إطلاق شبكة الجيل الخامس يثير نقاشاً حول العدالة المجالية والرقمية في المغرب
يرى حقوقيون أن إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G) في المغرب، رغم أهميته في مسار التحول الرقمي والتطور التكنولوجي، يكشف عن مفارقات تنموية حادة بين المدن الكبرى والمناطق الهامشية، منادين بضرورة اعتماد مقاربة شمولية عادلة تضمن تعميم خدمات الاتصال والإنترنت على مختلف ربوع الوطن، وجعل الرقمنة رافعة للتنمية لا وسيلة لتكريس الفوارق المجالية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار، اعتبر الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري أن إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G) في المغرب، رغم أهميته التكنولوجية، يعكس “مفارقة صارخة بين مغربين”، الأول يخص المدن الكبرى والمراكز الحضرية المستفيدة من أحدث الخدمات الرقمية، والثاني يتعلق بالهوامش والقرى والمناطق الجبلية التي لا تزال محرومة من أبسط مقومات الاتصال وشبكة الإنترنت.
وأوضح البكاري، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذا الوضع يبرز “إشكالية العدالة الاجتماعية في السياسات العمومية”، مشيراً إلى أن “المشاريع الكبرى في مجال البنيات التحتية لا تُبنى على مبدأ التمييز الإيجابي لفائدة المناطق المتأخرة تنموياً، بل تُمنح الأولوية الدائمة للمناطق التي تشهد نشاطاً صناعياً ومالياً وعقارياً متقدماً”.
وأضاف أن “الجزء الأكبر من ميزانية الدولة يتركز في الشريط الساحلي الممتد من الدار البيضاء إلى طنجة، مع إضافة مراكش وأكادير كتجمعين حضريين، بينما تُترك مناطق الجبال والواحات، خصوصاً في الجنوب الشرقي، خارج تفكير الدولة ومشاريعها، لتواجه مصيرها التنموي الصعب”.
وأشار المتحدث إلى أن الإشكالية الثانية تتعلق بالعلاقة بين الدولة والشركات الاستثمارية الكبرى في قطاع الاتصالات، بحيث “لا تتضمن دفاتر التحملات أي مقتضيات تلزم هذه الشركات بتعميم خدماتها على كل التراب الوطني، خصوصاً في المناطق الصعبة والمعزولة”، لافتا إلى أن “تلك الشركات تفضل، بطبيعة الحال، الاستثمار أولاً في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو الأنشطة الاقتصادية المكثفة، لما تمثله من ربح مضمون”.
وختم البكاري تصريحه بالإشارة إلى أن “المغرب حقق تقدماً نسبياً في توسيع تغطية شبكات الاتصال مقارنة بدول الجوار المغاربي والإفريقي، غير أن كلفة هذه الخدمات على المواطنين ما زالت مرتفعة بشكل ملحوظ مقارنة بالدول الأوروبية”.
من جانبه اعتبر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G) بالمغرب يمثل خطوة مهمة في مسار التحول الرقمي والتطور التكنولوجي، غير أنه في الوقت نفسه “يُبرز مفارقة صارخة بين مغربين: مغرب المدن الكبرى والمراكز الحضرية الذي يستفيد من أحدث الخدمات، ومغرب الهوامش والقرى والدواوير التي لا تزال محرومة من أبسط مقومات الاتصال وشبكة الإنترنت”.
وأوضح السدراوي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تعتبر “الحق في الولوج إلى المعلومة والتواصل الرقمي جزءاً لا يتجزأ من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، مشيراً إلى أن “استمرار التفاوتات المجالية في هذا المجال يعكس وجود سرعتين في التنمية داخل المغرب، وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية التي ينص عليها الدستور”.
وأكد الفاعل الحقوقي أن التحول الرقمي ينبغي أن يُعتمد كرافعة لتحقيق المواطنة الكاملة والتنمية الشاملة، لا كعامل لتوسيع الفوارق بين الجهات والمناطق.
ودعا في ختام تصريحه الحكومة والفاعلين في قطاع الاتصالات إلى تبني مقاربة شمولية ومنصفة تضمن تعميم خدمات الاتصال والإنترنت على كافة ربوع الوطن، “بما يرسخ مبدأ المساواة في الفرص ويجعل من الثورة الرقمية أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، لا لتكريس الفوارق المجالية”.
وفي السياق، أعلنت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة عن إطلاق المرحلة الأولى من تشغيل شبكة الجيل الخامس (5G)، وذلك بعد استكمال مختلف المراحل التقنية والتنظيمية اللازمة، وبتنسيق مع باقي الفاعلين.
وأضافت الوزارة في بلاغ لها أن هذه المرحلة الأولى ستعرف تفعيل خدمات الجيل الخامس بشكل تدريجي في عدد من المدن المغربية، على أن يتم توسيعها لاحقا لتشمل باقي المناطق وفق برنامج زمني متكامل، يراعي التوازن الترابي ومتطلبات التنمية الرقمية.
وأكدت الوزارة أن هذه الخطوة تأتي لتمثل مرحلة مفصلية في تطوير البنية التحتية الرقمية الوطنية، وتعزيز مكانة المغرب كفاعل ريادي في مجال الاتصالات بإفريقيا والمنطقة، من خلال توفير خدمات ذات صبيب عالٍ جدا وجودة متقدمة تواكب متطلبات الاقتصاد الرقمي والمجتمع المتصل.