إخلاء الحوز!
حسنا فعلت الحكومة بإعلانها (وفقا لتعليمات ملكية حسب تعبيرها) تمديد فترة صرف الدعم الشهري الخاص بمشردي زلزال الأطلس الكبير، خمسة أشهر إضافية. الخطوة كانت ضرورية ومستعجلة بعدما فشلت الدولة في إعادة بضع وخمسين ألف أسرة شرّدها زلزال السنة الماضية، إما بهدم بيتها بالكامل أو تحويله إلى بناية غير صالحة للسكن، إلي بيوتها.
في المقابل، قالت اللجنة بين الوزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال، عقب احتماعها ال12 المنعقد أمس الأربعاء 2 أكتوبر 2024، إن أكثر من 56 ألف ترخيص بالبناء صدر حتى نهاية شهر شتنبر الماضي، وإن الأوراش متقدّمة في قرابة 51 ألف مسكن.
وبعد مرور أكثر من عام على الزلزال المدمّر ليوم 8 شتنبر 2023، ما زلنا بصدد إحصاء عدد تراخيص البناء الممنوحة، وتقديمها كحصيلة يعتقد رئيس الحكومة إنها مدعاة للفخر.
بل إن البلاغ الصادر عقب اجتماع اللجنة، يتحدث عن بلوغ عملية إزالة الأنقاض والركام عن المساكن المهدمة مراحلها النهائية، أي أننا لم نكمل بعد رفع الأنقاض في بعض الحالات.
هذه أرقام تدعو للخجل أيتها الحكومة. وتمديد صرف الدعم الشهري بقيمة 2500 درهم للأسر المشردة دليل على فشلك في إعادة الإعمار، وإيواء مواطنين مغاربة رفضنا تلقي مساعدات أجنبية موجهة إليهم، بدعوى أننا قادرون على إسعافهم وإعادة إيقاع حياتهم إلى طبيعته.
وأن يكون آخر رقم ورد على لسان رئيس الحكومة يتعلق بألف أسرة فقط تمت إعادة بناء مساكنها منذ حدوث الزلزال، فهذا معناه غياب الدولة في قسم كبير من البلاد.
إن وجود أسرة بدون بيت يعني غياب الشروط الدنيا للعيش الكريم. وبقاء الأسر التي تضررت بيوتها من الزلزال بدون مساكن يعني مخاطر صحية كبيرة على الكبار والصغار، وعدم استقرار المسار الدراسي للأبناء، وغياب أفق أمام أفراد الأسرة في غياب السقف الذي يأويها بدلا من بيتها الذي هدمه الزلزال.
لابد من فتح النقاش حول هذه الطريقة التي اختارتها الحكومة لإعادة “إعمار” منطقة الحوز وباقي الأقاليم التي تضررت من الزلزال. أن نحمّل الضحايا عبئ إعادة البناء بأنفسهم، مع إثقال كاهلهم بمساطر وتعقيدات بيروقدراطية جعلتنا اليوم نفتخر بمجرد منحهم التراخيص، معناه انسحاب الدولة وتهرّب الحكومة من تحمّل مسؤوليتها في إعادة إيواء مواطنين شردتهم كارثة طبيعية.
حسب أرقام اللجنة الوزارية بعد اجتماع أمس، فإن أقل من 13 ألف أسرة توصلت بالدفعة الثالثة من الدعم المالي خاص بإعادة البناء، أي أن هذه النسبة القليلة هي التي تقدمت قليلا في ورش البناء، بينما أغلب الأسر المشردة بالكاد تسلّمت الدفعة الأولى بقيمة 20 ألف درهم.
لقد أصبحنا عمليا أمام برنامج ل”إخلاء” الحوز وليس أعادة إعماره. وحتى البنايات التي تكفّلت الدولة بإعادج بنائها، مثل المدارس العمومية، لم تنتهي أشغالها بعد. اللجنة تقول إن 127 مدرسة فتحت أبوابها من جديد خلال الدخول المدرسي الحالي، أي أن تلاميذها قضوا السنة الدراسية الماضية بكاملها، “لاجئين” في مؤسسات أخرى، مع ما يعنيه ذلك من اكتظاظ وظروف غير لائقة.
فيما تتواصل الأشغال في 42 مؤسسة تعليمية، يرتقب أن تصبح جاهزة شهر نونبر المقبل، وبالتالي يمكننا أن نتخيّل الاضطراب الذي ستعرفه الحياة المدرسية للتلاميذ المنتسين إلى هذه المؤسسات.
إذا كان هناك درس واحد تعلمناه من الكوارث الطبيعية حول العالم، فهو أن استجابة الحكومة لا يجب أن تقتصر على تقديم المساعدات الطارئة. المطلوب هو وجود خطة استراتيجية متكاملة تشمل إعادة الإعمار والتنمية طويلة الأمد.
حتى الآن، لا تزال الحكومة المغربية تركز على الخطوات العاجلة، مثل تمديد الدعم أو تنظيم عمليات الإغاثة للمتضررين كما لو أنهم ما زالوا في أيام الكارثة الأولى، دون تقديم رؤية واضحة حول كيفية إعادة بناء المناطق المتضررة على أسس أقوى وأكثر استدامة.
الكوارث ليست مجرد اختبار لقوة البنى التحتية، بل هي اختبار لمدى استباقية الدولة في وضع الخطط الوقائية والجاهزية. هل وضعت الحكومة خطة لإعادة الإعمار تشمل تحسين البنية التحتية وتطوير المناطق الجبلية التي طالما عانت من التهميش؟ أم أنها ستكتفي بتقديم المساعدات المؤقتة التي تخفف الألم لكن لا تعالج أسبابه؟
المشاريع المعلنة في بلاغ اللجنة الوزارية عقب اجتماعها الأخير، لا توحي بوجود تصور شامل لإعادة تأهيل المنطقة. ومشاريع البنيات الأساسية التي تطرق إليها بالكاد تسمح بالوصول إلى الضحايا في حال وقوع كارثة أخرى، لا قدّر الله.
قد يكون تمديد الدعم خطوة جيدة على الورق، لكنها تظل غير كافية إذا لم تتبعها إجراءات أكثر جرأة وعمقًا. والمطلوب اليوم ليس فقط دعمًا ماليًا، بل رؤية حكومية شاملة تستشرف المستقبل وتضع في اعتبارها أن الحوز لن يكون آخر منطقة في المغرب تتعرض لكارثة طبيعية.