أهم المراحل التشريعية في إعداد مشروع قانون مدونة الأسرة المغربية
أوضح عبد الرحمن علال، الباحث في العلوم السياسية وحقوق الإنسان، أن إعداد مشروع قانون مدونة الأسرة يمر بمراحل دقيقة وحاسمة، لكونه نصًا تشريعيًا يكتسي أهمية خاصة في النسق القانوني والحقوقي المغربي، مشددا على أن هذا المشروع يستدعي توسيع دائرة المشاورات بشأنه، نظرًا لكونه يؤطر مجالًا حساسًا على المستويين المجتمعي والسياسي، يتعلق بالعلاقات الأسرية بمختلف مكوناتها.
مرحلة التشاور
وفي هذا السياق، مرت المرحلة الأولى من هذا القانون ابتداءً من التأطير الملكي المعبر عنه بموجب خطاب العرش لسنة 2022، مرورا بتكليف رئيس الحكومة برفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن المشاورات إلى الملك، مع حصر الأجل في مدة أقصاها ستة أشهر، وهو ما انكبت عليه اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة داخل الأجل المحدد، وصولا إلى تكليف المجلس العلمي الأعلى بدراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، ورفع فتوى بشأنها إلى أمير المؤمنين.
بعد ذلك، انعقدت جلسة عمل برئاسة الملك بتاريخ 23 دجنبر 2024، انبثق عنها تكليف الحكومة بإعداد مبادرة تشريعية داخل آجال معقولة، لتنكب بدورها على التواصل مع الرأي العام، وصولا إلى تشكيل لجنة وزارية لصياغة مقترحات مراجعة مدونة الأسرة، كما أعلنَ عن ذلك الناطق الرسمي باسم الحكومة يوم 16 يناير 2025 في أعقاب انعقاد المجلس الأسبوعي للحكومة.
وفي هذا السياق، أشارت مريم ابليل، الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، إلى أن الجديد في هذه المرحلة هو الدور الموسع للأمانة العامة للحكومة، حيث تم إشراكها في اللجنة الوزارية منذ المراحل الأولية لصياغة المشروع، وهو ما يمثل تحولًا من دور تقني يقتصر على التنسيق البعدي إلى دور أكثر شمولية يبدأ بالمشاركة الفعلية في إعداد النص التشريعي، ويمتد لاحقًا إلى ترتيب النصوص قانونيًا وإجرائيًا بمجرد المصادقة عليها، وذلك نظرا للأهمية القانونية والتشريعية للنص.
من جانبه، أكد عبد الرحمن علال أن جميع هذه المراحل تُعد جزءًا من عملية ما قبل برمجة المشروع في جدول أعمال مجلس الحكومة، قصد التداول والمصادقة، عملا بأحكام الفصل 92 من دستور 2011، بعد أن تكون مصالح الأمانة العامة للحكومة قد وضعت رقمه الترتيبي التسلسلي، ليُحال لاحقًا من قِبل رئيس السلطة التنفيذية إلى مجلس النواب بالأسبقية لمناقشته وإقراره.
مرحلة الدراسة البرلمانية
بعد إحالته على مجلس النواب، تلتئم لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات لتقديم مشروع قانون مراجعة مدونة الأسرة، ثم مناقشته مناقشة عامة ثم تفصيلية، لتأتي مرحلة وضع التعديلات بشأن مشروع القانون، من طرف عضوات وأعضاء مجلس النواب، والحكومة أيضا، لأنه يمكنها تقديم تعديلات، عملًا بأحكام الفصل 83 من الدستور الذي ينص على أنه “لأعضاء مجلسي البرلمان وللحكومة حق التعديل”.
بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة والتصويت في اللجنة النيابية الدائمة المختصة، من خلال دراسة مشروع النص والبت في التعديلات المدخلة عليه، والتصويت على مشروع النص داخل اللجنة، يُحال المشروع على الجلسة العامة بمجلس النواب لدراسته وتعديله والتصويت عليه برمته، وهو التصويت الذي يعتدّ به في نهاية الأمر.
وأوضح علال في هذا الجانب أن اجتهادات القضاء الدستوري في المغرب دأبت على اعتبار دراسة مشاريع النصوص التشريعية في اللجان النيابية الدائمة من الأعمال التحضيرية، بحيث إن المحكمة الدستورية، لا تبسط رقابتها إلا على محاضر جلسات التصويت العمومية، وليس على تقارير اللجان النيابية الدائمة.
وفي نفس السياق، أشارت مريم ابليل إلى أنه “على الرغم من المسطرة التشاورية المهمة التي قامت بها اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، والمجهودات التشريعية التي تبذلها الحكومة لصياغة مشروع القانون، فإن الدور البرلماني يظل المرحلة الأهم في عملية التشريع، ومع ذلك، فإن نجاح هذه المرحلة يعتمد على النخبة البرلمانية ومدى حرصها على تفعيل آليات التشاور أثناء مناقشة المدونة وتشريعها”.
مرحلة الإصدار والتنفيذ
بعد انتهاء مرحلة الدراسة والتصويت في مجلس النواب، تتم إحالة المشروع كما عدّله مجلس النواب على مجلس المستشارين، حيث يمرّ من المراحل نفسها المشار إليها سابقا، والترتيب نفسه، بما في ذلك التقديم والمناقشة العامة والمناقشة التفصيلية، ثم يليها التعديل فالتصويت في اللجنة المختصة، ثم الدراسة والتعديل والتصويت في الجلسة العامة.
وفي هذا الإطار، أشار علال إلى أنه “في هذه المرحلة، قد يُدخل مجلس المستشارين تعديلات على مشروع النص كما عدله مجلس النواب، فنصبح أمام ما يُعرف بالقراءة الثانية، أي عودة مشروع النص إلى مجلس النواب من جديد، وفي حالة ما إذا أقر مجلس المستشارين مشروع القانون كما أحيلَ عليه من طرف مجلس النواب، آنذاك يتم المرور إلى مرحلة جديدة من حياة النص”.
وتابع أن الملك يصدر الأمر بتنفيذه خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته على الحكومة بعد تمام الموافقة عليه، عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 50 من الدستور، ليتم بعد ذلك نشره في الجريدة الرسمية داخل أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ ظهير إصداره، عملا بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 50 المشار إليه سابقا.
وخلص الباحث عبد الرحمن علال إلى أنه في هذه المرحلة الأخيرة، قد يدخل النص حيز التنفيذ فورًا، أو يتم تحديد أجل معين لذلك في مواده الختامية، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يتطلب إعلام المخاطبين بهذا النص بكل مستجداته ومضامينه الجديدة.