story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

إضاءات حول المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية

ص ص

لا أحد ينكر الأجواء الإيجابية والحماسية التي مر فيها المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، وارتفاع منسوب الديموقراطية الداخلية سواء في انتخاب الأمين العام للحزب أو في انتخاب أعضاء المجلس الوطني والأمانة العامة، حيث شكل حزب العدالة والتنمية استثناء واضحا في الحقل الحزبي على ثلاث مستويات أساسية :

أولا: استطاع المؤتمر الوطني للحزب خلق نقاش عمومي لدى مختلف الفاعلين من مختلف التوجهات، وحتى لدى عموم المواطنين، سواء قبل انعقاد المؤتمر أو خلال انعقاده وحتى بعد اختتام فعالياته، ولا أدل على ذلك من تناسل التصريحات والتوقعات والتحليلات السياسية، بل وحتى كلمات الضيوف كانت محط نقاش عمومي، بالإضافة إلى تزايد الاهتمام بشخصية الأمين العام المرتقب التي سيفرزها المؤتمر.

ثانيا: المنهجية المتفردة التي يمتاز بها الحزب في انتخاب مسؤوليه الوطنيين والمجاليين، خلافا لما هو معروف لدى باقي الأحزاب السياسية التي تعتمد الترشح للمسؤولية، مع الاستثناء الذي تعرفه بعض الأحزاب المغربية التي غالبا ما تعلن عن الرئيس المنتخب بالتصفيق ورفع اليد، فحزب العدالة والتنمية وانطلاقا من مرجعيته الإسلامية وامتدادات قياداته في الحركة الإسلامية، اعتمد منهجا مستمدا من الحديث النبوي القائل ” لا نولي هذا العمل أحدا سأله… ” وهي منهجية أثبتت فعاليتها وأغلقت الباب أمام جملة من الممارسات التي تخر الجسد الحزبي المغربي، لذلك فالمجلس الوطني هو الذي يرشح والمؤتمر الوطني يصوت بعد التداول في الأسماء.

ثالثا: السياق العام الذي جاء فيه هذا المؤتمر بعد نتائج 8 شتنبر واستقالة الأمانة العامة، وافتقاد الحزب لفريق برلماني وغيابه عن التدبير الجماعي بمختلف ربوع الوطن، وتفشي الإحباط واليأس في صفوف المناضلين والأعضاء، إذ راهن الجميع على انهيار الحزب، وعدم قدرته على العودة إلا بعد سنوات، بل هناك من جزم بنهاية الحزب، لكن عكس كل التوقعات استطاع العدالة والتنمية أن ينبعث من رماده، وهذا لا يتأتى إلا لحزب قائم على فكرة ومرجعية صلبة ومبدأ سياسي شريف ومناضلين مخلصين، بعيدا عن تجمعات المصالح والنفعية.

كيف نفهم انتخاب عبد الاله بنكيران أمينا عاما ؟

بغض النظر عن بعض التحليلات الساذجة التي تربط انتخاب عبد الاله بنكيران بعقلية الشيخ والمريد، أو تقديس الأشخاص إلى غير ذلك من الآراء البعيدة كل البعد عن واقع الحزب، والذي لن يفهمه سوى مناضلوه والبعض ممن خبر الحزب واطلع بتفصيل على مرجعياته ومساطره، فلا يمكن إلا نصف انتخاب عبد الاله بنكيران بعد المنافسة بين ثلاث أسماء باللحظة الديموقراطية الفريدة التي قل نظيرها في المشهد الحزبي المغربي.

صحيح أن التوقعات الأولية كانت تشير إلى عودة بنكيران لأسباب متعددة، لكن طبيعة انتخاب الأمين العام للحزب تجعل من الصعب الحسم إلا بعد إعلان النتائج، وعموما يمكن القول أن هناك عاملان أساسيان ساهما في اختيار عبد الاله بنكيران لقيادة المرحلة.

العامل الأول: عودة الأمين العام عبد الاله بنكيران لقيادة الحزب في أوج انهياره، بعد أن تركه في أوج ازدهاره بسبب البلوكاج الشهير، وبعد أن انفض الجميع من حوله وتركوا سفينة الحزب تغرق، ولا شك أن زعيما سياسيا وقائدا حزبيا توج مساره باحتلال حزبه للمرتبة الأولى مرتين، وترأس الحكومة المغربية، ثم تعرض لما تعرض له من طرف الخصوم ليجد نفسه بعد كل هذا المسار متقاعدا سياسيا، لا شك أنه من الصعب عليه العودة من جديد لقيادة حزب منهار، لكن العكس هو الذي حدث وهذا ما رفع من أسهم بنكيران ليكون الأمين العام من جديد.

العامل الثاني: لا يجادل أحد في القدرة التواصلية الجبارة لعبد الاله بنكيران وقدرته على الإفصاح عن مواقفه بسلاسة ووضوح، ما يمنح شعبية كبيرة في صفوف المناضلين وعموم المواطنين، بالإضافة إلى تركيزه على تجديد المواقف والتأكيد على مرجعية الحزب والتخلص التدريجي من مخلفات المرحلة السابقة.

