story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

أوريد: نحن مدينون لراشد الغنوشي واعتقاله اعتقال للديمقراطية في تونس

ص ص

“نحن مدينون لراشد الغنوشي على هذا الإسهام في الفكر الإسلامي المعاصر، ونتمنى أن تُرفع عنه القيود قريبًا، ليواصل مسيرته الفكرية والسياسية، وفاءً لمكانته، ووفاءً لتونس، بلد ابن خلدون”، بهذه الكلمات لخص الأستاذ الجامعي والأديب والمؤرخ، والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي حسن أوريد،  قيمة فكر راشد الغنوشي في الفكر الاسلامي.

ضمن مداخلته خلال منتدى المتوسط للتبادل والحوار التي قدم فيها مراجعة لكتاب “عن الديمقراطية المسلمة (On Muslim Democracy) للأكاديمي الأمريكي أندرو مارش، الذي تناول فكر الغنوشي وتحولاته السياسية والفكرية، عبّر أوريد عن أسفه العميق لغياب الغنوشي عن هذا اللقاء بفعل الاعتقال،

وقال أوريد خلال اللقاء الذي انعقد مساء الثلاثاء 18 مارس 2025، “كنت أتمنى أن يكون الأستاذ راشد الغنوشي حاضرًا هنا، لنناقشه كما ينبغي لصاحب فكر، أو أن ننتقل إليه في تونس لنستمع إليه ويستمع إلينا، دون أي حواجز”، مضيفا أن “الوضع الحالي وضع شاذ، ولا يليق برجل فكر، ولا ببلد عُرف دائمًا بتنفسه للحرية والعقلانية.”

كما أكد أن اعتقال الغنوشي يمثل خسارة للفكر الإسلامي، معبرًا عن تضامنه معه باعتباره شخصية سياسية بارزة قدمت إسهامات كبيرة وأساسية في تطوير الفكر الإسلامي وصياغة رؤى جديدة حول الديمقراطية والتعددية.

تحول نحو الديمقراطية

وتوقف أوريد عند التحولات الفكرية التي شهدها الإسلام السياسي، مشيرًا إلى أن “الحركة الإسلامية لطالما نُظر إليها باعتبارها نشازًا عن الديمقراطية، بل وحتى معادية لها”، واستحضر في هذا السياق المدرسة الفكرية لسيد قطب، التي قسمت المجتمع إلى ” الحكم بشريعة الله وجاهلية”.

وأوضح أن هذه الرؤية كانت مؤثرة فيما سُمّي بـ الإسلام السياسي، “رغم أن المصطلح لم يكن من ابتكار الإسلاميين أنفسهم، بل هو مصطلح أطلقه الغرب لوصف الحركات الإسلامية غير الرسمية”.

ووفقًا أوريد، فقد شهد هذا المفهوم تطورًا كبيرًا، إذ انتقل من تقسيم المجتمع إلى جاهليين وغير جاهليين إلى رؤية ترى أن “الحاكمية لا تتنافى مع سيادة الشعب، وأن الاستخلاف الإنساني لا يعفي من المسؤولية، وأن الحوار يمكن أن يجمع بين مختلف الأطياف، بدلًا من التكفير والإقصاء.”

شخصية استثنائية

وأبرز أوريد أن الغنوشي كان محوريًا في هذا التطور “في مختلف الدول الإسلامية، مثل ماليزيا والمغرب، ورغم أن الحركات الإسلامية شهدت مراجعات فكرية، إلا أن إسهام الغنوشي حسب أوريد يبقى “متميزًا بطابعه الفريد، سواء بصفته رجل فكر أو رجل ممارسة سياسية.”

وأضاف أوريد أن الغنوشي “خاض العمل السياسي وعرف وجوهه، من التضييق إلى المنفى إلى تحمل المسؤولية”. وما استوقف أوريد في مسيرته هو أنه “لم يأتِ من المدارس العتيقة أو من جامعة الزيتونة، بل درس الفلسفة.”

وأشار إلى أن دراسة الغنوشي للفلسفة ساهمت في تشكيل رؤيته السياسية، حيث نشأ في بيئة ذات “مرجعية علمانية صارمة”، وتعرض لمحاولة إعدامه بسبب أفكاره، لولا التغير السياسي الذي شهدته تونس عام 1987.

مدرسة المنفى

واعتبر أوريد أن تجربة المنفى كانت حاسمة في بلورة أفكار الغنوشي، موضحًا أنَّ المنفى ” في لندن مكنه من التعرف على أطياف فكرية مختلفة، والنظر إلى الديمقراطية عن قرب، دون إصدار أحكام مسبقة.”

وأضاف “لم يكن هدفه مجرد التوفيق بين الفلسفة الإسلامية والفكر الغربي، بل البحث عن إمكانية مواءمتهما بشكل عملي، فالديمقراطية عنده ليست مجرد فصل ميكانيكي بين السلطات، بل تقوم على ضرورة التعاون بينها عندما تقتضي المصلحة العامة ذلك.”

الديمقراطية المسلمة

وأكد أوريد أن فكر الغنوشي تجاوز مفهوم الإسلام السياسي، خصوصًا بعد مؤتمر النهضة عام 2016، الذي أعلن فيه الحزب رسميًا عن “فصل السياسي عن الدعوي”.

وأشار إلى أن هذه الخطوة تمثل “تحولًا كبيرًا في الفكر الإسلامي السياسي، حيث انتقل من الانشغال بالشرعية الدينية إلى التركيز على الشرعية الديمقراطية”.

وأضاف أوريد أنَّ “هذه التجربة ليست مهمة فقط في تونس، بل للحركة الإسلامية عمومًا، بما في ذلك المغرب، حيث لم يكن بعيدًا عن هذا المسار.”

مخاطر الشعبوية

وأوضح أوريد أن الغنوشي أدرك التحديات التي تواجه الديمقراطية في العالم العربي، خصوصًا خلال الفترات الانتقالية، حيث “لم يكن غافلًا عن عن مخاطر الشعبوية التي تعدُّ أشد خطرٍ على البناء الديمقراطي من أي تحدٍ آخر.”

وأضاف “لقد أدرك أهمية تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة عن طريق الحوار، وليس بالقوة أو العنف.”

اعتقال الديمقراطية

ختم أوريد مداخلته بالتأكيد على أن استمرار اعتقال الغنوشي يعكس أزمة الديمقراطية في تونس، إذ يرى أنَّ ” الأفكار التي طرحها الغنوشي لم تكن موجهة فقط للغرب، بل حتى للمسلمين أنفسهم، لأنها تتمحور حول قناعة راسخة بأنه لا بديل عن الديمقراطية، وأن التوفيق بين الانتماء الإسلامي والديمقراطية ليس أمرًا مستحيلًا.”

وأكد أوريد أن رفع القيود عنه سيكون “انتصارًا ليس فقط لشخصه، بل لقيم الديمقراطية والتعددية التي ناضل من أجلها.”

وشدد على أهمية الدور الفكري الذي لعبه راشد الغنوشي في تطوير الفكر الإسلامي الحديث، معربًا عن أمله في أن يتم الإفراج عنه قريبًا ليواصل مسيرته الفكرية والسياسية، تقديرًا لمكانته، وصونًا لقيم الحرية والتعددية التي تمثلها “تونس بلد ابن خلدون”.