إقالة المدربين!
شاهدنا أمس كلاسيكو الدوري الإنجليزي الممتاز بين العريقين مانشستر يونايتد وليفربول، وطبعا كما كان منتظرا من طرف ملايين المتابعين عبر العالم، فالمباراة جاءت قمة في كل شيء، في آداء الفريقين، وفي إيقاع المباراة، وفي الأهداف الأربعة التي اقتسما بها نقاط المواجهة المتعادلة، وأيضا استمتع الجمهور بمهارات النجوم الحاضرة فوق الملعب وطرق بناء الهجمات، والندية التي تغلب عليها الروح الرياضية واحترام الخصم.
هذا جانِبٌ وفَت القمة بوعودها حوله، وفي جانب آخر يتعلق بالمدربين، فليفربول الذي كان ضيفا على ملعب أولد ترافورد، يلعب آخر مبارياته مع مدربه الألماني يورغن كلوب بعدما قرر الأخير الرحيل في نهاية هذا الموسم ليخوض تجربة أخرى خارج دوري البريمير ليغ الذي يتواجد فيه منذ تسع سنوات حقق فيها كل ما يمكن من الألقاب مع ليفربول وبنى معه مجدا جديدا.
في الجانب الآخر كانت المانشستر يونايتد مع مدربها الهولندي إيريك تين هاغ تلعب على إسمها التاريخي ورمزيتها في بقية مباريات هذا الموسم الذي واجه فيه مدرب الأجاكس السابق صعوبات كبيرة في الحفاظ على استقرار النتائج وتشكيل مجموعة متجانسة من الرصيد الهائل من النجوم الذين يتوفر عليهم، مما أدى إلى ابتعاده كثيرا عن كوكبة أندية المقدمة.
نأتي إلى الأمر المهم في مسألة المدربين معا وكيفية تعامل مسيري نادييهما, فيورغن كلوب الذي يشرف على تدريب ليفربول منذ سنة 2015 إلى اليوم، مرت عليه الكثير من فترات الفراغ وسوء النتائج، وارتكب غير ما مرة أخطاءً كانت سببا في هزيمة فريقه، ورغم ذلك لم يحدث أبدا داخل إدارة النادي أو جمهوره حديث عن إقالته أو البحث عن مدرب آخر مكانه، لقد نسي الجميع الرجل في منصبه فبلغ تسع سنوات من وجوده فيه، حتى قرر هو من تلقاء نفسه أن يطلب من رئاسة النادي عدم تجديد عقده وينصرف من الباب الكبير.
إيرين تين هاغ أيضا تعاقدت معه إدارة العريق مانشستر يونايتد بهدف إعادة النادي إلى بريقه الذي تركه عليه أسطورة المدربين السير أليكس فيرغيسون، ومن أجل وقف سلسلة الخيبات التي أصابت الشياطين الحمر مع مدربين آخرين بعد رحيله، الهولندي تين هاغ يشتغل منذ بداية الموسم الماضي على مشروع إعادة هيكلة الفريق، تساعده النتائج أحيانا في انتعاشة خفيفة، لكن سرعان ما يعود الإخفاق، حتى بدا المان يونايتد كفريق عادي جدا يسهل هزمه، ولم تعد له تلك “الهيبة” المعهودة، لكن ومع كل ذلك لازالت إدارة النادي تواصل ثقتها في مدربها الهولندي وتامل في أن العمل الذي يقوم به سيعطي نتائجا على المدى البعيد.
هي ثقافة كروية في التسيير الإحترافي الذي يبتعد عن القرارات الإنفعالية الخاضعة لأهواء الجمهور، أي التوجه للإختيارات الدقيقة للمدربين وفق معايير تقنية محددة، ثم الإتفاق على البرامج والمخططات، والصبر على النتائج، وبين كل هذا يضعون في الحسبان إمكانية الإخفاق المرحلي وتلقي الهزائم الموجعة، لذلك لا يتأثرون بها عندما تحدث ولا يسارعون برعونة إلى إقالة المدربين عند أول هزيمة خوفا من الجمهور أو محاولة للبحث عن كبش الفداء الأقرب إلى أيديهم، كما يحدث عندنا في كرتنا “شبه الإحترافية” حيث يقيل الرؤساء المدربين متى “رشقات ليهم” أو لمجرد وشوشة سمسار في المدرجات.
قد يقول قائل إن الفوارق التي بين بطولاتنا وبطولات البلدان العريقة شاسعة جدا، وأن هذه المقارنة “ما راكباش”.. أجيب نعم هي مقارنة سوريالية ولا تستقيم بالنظر إلى الكثير من الفوارق في العقلية المجتمعية وفي التراكم الكروي وفي المنظومة القانونية.
وإذا كانت هذه المقارنة بعيدة جدا لأننا لن نصل إلى هؤلاء الأوربيين في احترافيتهم ونجاعة تسييرهم، فلماذا نحن “نفرع” رؤوسنا بالتسميات الغليظة من قبيل “البطولة الإحترافية” و” الشركات الرياضية” وهلم جرا من بيع الوهم للناس، ونخسر الملايير من الدراهم على قطاع نؤمن جازمين أنه ليس بينه وبين العقلية المحترفة لبلدان الناس سوى الخير والإحسان.
إذن فلنترك كرتنا هاوية “تُقصر” فيها الأندية مع بعضها “باش ما قسم الله” ونُوَجه تلك الملايير من الدراهم إلى قطاعات اجتماعية هي في أمس الحاجة إليها، وكفى الله المؤمنين شر هذه الكرة “المفشوشة” منذ كل هذه العقود الطويلة.