story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

أنس لغراري.. العقل المالي لنادي ريال مدريد

ص ص
داخل نادي ريال مدريد لكرة القدم يعرفون أن الرئيس فلورنتينو بيريز لا يثق إلا بعدد قليل من الأشخاص. لقد اعتاد أن يكون هو القائد الذي يتخذ القرارات الكبيرة، وصاحب الرأي الوحيد تقريبًا الذي يُعتدّ به في الجمعية العمومية للنادي، لدرجة أن من يعرفونه جيدًا يقولون إنه ليس لديه الصبر الكافي للاستماع وقتا طويلا إلى من يتحدث إليه.
داخل أوساط النادي الملكي  هناك بالطبع خوسي آنخيل سانشيز، ومانولو ريدوندو، مرافقه المخلص منذ سنوات عديدة، وجوني كالفات، الذي استطاع إقناعه من خلال النتائج. لكن وسط كل هؤلاء يوجد أيضا المغربي أنس لغراري، الذي قد يكون الأقل شهرة في مجموعة تفضل الابتعاد عن الأضواء.
لغراري هو “مصرفي” فلورنتينو بيريز وعقله المالي الذي يقف على كل صغيرة وكبيرة في تعاملات ريال مدريد ومشاريعه الإستثمارية المتعددة، وهو أيضا الشخص الذي يقف وراء مشروع “السوبرليغ” المؤجل، وهو مؤسس شركة A22، الكيان الذي يقف خلف المشروع الثوري لأنه، بخلاف كونه فكرة رياضية، فإن هذه البطولة التي يتزعمها ريال مدريد منذ فترة طويلة، تهدف إلى إحداث تغيير مالي جذري في عالم كرة القدم.
 
نشأة في أوساط الثراء
أنس لغراري مولود في المغرب سنة 1984،  نشأ أنس وبدأ دراسته في مدينة الدار البيضاء وسط أسرة ثرية تمتلك استثمارات ضخمة في المغرب وخارجه، قبل أن ينتقل إلى فرنسا لاستكمال تعليمه في باريس، حيث درس الرياضيات المالية وبدأ مسيرته المهنية كمحلل في بنك “كاليون”، ثم انتقل إلى “سوسيتي جنرال”..
وتعود علاقته بفلورينتينو بيريز إلى سنوات طفولته، حيث كان كان والد أنس مهندس طرق وصديقًا مقربًا من فلورنتينو، الرئيس المستقبلي لنادي ريال مدريد. وكان شريكًا له في بعض مشاريع البناء والطرق. وكثيرا ما قضت عائلتهما العطلة الصيفية سويا في قصر بيريز بجزيرة مايوركا.
ولم تكن وفاة والد أنس بعد ذلك لتقطع العلاقة بين الشاب الذكي المتفوق في دراسته، ب”عمه” فلورينتينو وتطورت فيما بعد لتجعل منه رجل الظل في كل قراراته وخطواته المالية داخل نادي القرن العشرين.
 
من البنوك الى الكواليس
تلقى لغراري تعليمًا نخبوياً، حيث درس الهندسة في الرياضيات المالية في فرنسا، ما دفعه إلى دخول عالم الأسواق المالية التنافسي للغاية. عالم يشبه قانون الغاب، بقواعد قليلة، والكثير من العمل، وأرباح كبيرة لأولئك القادرين على الصمود، وهم قلة، وكان لغراري أحدهم.
انتقل إلى مدريد وعمل في بنك Société Générale منذ عام 2009، وهو بنك كان له دائمًا وضع خاص في محيط بيريز. فعلى مدار سنوات، كان هذا البنك الفرنسي، الذي يديره دوناتو غونزاليس في إسبانيا، هو الخيار الأول لبيريز في عملياته المالية، بمثابة “بنكه المفضل”.
كانت تلك فترة مليئة بالاضطرابات، وكانت شركة ACS التي يترأسها بيريز، منخرطة في واحدة من أكبر العمليات في تاريخها، والتي كادت أن تنتهي بكارثة مالية غير مسبوقة، وهي محاولة شراء شركة إيبردرولا.
كانت تلك واحدة من المعارك الشرسة في تاريخ أشهر رجل أعمال  في إسبانيا، الذي حاول من خلال شركة ACS – التي كانت تملك أيضًا شركة الكهرباء “يونيون فينوسا” آنذاك – الاستحواذ على شركة إيبردرولا الباسكية، كبرى الشركات الإسبانية من حيث القيمة السوقية.
بدأ بشراء الأسهم، وتحصين نفسه في هيكل المساهمين، بهدف السيطرة عليها. لكن الأمور لم تسر كما أراد، إذ قاومت إيبردرولا، رغم بعض التغييرات القانونية التي كانت في البداية لصالح بيريز في عهد ثاباتيرو، ثم ضده لاحقًا عندما وصل راخوي إلى السلطة.
كما أن أزمة العقار التي اندلعت فجأة سنة 2008، شكلت لحظة حساسة للغاية لشركة مقاولات مثل ACS، التي ارتفع دينها  بشكل كبير، وكاد بيريز أن يفقد السيطرة على شركته، وابتعد عنه شركاؤه التقليديون مثل عائلة مارش و”ألبرتو”.
في تلك اللحظة، عندما كانت الأمور في غاية التعقيد، كثف لغراري جهوده لمساعدة رئيس ريال مدريد على تنظيف الديون، والخروج بأقل الخسائر من عملية لم تسر كما كان يأمل.
كانت إعادة هيكلة تلك التي قادها أنس لغراري حاسمة في إنقاذ ACS من الإفلاس، وغيرت نظرة بيريز إلى إدارة الأعمال. لقد كانت درسًا له، ولهذا السبب، أصبح صارمًا جدًا في إدارة ديون ريال مدريد؛ على عكس كثير من رجال الأعمال، فهو حريص دائمًا على إبقاء الدين تحت السيطرة، لأنه يعرف جيدًا العواقب.
 
