أندية بلا ملاعب !
أمام إغلاق جل الملاعب الكبرى في المغرب في وجه أندية كرة القدم، استعدادا لاحتضان كأس إفريقيا للأمم السنة المقبلة، وأمام قرارات “الويكلو” التي تنزل بها السلطات، وهذه البطولة الوطنية التي أصبحت لا معنى لإجراء مبارياتها المملة والرتيبة والهزيلة المستوى، وأغلبها يدور أمام إسمنت المدرجات، حان الوقت لطرح السؤال الحازم.. متى ستفكر أنديتنا الوطنية في بناء ملاعبها الخاصة، بدل اللعب في ملاعب وزارة الشباب والرياضة، والجماعات المحلية؟
أندية تراكم تاريخا طويلا من الوجود يقترب من قرن من الزمن، ويبلغ عدد محبيها مئات الآلاف من الناس عبر الوطن، وتصرفت خلال مدة وجودها في ملايير كثيرة من الدراهم ذهب معظمها في “الخوا الخاوي” من طرف محترفي “برق ما تقشع” في التسيير، وفي الإنتذابات والرواتب السمينة للمدربين واللاعبين، في بلاد يناضل فيها موظفو الطبقات المتوسطة من أجل زيادات بسيطة في الأجور، لم تستطع هذه الأندية طوال تاريخها “المجيد” أن تقتني قطعة أرضية وتبني فيها ملعبا خاصا بها تبلغ طاقته الإستيعابية 50 ألف متفرج على الأكثر، ويحمل إسم أحد رموزها التاريخيين، ويكون معقلا لاستضافة المباريات الوطنية والقارية.
في معظم البلدان المتقدمة كرويا تجد الملاعب العملاقة المملوكة للدولة، تبقى خاوية على عروشها لأسابيع طويلة وتقتصر فقط على المنتخبات الوطنية مرة كل شهر أو شهرين، مثل ويمبلي بلندن، وسان دوني في باريس، ولاكارتوخا بإشبيلية، ورغم أن هذه الملاعب تتوفر على أحدث طراز من التجهيزات ويتم صيانتها بشكل يومي وقابلة لاستضافة أعداد هائلة من الجماهير، فسبب هذا “الخواء” بسيط.. كل أندية كرة القدم في هذه البلدان لها ملاعبها الخاصة الكبيرة التي شيدتها وطورتها على مدار عقود منذ تأسيسها، وبَنَتها “طوبة طوبة”، لتستغني عن “سعاية” ملعب في ملكية وزارة أو بلدية قد تغلقه في وجهها في أية لحظة وتتركها تطوف البلاد بحثا عن ملعب بديل يستضيف مبارياتها.
قد يتساءل بعضكم “آش جاب شي لشي؟”، مع فوارق السماء والأرض في الإمكانيات وميزانيات التسيير بين الأندية الأوربية الكبيرة، وأنديتنا الوطنية التي لا تتوقف عن “البكا والشكا” من الأزمة المالية والديون و”ليتيج” والمنع من الإنتذابات..
الحقيقة أن هاته الأندية الأوربية العملاقة اليوم، جلها لم تتوفر على ملاعب خاصة بها بمثل هذه الضخامة والأناقة بين عشية وضحاها، ولم تبنها حتى أصبحت في عداد الأغنياء بميزانية تتراقص فيها ملايير الدولارات، بل بدأت في بنائها منذ منتصف القرن العشرين، أي منذ زمن “الفقر والشجاعة” وكانت بمدرجات صغيرة ومرافق بسيطة، وتمت توسعتها وتطوير تجهيزاتها وإعادة هيكلتها عبر مراحل حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم، تشكل مشروعا يذر أرباحا خيالية على خزينة أنديتها وتحقق إشعاعا كبيرا لصورتها وإسمها في كل العالم.
الفوارق توجد في العقلية الإستثمارية للمسيرين التي تستشرف المستقبل وتشتغل وفق مشروع طويل الأمد، والتي لا تحصر تفكيرها في التدبير اليومي، والسعي المَرضي نحو الألقاب ومنافسة الأندية الأخرى على التعاقدات وإضاعة الأموال في الصفقات الفاشلة للمدربين واللاعبين، وقضاء الموسم كله في “المعاطية” مع الخصوم وانتقاد الحكام وإثارة الجدل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
الأندية المغربية بعدما “هناتها” جامعة كرة القدم من الإشراف على الفئات الصغرى، بتمويل مراكز التكوين وفق الشراكة مع مكتب الفوسفاط، وتركت لها فقط الإشراف على الفريق الأول، إذا لم “تجمع راسها” وتدبر جزءًا صغيرا من النادي باحترافية عالية وحكامة منتجة لماليتها، وتسند أمور تسييرها لأطر قادرة على تفعيل نشاطها كشركة رياضية باستثمارات خاصة وبمداخيل من القطاع الخاص تستغني بها عن المساعدات من منح المال العام الممول من جيوب المواطنين دافعي الضرائب، فلا أدري بكل صراحة ما المعنى من وجود كل “هيلالة” هذه الأندية ومن صداعها الأسبوعي.
بالنسبة للملاعب الخاصة، فلا حل لهذه الأندية التي تدعي الفقر والحاجة، سوى اللجوء إلى تجربة الكثير من الأندية الأوربية في بناء أو إعادة هيكلة بصِفر أورو من ميزانيتها أي من ميزانية شركات متعاقد معها.. فملعب كرة القدم خاص بنادي يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ومستعد لأداء تذكرة أسبوعية لمشاهدة فريقه، هو مشروع مضمون الأرباح وبنسب عالية، وأي شركة مغربية أو أجنبية ستكون مستعدة لتوقيع اتفاقية مع أي ناد كبير لتبني له ملعبا مقابل الإستفادة من مداخيله لمدة معينة.
نحن في حاجة إلى مسيرين رياضيين يخططون للمستقبل، وإلى من يتوفر على فكر استثماري حديث ليبني به ناديه على أسس سليمة، ويأتي بمشروع تطوير حقيقي، وليس إلى من يعرف فقط التعامل مع السماسرة، ويربط الصداقة مع “الشناقة”، ويأخذ المال العام بيد، ويبعثره باليد الأخرى.