إشعال الجمهور!
وفاة أزيد من 100 مشجع كرة قدم في غينيا مساء أول أمس، بسبب أعمال شغب وتدافع، عقب إعلان حكم مباراة عن ضربة جزاء، يُظهر إلى أي حد أصبح جمهور الكرة مشحونا ومتطرفا وقابلا للإنفجار في أية لحظة وتحويل مواجهة رياضية إلى مجزرة تزهق فيها الأرواح عند أول سبب تافه.
في السابق كانت أقصى ردود فعل الجمهور الغاضب من التحكيم، أو من سوء أداء فريقه، هو السب والشتم والشعارات البديئة، “تُفَش” بعدها قلوب المغتاظين وينتهي كل شيء في المدرجات ويذهب كل واحد إلى حال سبيله وأسرته في هدوء.
ظاهرة تزايد عدوانية جماهير الكرة، بالعنف اللفظي أو المادي، لا تراكم تاريخا طويلا في الوجود، وتذهب الكثير من التفسيرات حول تنامي تطرف مشجعي الأندية وتعصبهم إلى انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، وأيضا تؤكد كثير من الدراسات الحديثة التي تهتم بسلوك مشجعي كرة القدم الحاليين وبيان اختلاف سلوكياتهم وطرق تفاعلهم مع اللعبة، ومدى تأثير مواقع التواصل الإجتماعي على أفكارهم وتصوراتهم، ومقارنتهم بالمشجعين القدامى الذين عاشوا فترة ما قبل الثورة التكنولوجية، تتوصل إلى أن الكل أصبح يجلس في غرفة واحدة، وأن موجة هذه المواقع قد جرفت الجميع.
الذي تغير هو أنه بدخول مواقع التواصل تحوّل مشجع كرة القدم من مجرد مستهلك لفرجة كروية تستمر بضع ساعات أسبوعيا في مدرجات الملعب، إلى صانع لهذا المنتوج على مدار الساعة في وسائل التواصل الإجتماعي، ويجتمع فيها في مجموعات تشجع نفس النادي ويشكلون قوة ضاغطة على مسيري أنديتهم، وأيضا يتضامنون في المواجهات “العنيفة” افتراضيا ضد مجموعات الفريق المنافس، طوال أيام الأسبوع، ليلا ونهارا، مما يؤدي إلى تنامي الشعور بالحقد والكراهية والإحساس بوجود المؤامرات، ويتحول الدفاع عن النادي ونصرته إلى أولوية مصيرية في حياتهم، ومستعدين للتضحية بأي شيء في سبيل ذلك.
كذلك دخول الأندية واللاعبين إلى هذه المواقع ساهم في سهولة وصول الآراء إليهم، الإيجابية منها أو السلبية، وتسبّب استخدام الأندية واللاعبين هذه المواقع لغرض التسويق في إشعار المشجعين بأهمية أكبر من اللازم باعتبارهم العنصر الذي تقوم عليه صفحات هذه الأندية واللاعبين، والتي تُعَدُّ مصدرا أساسيا للأموال بالنسبة للجميع، وبسبب هذا الحرص على اكتساب المشجعين وإرضائهم؛ شعر المشجعون بأهميتهم ودورهم في العملية، وانتقلت بذلك مركزية اللعبة إلى الجمهور، وباتت الكثير من خيوط اللعبة في أيديهم بالفعل.
الخطير في هذا التحول هو دور المسيرين والمدربين في عملية شحن هذه الجماهير، فعوض أن يكون المسير والمدرب مسؤولا ملتزما بواجب التحفظ في التصريحات، وأن يكون موجها للجماهير نحو التزام الهدوء والروح الرياضية، تجده هو من يعمل على إشعال غضب الجمهور على التحكيم وعلى الجامعة وعلى جهات خفية يدعي أنها لا تريد خيرا بالنادي، أو تعمل على تعبيد الطريق لفريق منافس حتى يظفر باللقب، وهي الإتهامات التي غالبا يكون غرض المسير أو المدرب منها، هو صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للهزائم والتراجع في سلم الترثيب، والتي هي التدبير الإداري والمالي والتقني الكارثي.
فعوض اعترافهم بالفشل، ووضع “السوارت” لمن هم أقدر على المهمة، يعمدون إلى شحن الجمهور المشحون أصلا بالنمط الجديد والمتطرف في التشجيع، وهو ما يطرح احتمالات بوصول الأمور إلى ما لا تحمد عقباه في أية لحظة لا قدر الله، مثلما حدث في غينيا.