الانتقال إلى كاي كابيتال
ترك لغراري البنك الفرنسي عام 2013 باحثًا عن تحدٍّ جديد، فانتقل إلى شركة “Key Capital”، وهي شركة مالية صغيرة تقدم استشارات للعملاء في علاقاتهم مع البنوك. استغل كل معرفته العميقة بالأسواق، وفهمه لكيفية تحرك القطاع المالي، لتقديم المشورة لشركات تمتلك عادةً معلومات أقل من البنوك عند طلب التمويل، وهو أمر يحمل الكثير من المشاكل.
“كاي كابيتال” متخصصة في المنتجات المعقدة، تلك العمليات التي لا تكفي فيها الحسابات البسيطة، بل تتطلب فهمًا عميقًا لكيفية عمل النظام المالي.
في هذه المرحلة، أصبح لغراري شخصية محورية في حياة فلورنتينو بيريز المهنية. شارك في أبرز العمليات التي قام بها على مر السنين. عندما كان ريال مدريد يبحث عن أدوات استثمارية، كان لغراري حاضرًا. وكان جزءًا من عملية اختيار وتفاوض صفقات مهمة مثل صفقات Providence وSixth Street، وهما اتفاقان لا يمكن فهم الوضع المالي الحالي للنادي بدونهما.
كذلك استعان به بيريز في صفقات استحواذ كبيرة لـ ACS مثل صفقة Abertis، ولم تتوقف شركة Key Capital على نجاحها الإسثماري في ريال مدريد فقط، بل قدمت استشارات أيضًا لنادي برشلونة في بعض أكبر صفقاته المالية في ظل ديونه المتضخمة. وهو أمر قد يصدم الكثير من جماهير الكرة، لكن بيريز نفسه كان مهتمًا ومستعدًا لمساعدة غريمه الأكبر، لأنه في العديد من الأمور المالية في إسبانيا  يعد حليفًا كبيرًا على خلاف ما يعتقده الكثيرون.
كانت Key Capital أيضًا نواة شركة A22، التي تقف خلف مشروع السوبرليغ. وهذا أحد الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأنه، إذا نجح المشروع في يوم من الأيام، فلن يفتقر إلى التمويل. ولعل أوضح دليل على العلاقة الوثيقة بين الكيانين هو أن مكاتبهما تقع في نفس المبنى في حي سالامانكا بمدريد.
 
ثورة السوبرليغ المؤجلة
في لحظة محورية من تاريخ كرة القدم الأوروبية، قرر رئيس ريال مدريد فلورينتينو بيريز إطلاق مشروع “الدوري الأوروبي الممتاز” European Super League، الذي كان سيجمع أكبر أندية القارة في بطولة مغلقة ممولة من كبار البنوك العالمية.
لكن القليلين فقط كانوا يعرفون أن من رسم ملامح هذا المشروع منذ 2015، هو أنس لغراري، من خلال شركته Key Capital، حيث تواصل لغراري مع الممولين، ونسّق عشرات الاجتماعات مع رؤساء الأندية الأوروبية. لم يكن مجرد وسيط، بل كان صاحب الرؤية التسويقية والهيكل المالي للمشروع، وقد عُيّن رسميًا كأمين عام للشركة التي أُنشئت في إسبانيا لتدبير البطولة.
في حديثه لصحيفة Le Parisien الفرنسية، قدّم لغراري مرافعة قوية عن رؤيته لكرة القدم: الأندية الكبرى تُنتج المحتوى وتحقق العائدات، لكنها لا تنال حصتها العادلة من الدخل. رأى أن التمويل المبدئي البالغ 3.5 مليار يورو كان يجب أن يُستثمر في تطوير الملاعب والبنية التحتية، لا كمكافآت، بل كإعادة تموضع استراتيجي لاقتصاد اللعبة.
 
أنشطة مالية مختلفة
لأنس لغراري بصمات أخرى في الكثير من الصفقات المالية الكبرى في إسبانيا، حيث ساهم في اختيار بنك “أوف أمريكا ميريل لينش” و”جي بي مورغان”، لتوفير تمويل بقيمة 575 مليون يورو لإعادة تصميم ملعب ريال مدريد. كما تولى فريقه أيضاً التفاوض على الحقوق السمعية والبصرية لدوري لاليغا ويعمل على رفع حصة النادي منها.
لغراري ليس رئيس نادٍ، ولا نجمًا سابقًا، ولا حتى إداريًا رياضيًا تقليديًا. إنه الوجه الجديد لرأسمالية اللعبة، ويمثل الجيل الصاعد من المصرفيين الذين ينظرون إلى كرة القدم كصناعة يمكن إعادة بنائها بالكامل وفق منطق السوق والاستثمار.
بين الولاءات الجماهيرية، والتوازنات المالية، وبين الحنين لما كانت عليه كرة القدم، والطموح لما يمكن أن تصبح عليه، يقف أنس لغراري، مهندسًا من الجيل الجديد، عينه الذكية دائما تترصد الأرقام المربحة، منتظرة الفرصة المناسبة لكسب الصفقات، وربح العروض المغرية التي أصبحت تحبل بها كرة القدم على جميع مستوياتها.