أوريد: وجود الدولة يتجلى حين يكون هناك تطابق بين المؤسسات والوظائف التي تؤديها

أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط حسن أوريد، أن وجود الدولة يتجلى حين يكون هناك تطابق بين المؤسسات والوظائف التي تؤديها هذه المؤسسات، موضحًا بالقول: “الدولة تكون قائمة عندما يقوم قطاع التعليم العمومي بتأدية وظيفته في توفير التعليم، والصحة والأمن وغيرها من القطاعات الحيوية إلى عامة المواطنين “.
وأضاف أوريد، خلال ندوة وطنية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، الأربعاء 19 فبراير 2025، أن “الدولة تغيب عندما تفقد المؤسسات وظيفتها الأساسية، مما يؤدي إلى خلل في بنيتها”.
وفي هذا السياق، تطرق الأستاذ الجامعي إلى مفهوم “دولة القانون”، مشيرًا إلى أن المصطلح الذي يستخدمه الإنجليز (Rule of Law) أكثر دقة من التعبير الفرنسي (État de droit)، بحيث يعكس سيادة القانون بدلًا من مجرد وضعية قانونية للدولة.
وأوضح أن “غياب سيادة القانون يؤدي إلى تغول السلطة وانتشار ممارسات تعود إلى منطق حكم الفرد، وهو ما يهدد المؤسسات الديمقراطية”.
وفي معرض تحليله لمستقبل الدولة في المغرب، أكد أوريد أن الدولة ليست كيانًا جامدًا بل مشروعا مستقبليا يتطور مع الزمن، مشددًا على أن “الحديث عن اكتمال الدولة هو تصور نظري، إذ أن الدولة تظل مشروعًا مستمرًا يهدف إلى التحديث والتكيف مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية”.
واعتبر المتحدث أن الأزمات العالمية الأخيرة أظهرت الحاجة إلى الدور المركزي للدولة “في تنظيم المجتمع وضبط العلاقات الدولية”، مبرزا أن “هذا التوجه يوازيه أيضًا عودة قوية للجغرافيا السياسية، وهو ما يستدعي تحليلًا معمقًا للعوامل التي تؤثر في استقرار الدول ودورها الإقليمي.
ومن جانب آخر، حذر الأكاديمي من “هيمنة” بعض الفئات على الدولة، معتبرًا أن “هناك نزعة متزايدة لدى بعض الجهات لمحاولة فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة”، داعيا إلى تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة “لضمان التوازن بين مختلف الفاعلين”.
وأكد أن هذا التحدي “ليس حكرًا على المغرب، بل هو إشكال عالمي في ظل تنامي النزعات السلطوية”.
واستشهد أوريد، في هذا الباب، برؤية توماس هوبز حول مفهوم الدولة باعتبارها “الكيان الذي يضمن الأمن الداخلي والخارجي”، لكنه في المقابل أشار إلى ضرورة تحقيق التوازن بين الأمن والحرية، إذ يرى “أن الدولة التي تركز فقط على الأمن دون اعتبار للحريات الفردية تنزلق نحو الاستبداد، مما يفقدها شرعيتها مع مرور الزمن”.
وأضاف المتحدث في معرض مداخلته بالإشارة إلى أهمية تبني مقاربة تعاقدية جديدة للعلاقة بين الدولة والمواطن، مشددًا على أن “النموذج الذي وضعه جون لوك في تصوره للعقد الاجتماعي يمكن أن يكون أكثر انسجامًا مع المتغيرات الحالية، لأنه يضمن حقوق الأفراد دون إغفال دور الدولة في توفير الأمن والاستقرار”.
وأكد حسن أوريد أن الدولة ليست مجرد أجهزة ومؤسسات، بل هي مشروع مستمر يتطلب توازناً دقيقًا بين الوظائف والسلطات والحقوق، مشددا على ضرورة سيادة القانون كضمانة أساسية لتطور الدولة الحديثة، “لأن التحولات الجيوسياسية تفرض إعادة التفكير في دور الدولة بشكل مستمر لمواكبة التحديات المعاصرة”.
ومن جهة أخرى، شبَّه أستاذ العلاقات السياسية، الدولة بالمؤسسة الدينية التي تحتاج إلى “إكليروس”، معتبرًا أن “الإكليروس يتمثل في البنية التكنوقراطية، التي تؤدي دور الكهنة داخل الدولة”.
وتابع شارحا أن التكنوقراط تجاوزوا دورهم التقليدي كأداة تنفيذية وفهمية، ليصبحوا في مواقع القرار والتوجيه، قائلاً: “التكنوقراط لم يعودوا مجرد خدم للدولة، بل انتقلوا إلى موقع الهيمنة والتأثير في القرارات السيادية”.
وأشار أوريد إلى أن هذا التحول أدى إلى تغيير في موازين السلطة داخل الدولة، “بحيث بات التكنوقراط، الذين كان يُفترض أن يكونوا أدوات تقنية لخدمة القرار السياسي، أصحاب سلطة موازية”.
وأضاف: “لم يعد التكنوقراط يقتصرون على تنفيذ السياسات، بل أصبحوا يُشكلون طبقة حاكمة غير منتخبة، تمارس تأثيرًا واسعًا على مسار الدولة”.
وخلص حسن أوريد إلى الدعوة لعدم النظر إلى العلاقة بين الدولة والتكنوقراط من منظور الصراع، بل من خلال استيعاب هذا التحول، وفهمه “كتحول هيكلي داخل الدولة الحديثة”.