في العلوم السياسية يتحدث الباحثون عن نظرية الرأسمال الحزبي، كآلية لتفسير النتائج الانتخابية، فكل حزب سياسي يتوفر على رصيد حزبي كما هو الشأن في البورصة وعالم الاقتصاد، حيث تبرز مكانة الحزب تبعا لرصيده السياسي الذي تختلف قيمته حسب موقع الحزب بالأغلبية أو المعارضة، وطبيعة مواقف الحزب وكاريزمية قيادته السياسية ومدى حضوره في النقاش السياسي، وتحريك الحياة السياسية، هذا الرصيد الحزبي تضاءل بشكل كبير جدا بعد عشر سنوات من التدبير الحكومي، وقيادته من طرف أمين عام سابق ارتكب أخطاء قاتلة، وافتقد للحد الأدنى من الكاريزما المطلوبة، لذلك اشتغل بنكيران على تقوية هذا الرصيد من جديد، من خلال مواكبة ملفات طالما شكلت عنصرا جوهريا في مرجعية الحزب، خاصة ما يتعلق بمدونة الأسرة والقضية الفلسطينية والموقف من التطبيع، الأمر الذي أعاد الحزب لمعترك السياسة وقاد النقاش العمومي، دون إغفال الدول الكبير الذي لعبته المجموعة النيابية على مستوى الغرفة الأولى للبرلمان، والتي فاقت دور مجموعات برلمانية كبرى، كل ذلك مهد الطريق أمام بنكيران ليظفر بالأمانة العامة.
رهانات المرحلة بعد المؤتمر

صحيح أن حزب العدالة والتنمية جزء من النسق السياسي والحزبي المغربي، هذا النسق الذي له خصوصيته ويخضع لقواعد أخرى غير تلك المعروفة في التجارب الديموقراطية خاصة على مستوى الوصول إلى السلطة وممارسة الحكم، فإذا كانت الديموقراطية هي نظام حكم الأحزاب كما يقول الفقيه الدستوري هانز كلسن، فإنها في المغرب تنحصر في مشاركة الأحزاب في ممارسة السلطة.

بالتالي فالرهان الانتخابي يشكل عنصرا أساسيا لكل حزب سياسي، وهو ما يقتضي من الحزب العمل على إعداد برنامج واضح المعالم يستحضر الفساد الانتخابي الذي وسم الانتخابات السابقة، والتراجع الديموقراطي الذي عرفه المغرب منذ 2016 ويراعي واقع قيادة الحكومة لعشر سنوات متتالية، مع تقديم الأجوبة المناسبة في تدبير المرحلة.

حماية الخيار الديموقراطي هو صمام الأمان بالنسبة للحزب بعيدا عن واقع الحال، من خلال حماية وتعزيز ديموقراطيته الداخلية والحسم في منهجية التعامل مع الأحداث والمواقف التي تترتب عن المشاركة السياسية، وما حدث خلال التجربة الحكومية السابقة أبرز مثال على ذلك، إذ ظهر الحزب مرتبكا في التفسير والتوفيق بين مبادئه مواقفه وإكراهات السلطة، ولا شك أنه لا أحد لحد الآن يستطيع الإجابة عن كيفية التعامل مع مثل هذه النوازل مستقبلا لو كان الحزب في الحكومة.

بالإضافة لما يتعلق باتخاذ القرار وانحصاره في دائرة ضيقة وخضوعه أحيانا لمزاج هذا أو ذاك، والخرق الوضح أحيانا لتوجهات الحزب خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع السلطة، وهو ما عرفه الحزب في مرحلة سابقة، بعد أن ظهرت مواقف وتصريحات متباينة لقيادات بنفس الحزب بلغ بعضها درجة الانبطاح، لذلك فتقوية مؤسسات الحزب وتغليب النقاش الجماعي وتوحيد القرار كفيل بإنضاج المواقف وقوة الطرح، بما يحترم الديموقراطية ويقدر القواعد المناضلة، ولا شك استثمار الماضي لاستشراف المستقبل أمر صحي ومطلوب، فلا يمكن أن يمر كل ذلك بوزنه وثقله السياسي دون لحظة تقييم ونقاش مؤسساتي.

لا يعني هذا النجاح والاشعاع الذي حققه الحزب بعد نكبة 8 شتنبر أن الطريق ممهدة أمامه لاحتلال الأول وقيادة الحكومة، المؤشرات الحالية تؤكد صعوبة الأمر إن لم أقل استحالته، خاصة في سياق تراجع واضح عن المنهج الديموقراطي دوليا ووطنيا، وتفشي الفساد السياسي وتضارب المصالح، واستمرار التطبيع والتمكين للكيان الصهيوني، وهو ما يعاكس مطالب الحزب وتوجهاته ما يصعب معه تواجد الحزب في أي موقع تدبيري.

المطلوب الان هو الانحياز للخيار الديموقراطي وتقوية الصف الداخلي وشحن الرصيد السياسي اللازم لمواجهة التراجعات والقيام بالدور الذي جاء من أجله الحزب في إصلاح ما يمكن إصلاحه في ظل الاستقرار ومن كل المواقع.

*مصطفى الأسروتي