story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

أين هي هذه التنمية؟

ص ص

أثار التقرير الجديد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المتعلق بترتيب دول العالم وفقا لمؤشر التنمية البشرية، نقاشات استثنائية ومشاعر متناقضة، بفعل موجة البروباغندا التي رافقت الإعلان عن نتائجه، والتي راحت تهلل “بلا حيا بلا حشمة” لما اعتبرته إنجازا بعدما انتقل المغرب من الرتبة 123 إلى الرتبة 120، كأننا “طفّرناه”.
ثم جاء معطى آخر ليطلق العنان للمشاعر المتناقضة، بعدما عجز البعض عن استيعاب ترتيبنا خلف جل دول المغرب العربي، حيث لم نتقدم سوى على موريتانيا، بينما تقدمت علينا كل من الجزائر وتونس وليبيا.
يتعلّق الأمر بتقريره يصدره صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، وهو من الوكالات الأساسية التي تعتمدها منظمة الأمم المتحدة للقيام بمهامها. وانطلاقا من ولايته المحددة في القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحداثه سنة 1965، يتمتع البرنامج بوسائل وأدوات تمكنه من الحصول على المعطيات الدقيقة والمحينة المرتبطة بمحاربة الفقر وتحقيق التنمية.
ويقوم هذا المؤشر على عمليات حسابية معقدة، لكنه يعتمد ثلاثة عناصر أساسية هي كل من أمل الحياة عند الولادة، ومعدل سنوات التعليم التي يحصل عليها كل مواطن، ثم حصة كل فرد من الناتج الداخلي الإجمالي.
أما علاقتنا بهذا المؤشر، فيمكن القول إنها عرفت بعض التململ في العقدين الماضيين، حيث بدأت أصوات رسمية وأكاديمية ترتفع منذ العام 2005 مشككة في دقة الأرقام المتعلقة بالمغرب، وضعف المناهج الإحصائية المعتمدة في إصداره.
وبعدما استقر الوضع على حاله رغم “المرافعات” التي قدمها المغرب في أواخر العشرية الماضية، اقتنعت الدولة المغربية بكون العطب داخلي وحقيقي، وهو ما جسده خطاب العرش لسنة 2014، والذي بات يعرف بخطاب “أين هي هذه الثروة؟”، حين قال الملك عبارته الشهيرة: “أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟”.
بناء على هذه الخلاصة انطلق مسار جديد عنوانه وضع نموذج تنموي جديد، وجاءت مبادرات الملك الجديدة التي أضافت برامج لتعميم التغطية الصحية والمعاشات وإصلاح التعليم…
ودون أن نغامر بأية مساءلة لهذه السياسات التي انطلقت حديثا، لنحاول فهم التصنيف المتأخر للمغرب وفقا لهذا المؤشر، انطلاقا من العناصر الثلاثة المستعملة في إصداره، وباعتماد مقارنة بسيطة ومباشرة مع الدول المغاربية الثلاثة التي تقدمت علينا: الجزائر وتونس وليبيا.
نبدأ بأفضل هذه العناصر بالنسبة للمؤشر المغربي، وهو أمل الحياة عند الولادة الذي يعبر عن مستوى الخدمات الصحية، والذي يبلغ 75 سنة، علما أن أمما أخرى في عالم آخر بات الانسان يولد فيها بأمل حياة يفوق 85 سنة، في سويسرا والنرويج، بينما يتجاوز هذا الأمل 80 عاما في 45 دولة ضمنها اسبانيا وتركيا…
أما جيراننا المغاربيين فلا تتفوق علينا في هذا المؤشر سوى الجارة الجزائر، نعم الجزائر، حيث يصل أمل الحياة عند الولادة إلى أكثر من 77 سنة، مقابل 74 سنة في تونس و72 سنة في ليبيا.
أما مؤشر معدل السنوات التي يقضيها كل مواطن في التعليم، فهو يجعلنا تلميذا كسولا مغاربيا، حيث بالكاد نتجاوز عتبة ست سنوات، مقابل سبع سنوات يقضيها الجزائري في فصول الدراسة، وحوالي 8 سنوات لكل من التونسي والليبي، بل تتفوق علينا حتى موريتانيا بتحقيقها معدلا يفوق 8 سنوات.
الفرق سيصبح أكبر وأفدح في العنصر الثالث المتعلق بحصة الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي، حيث لا يصل نصيب المواطن المغربي إلى 8 آلاف دولار سنويا، مقابل أكثر من 10 آلاف دولار لكل من الجزائري والتونسي، وقرابة 20 ألف بالنسبة للمواطن الليبي.
هكذا يصبح تخلفنا الإقليمي أوضح وأكثر منطقية. والتبرير المضحك الذي يقدمه بعض المسؤولين المغاربة منذ عقود، هو ما ينطبق عليه وصف “عذر أقبح من زلة”، حيث يتم الاستشهاد بمستوى التقدم الذي تعيشها حواضر مغربية كبرى مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة… باعتباره لا يمكن أن يقارن بمستوى عيش مواطني الدول المغاربية الأخرى، بينما هذا هو مكمن العطب والتجلي الواقعي لغياب العدالة في توزيع ثمار النمو، وبقاء فئات كبيرة من المغاربة خارج المشهد التنموي بكل عناصره.
وحتى لا نذهب بعيدا، نبقى في إطار تقرير التنمية البشرية الجديد نفسه ونطالع ما يقوله حول توزيع الدخل حسب ثلاث فئات من السكان: ال40٪ الأكثر فقرا، وال10٪ الأكثر غنى، ثم الواحد في المائة الأكثر غنى من بين المواطنين. فماذا نجد؟
الواحد في المئة الأكثر غنى من بين المغاربة يحصل لوحده على أكثر من 15 في المائة من الناتج الداخلي، مقابل حصول 40 في المائة من المغاربة الفقراء، على 17.4 في المائة، أي أن كل مغربي غني جدا يحصل تقريبا على دخل يساوي دخل 40 مغربيا فقيرا.
كيف يبدو الأمر في جوارنا المغاربي؟
في الجزائر يحصل الواحد في المائة الأكثر غنى على أقل من 10 في المائة من دخل الإجمالي، مقابل 23 في المائة ينالها ال40 في المائة من الجزائريين الأكثر فقرا.
وفي تونس يحصل الواحد في المئة الأكثر غنى على قرابة 11 في المائة من الدخل الإجمالي، مقابل 20 في المائة ينالها الأربعون في المائة الأكثر فقرا. فيما تغيب المعطيات الخاصة بليبيا في هذا المجال.
قد تكون هذه المعطيات سبب تعبير قسم كبير من المغاربة، في استطلاع رأي تضمنه التقرير نفسه، عن تأييدهم فكرة فرض معدلات ضريبة مرتفعة على الأغنياء مقارنة بالمعدلات الضريبية المعمول بها في البلاد، أي ضريبة على الثروة.
ومن هنا بداية الجواب على التساؤل الملكي الشهير “أين هي هذه الثروة؟”، والذي يتردد صداه في مثل هذه التقارير بتعبير مختلف هو: “أين هي هذه التنمية؟”.