسن تدبير للأمانة وتكون لنا قناعة تجاه هذه الصفقات”.
وتفاعلا مع “اعتراف” وزير الصحة والحماية الاجتماعية، استنكر رئيس المجموعة النيابية العدالة والتنمية عبد الله بووانو، قرار الوزير أمين التهراوي إلغاء هذه الصفقات متسائلا بالقول: “على الوزير ألا يعتقد أن حديثه عن أن موقع المسؤولية منعه من توقيع صفقة بقيمة 180 مليون درهم من المال العام، دون معرفة أين ستذهب والصلاحية الخاصة بها، يمكن أن يكون مبررا لهذا الالغاء المشبوه”.
وطالب بووانو، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع “فايسبوك”، التهراوي بتعليل قرار الإلغاء “وفقا لما ينص عليه مرسوم الصفقات العمومية”، متسائلا، “أين الخلل بالضبط في الصفقات التي ألغاها، وماهي المبادئ والمعايير التي لم يتم اعتمادها واحترامها في هذه الصفقات، حتى يبرئ ذمته”.
وأوضح المتحدث أن “الأمر يتعلق بمال عام وليس ماله أو مال إحدى شركات رئيس الحكومة التي كان يشغل بها منصبا من المناصب”.
وتساءل النائب البرلماني عن “ماذا يحدث مع هذه الحكومة العجيبة والغريبة، من أين يأتي وزراؤها بكل هذه الجرأة لكي يعترفوا بخرقهم للقانون جهارا نهارا وأمام المواطنين في جلسات برلمانية دستورية؟”
وتابع مستنكرا، “… هل يعي وزير الصحة أثر ما أقدم عليه، سواء قراره بإلغاء صفقات عمومية أطلقتها وزارة الصحة، أو الاعتراف بالإلغاء المعيب في مجلس النواب، ألم يسمع يوما بمبدأ اسمه استمرارية المرفق العام، أم أن قراره هذا يستبطن اتهاما لوزير الصحة السابق بشيء ما له علاقة بما يشوب الصفقات العمومية عادة؟”.
ويشار إلى أنه تم تحديد تاريخ 12 شتنبر 2024 كآخر أجل لوضع الملفات الخاصة بالصفقة موضوع الجدل، بحسب بوابة الصفقات العمومية، وتم الغاؤها بتاريخ 30 دجنبر 2024، في وقت انتهى فيه عمل لجنة إسناد الصفقة بتاريخ 08 نونبر 2024، “ورست على شركة يمكن التعرف عليها من خلال بوابة الصفقات العمومية”، يقول المصدر ذاته.
وأوضح أن “المثير” هو أن تعيين وزير الصحة كان بتاريخ 23 أكتوبر 2024، “بمعنى أنه كان بإمكانه إلغاء الصفقة وهي ماتزال في مرحلة الدراسة التقنية وغيرها، وليس انتظار آخر السنة بعد أن استوفت كل المراحل وأُعلن عن الشركة الفائزة”
“هنا تكمن البياضات في هذا الإلغاء، ولذلك نحن نتساءل مع الرأي العام، عما وراء هذا الإلغاء، والوزير مطلوب منه أن يملأ هذه البياضات بتعليل معقول يُفهم منه حرصه على المال العام، وليس شيئا آخر مما دأبت عليه حكومة تضارب المصالح التي ينتمي إليها” يؤكد رئيس المجموعة النيابية العدالة والتنمية.
وفي نفس السياق، اتهم عبد الله بووانو، في مداخلة له خلال لقاء نظمه الفضاء المغربي للمهنيين أول أمس الأحد، وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي برغبته في تمرير صفقة للرقمنة بقطاع الصحة، كانت الوزارة قد أطلقتها في وقت سابق، لشركة أمريكية”.
وقال بووانو موجها كلامه للوزير، “في علمنا أنك تبحث عن شركة أمريكية كي تمنحها هذه الصفقة في تعاون مع القطاع الخاص المنتشر كالسرطان، وكي تضع المعلومات الشخصية للمواطنين المغاربة لدى جهات أجنبية أمريكية وإسرائيلية، نحن نتابع الموضوع ولن ننسى هذه القضية”.
ومن جانب آخر، قال المتحدث إن ما يروج عن طريقة تدبير أمين التهراوي لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، “يؤكد أن وصف الحكومة التي ينتمي إليها بحكومة الكفاءات، هو أكبر عملية نصب سياسي تعرض لها المواطنون، وأضخم كذبة سياسية عاشوها خلال السنوات الماضية”.
وتابع المسؤول البرلماني أن سبب اقتراح التهراوي لهذه الوزارة “شيء آخر ليس هو ما تشتغل عليه الأطر الطبية والصحية، وقد ظهر هذا الشيء منذ الأيام الأولى وله علاقة بالصفقات تحديدا”، لافتا إلى أن هناك فرق كبير بين الصحة والصفقة، “وحتى حرف الصاد المشترك بين اللفظتين لا يسعف في إدخال “الشكلي فالعكلي” وتمرير الصفقات لشركات المقربين والمحظوظين ولو كانوا أجانب، باسم الصحة والخدمات الصحية”.
وألمح المصدر، بالمناسبة، إلى أن التأخر في إخراج المراسيم والنصوص القانونية الأخرى ذات الصلة بالهيئة العليا للصحة وبالمجموعات الصحية الترابية وبالوكالة المغربية للدم، وبوكالة الأدوية سيستمر، “ربما لكون وزير الصحة لا علاقة له بالقطاع، ولم يبذل مجهودا للتعرف عليه وعلى رهاناته الكبرى”.
وعبر في غضون ذلك، عن خيبة أمله في النسخة المعدلة للحكومة التي كان ينتظر منها أن تتجاوز “أعطاب” النسخة السابقة، “لكن الذي حدث هو أننا نشهد نسخة أعطاب مزيدة ومنقحة، وغير مسبوقة في تاريخ الحكومات التي تعاقبت على تسيير الشأن العام بالبلاد، وإصرار غريب على استغلال النفوذ وتنازع المصالح والتمكين الفج لشركات بعينها من صفقات عمومية تتعلق بخدمات أساسية، في ضرب صارخ لصورة الدولة ولمصالح المواطنين”.
وخلص عبد الله بووانو في تدوينته إلى التأكيد على أنه سيظل في العدالة والتنمية بالمرصاد “لهذا الأسلوب السيء في تدبير المال العام، وسنتوقف بما يلزم على ما نضبطه من خروقات واختلالات وسنبلغ به الرأي العام الوطني ليتحمل الجميع المسؤولية من أي موقع لإيقاف هذا النزيف في المال العام وفي مصداقية مؤسسة الحكومة وفي الثقة في الفاعل العمومي”.